:عدسة عدسة: سايمون نورفولك
1 سبتمبر 2015
على بُعد مسيرة ساعة بالسيارة على طول طريق غارديز السريعة الممتدة جنوب كابول، دخلت مركبتنا سوقاً تجارية مزدحمة تغُصُّ بشاحنات تقذف عوادمها مخلفات الديزل وتملأ فضاءها أصوات قعقعة العربات التي تجرها الحمير، قبل أن ينعطف السائق بنا يساراً بشكل حاد لنَلِجَ طريقاً ترابية غير ممهدة.
في هذه البقعة النائية من محافظة لوغار، حيث يتعاطف السكان المحليون مع "حركة طالبان"، كانت الضواحي المحيطة تهتز بين الحين والآخر على وقع انفجار عبوات ناسفة وهجمات صاروخية متقطعة، وسط سيل من عمليات الاختطاف والقتل. استمرت رحلتنا بمحاذاة مجرى نهر جاف، ثم عبرنا قرى صغيرة غارقة في القِدم تفصل بين الواحدة والأخرى حواجز لمسلحين محليين، قبل أن يظهر أمامنا مجمع مهجور ذو أسطح زرقاء مطوق بأسلاك شائكة يقبع تحت أنظار أبراج حراسة.
وعلى مسافة أبعد قليلاً، طالعنا منظر وادٍ قاحل غير ذي شجر، ترامت خلاله خنادق وأسوار قديمة مكشوفة؛ فعلى مدى السنوات السبع الماضية، كشف فريق من علماء الآثار الأفغان والدوليين، مدعومين بما يصل إلى 650 عاملاً، عن الآف التماثيل البوذية والمخطوطات والقطع النقدية والنصب المقدسة. وقد أماط هذا الكشف اللثام عن أديرة وتحصينات كاملة يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي، فيما أقيمت أكثر من مئة نقطة تفتيش حول الموقع الذي تحرسه دوريات مكونة من 1700 شرطي ليلاً ونهاراً.
تُعد عمليات الحفر والتنقيب الجارية حالياً الأكبر طموحاً في تاريخ أفغانستان. لكن الإجراءات الأمنية في هذا الموقع لم تُتخذ من أجل حماية ثلة من العلماء وبعض العمال المحليين فحسب؛ إذ ترزح تحت أنقاض هذه الآثار القديمة عروق من خام النحاس تمتد بطول أربعة كيلومترات وتخترق لمسافة كيلومتر ونصف -أو أكثر- جبل "بابا والي" الذي يهيمن على الموقع. وتعد هذه الثروة من النحاس الخام إحدى أكبر الاحتياطيات غير المستغلة في العالم، إذ تحتوي على ما يقدر بنحو 12.5 مليون طن من هذا المعدن. وفي العصور القديمة، كان النحاس سبباً في ثراء الرهبان البوذيين؛ فالكميات الضخمة من زبد النحاس الأرجواني، ومخلفات عمليات الصهر البادية على طول منحدرات بابا والي، تدل على أن إنتاج النحاس وصل إلى مستويات قاربت معدلات الإنتاج الصناعي. وتأمل الحكومة الأفغانية أن يساعد النحاس على إثراء اقتصاد البلاد مرة أخرى، أو تحقيق اكتفاءها الذاتي على الأقل.