:عدسة فريتز هوفمان
1 يناير 2019
حملتُ في يدي قلباً نابضا بحجم كرة بيسبول؛ كان كتلة وضَّاحة من أنسجة قرمزية ووردية وبيضاء.
شعرتُ بتقلص تجاويفه وسمعتُ في داخله الدم مُنضَخًّا. كان لزجا وتنبعث منه رائحة لاذعة شيئا ما.
ظل القلب حيّا بعد مرور نحو ثماني ساعات على مشاهدتي "بول آيازو" يستأصله من خنزير مخدَّر في مختبر بطابق أرضي، ثم يصله بأنابيب تحاكي الشرايين والأوردة، ثم يُنعشه بصعقة كهربائية كما يفعل مُسعِفٌ ليعيد إنسانا إلى الحياة. كان القلب خارج جسم الخنزير، ومع ذلك انثنى وتمايل من تلقاء نفسه كأن قوة بدائية خفية مبهمة تحركه. ولقد فاق سحرُه وجمالُه غرابتَه.
واصل قلب الخنزير خفقانه لأسبابٍ منها أن آيازو -أستاذ الجراحة في "جامعة مينيسوتا" الأميركية- غمره بمواد كيميائية تحاكي صفراءَ دُبٍّ. وذلكم تطبيق علمي لممارسةٍ دأبَ عليها المعالجون الصينيون منذ القرن الثامن، مفادها أن صفراء الدب يمكنها أن تنفع الجسم البشري.
ما زالت سوق صفراء الدب رائجة، إذ تُربَّى الدببة في آسيا طلباً لهذه المادة، فتودَعُ في أقفاص صغيرة وتُدخَلُ في أجسامها قساطر لاستخلاص السائل. ما فتئت جماعات الرفق بالحيوان تندد بهذه الممارسة التي لا يختلف اثنان على وحشيتها، لكني لما حملتُ قلب الخنزير النابض واستمعت إلى قول آيازو إن تلك المواد الكيميائية التي تحمي أعضاء الدب من الضمور أثناء فترة السبات قد تحفظ أيضا الأعضاء البشرية، لم أمتلك سوى التساؤل هل كانت صفراء الدب لتحفظ قلب والدي الذي قضى، أو قلبي أو قلوب أبنائي في يوم من الأيام.
قليلة هي الموضوعات التي تشعل جذوة النقاش في الدوائر الصحية أكثر من الطب الصيني التقليدي. ويزداد النقاش تعقيدا بوجود أعمال باحثين من طينة آيازو وآخرين كُثر ممن يتقصّون علاجات تقليدية من منظور أحدث مستجدات العلم، فيعثرون على مفاجآت مثيرة للاهتمام قد تكون لها آثار عميقة في الطب الحديث. لقد طورت ثقافات كثيرة، من القطب الشمالي إلى الأمازون، ومن سيبيريا إلى جنوب المحيط الهادي، علاجاتها التقليدية الخاصة. لكن الصين تقدم أكبر مَعين قد يمتح منه العلماء، بفضل رصيد يُعد أحد أقدم التراكمات المتزايدة للملاحظات الطبية الموثقة.
يرجع تاريخ هذه الممارسات الصينية إلى القرن الثالث قبل الميلاد، حين شرع المعالجون في تحليل الجسم وتفسير وظائفه ووصف تفاعله مع شتى صنوف العلاج؛ ومنها التداوي بالأعشاب والتدليك والوخز بالإبر. وأسهمت أجيال العلماء على مرّ أزيد من 2200 عام في إغناء هذه المعارف وتهذيبها؛ فكانت الحصيلة منظومة متكاملة تتطرق لكل مشكلة صحية على حدة، بما في ذلك نزلات البرد والأمراض التناسلية والشلل والصرع. تقع هذه المعارف في بطون كتب ومخطوطات تحمل عناوين غامضة من قبيل "المأثور في نبض الشعور" (القرن الثالث)، و"علاج الأرب في ميزان الذهب" (القرن السابع)، و"الأسرار الغابرة من خارج الحاضرة" (القرن الثامن).
ظل الطب التقليدي أبرز أشكال الرعاية الصحية في الصين إلى مطلع القرن العشرين لما سقط آخر أباطرة أسرة "تشينغ" على يد "سون يات-سن"، الطبيب الذي درس في الغرب ونهض بالطب القائم على العلم. صار الأطباء الصينيون اليوم يتلقون التدريب والترخيص وفقا لأحدث الممارسات الطبية، ومع ذلك ما يزال الطب التقليدي قطعة مهمة من نظام الرعاية الصحية في البلد؛ إذ تحتضن جل مستشفيات الصين أجنحة مخصصة للعلاجات التقليدية. فضلا عن ذلك فإن الرئيس "شي جين بينغ" جعله ركنا ركينا في سياسة البلد الصحية، بالنظر إلى قدرته على خفض كلفة العلاج وتقديم علاجات مبتكرة، فضلا عن الارتقاء بمكانة الصين، لا غرو أنه سمّى القرن الحادي والعشرين بالعصر الذهبي الجديد للطب التقليدي.
وقد يكون حقا عصرا ذهبيا من المنظور البحثي؛ ذلك أن علماء من جامعات أميركية وأوروبية رائدة (كجامعات كاليفورنيا لوس أنجلوس، وديوك، وأكسفورد) وأخرى آسيوية ينظرون في الأسس العلمية لبعض العلاجات التقليدية لأمراض من قبيل السرطان والسكري وباركنسون.