25 فبراير 2014
بقلم: سوزان ماك غراث
عدسة: ميرلين دي. توتل
لا حدود لإبداعات الطبيعة.
وإن كنت في ريب من ذلك فما عليك سوى التأمل في الخفاش راشِف الرحيق ونبتة معترشة تتفتّح أزهارها ليلاً، إذ يعيش الاثنان حياةً مفعمة بالتكامل والتداخل والتكافل فيما بينهما داخل الغابات الاستوائية المنخفضة بأميركا الوسطى.
ففي تلك الأصقاع سترى خفاش الرحيق (Glossophaga commissarisi) الذي لا يتجاوز حجمه حجم إصبع يدك وهو يرفرف بين أزهار نبتة الميقونة
(Mucuna holtonii) يرتشف رحيقها بلسانه الطويل على نحو لا يقل مهارة عن الطيور الطنانة أو النحل الطنان. لكنه لا يفوز بالرحيق دونما مقابل، إذ إن هذا المخلوق المنتسب لعائلة الثدييات المجنحة يجود هو الآخر على تلك الأزهار بالتلقيح. في وضح النهار يمكن للزهور أن تعرض بتلاتها لاجتذاب الملقحين اعتماداً على ألوانها المشرقة مثل القرمزي والأرجواني الضارب إلى الحمرة؛ لكن، وبعد أن يسدل الليل ستاره وتنخسف الألوان المشرقة فتغدو خافتة تحت ضوء القمر الفضي، تلجأ أزهار الميقونة إلى الصوت لتجذب آذان خفافيش الرحيق نحوها.
في منطقة للأبحاث الميدانية تدعى "محطة لاسيلفا لعلوم الأحياء" شمالي كوستاريكا، ثمة ميقونة معمرة ومزدهرة نسجت سقفاً من أوراقها الوفيرة فوق فسحة صغيرة من الغابة، لا شجر فيها، وأرخت عشرات أزهارها المتفتحة على سيقان خضراء طويلة. تتدلى تلك الأزهار على ارتفاعات متدرجة لتصنع ما يشبه بهواً مقبباً تغمره الظلال وتتدلى من سقفه الثريات؛ ويَعدل حجم كلّ زهرة حجم الكف وهي تحمل براعم صفراء شاحبة تتخذ شكلاً يشبه قرون البازلاء وتتحلق حول الجذوع المتقوسة.
عند الغسق، تستعد أزهار الميقونة لمجيء الخفافيش. يبدأ "حفل الاستقبال" من الأعلى حيث تبدأ البتلة (أو الورقة التويجية) المخضرة التي تتوج البرعم بالتفتح رويدا رويدا بشكل عمودي حتى تقف منتصبة على قمة الزهرة كمنارة لامعة. تحت هذه البتلة المنتصبة تنبسط بتلتان جانبيتان صغيرتان مثل الجناحين لتكشفا عن وجود شق في الجزء العلوي من البرعم الشبيه بقرن البازلاء. من هذا الشق تحديداً تنبعث نسمات خافتة تشبه نفحات الثوم: إنها رائحة جذابة وإشارة طويلة المدى تجذب ضيوف الميقونة المجنحين نحو مرمى السمع حتى تتيح لهم تحديد موقعها بالصدى.
تستخدم الخفافيش موجات صوتية عالية التردد أداةً للاستشعار، إذ تطلق بحبالها الصوتية صيحات قصيرة وسريعة عبر الفم أو فتحتَي الأنف لتشكيل موجات هوائية، فتقوم بعد ذلك بتحليل التغييرات التي تطرأ على الموجات عندما يرتد صداها إلى آذانها الحساسة. وتتم عملية تحليل المعلومات الواردة بوتيرة سريعة ومستمرة، ما يتيح للخفافيش تعديل مسارها أثناء الطيران إذ ترفرف بسرعة في الجو لملاحقة هذه البعوضة أو تلك، أو تُسابق بني جنسها على الأشجار المزهرة.
التتمة في النسخة الورقية