:عدسة ندريا بروس
1 أغسطس 2017
لا يجد "مولشاند" -ذو الساقين المقوستين والشعر الأشيب- أي حرج في أن يستيقظ قُبيل الفجر ليبدأ مُطارداته اليومية. بل إنه في الواقع يستمتع بذلك.
قال بصوت خفيض ومفعم بالحماس، مشيراً إلى الطريق الرئيسة لقرية "غاجي خيدي" بولاية "ماديا براديش" الهندية: "أختبئ على طول المسار حاملاً مصباحي اليدوي لرصد أي شخص يسير وفي يَده لوتة".
والـ"لوتة" (باللغة المحلية) هو وعاء للماء عادةً ما يُصنع من النحاس، وإنْ بات في هذه الأيام يُصنع من البلاستيك أكثر فأكثر. وهو يفضح كل من يحمله في الهواء الطلق عند الصباح الباكر، وكأنه يصرخ أن حاملَه يتجه إلى حقل أو لدى جانب الطريق ليقضي حاجته (أي يتغوَّط). وأما الماء الذي بداخل الوعاء فهو للاستنجاء.
يستطرد مولشاند قائلاً: "أبدأُ بملاحقة هؤلاء الأشخاص، ثم أُطلق صفّارتي مرات متتابعة، ومن ثم أُفرغ أوعيتهم من الماء؛ وفي بعض الأحيان أحملها بعيدا وأحرقها". يرى مولشاند نفسه يدافع عن إنجاز لم يتحقق إلا بشق الأنفس؛ فقد أعلنت المحافظة التي تنتمي إليها قريته أن هذه الأخيرة أصبحت "خالية من [ظاهرة] التغوط في العراء". ويقول "إن الناس يغضبون ويصرخون في وجهي عندما أوقفهم"؛ ويضيف: "لكن الحكومة منحت أهالي القرية مساعدات كثيرة لبناء مراحيض، لذلك ليس لهم أي عذر الآن".
إن التغوط في العراء قديمٌ قِدَم البشرية. ولم يكن ذلك يسبب مشكلات كثيرة في الماضي، إذ كانت الكثافات السكانية منخفضة، مما كان يتيح للأرض امتصاص الفضلات البشرية بأمان. لكنْ وبعد أن صار السكان يتجمعون أكثر فأكثر في البلدات والمدن، تَعلمنا تدريجياً أن النظافة والصحة مترابطان، وأن من المهم للغاية تجنب الاتصال بالبراز. وصحيحٌ أن ظاهرة التغوط في العراء تعرف تراجعاً في جميع أنحاء العالم، لكن ما يقرب من 950 مليون شخص لا يزالون يقومون بهذه الممارسة بصورة روتينية، ويعيش نحو 569 مليوناً منهم في الهند. وما على المرء سوى المشي على طول سكك القطار أو الطرق الريفية في هذا البلد، وسوف يرى الأدلة رأي العين.
في عام 2015، دعت منظمة "الأمم المتحدة" إلى إنهاء ظاهرة التغوط في العراء، في أفق عام 2030. وليس من المستحيل تحقيق خطوات كبيرة في هذا الشأن؛ إذ إن فيتنام -على سبيل المثال- قد قضت على هذه الممارسة -أو تكاد- على مرّ العقود القليلة الماضية. وإذا نجح العالم في كسب هذا الرهان، الذي يمثل الهدف السادس على قائمة "أهداف التنمية المستدامة" لمنظمة الأمم المتحدة، فإن ذلك سيُحدث أثراً عظيما في الصحة العامة؛ فالأمراض الناجمة عن ضعف مرافق الصرف الصحي وعن المياه غير الآمنة تقتل عددا كبيرا من الأطفال (نحو 1.4 مليون طفل في السنة) يفوق العدد الذي تقتله أمراض الحصبة والملاريا والإيدز مجتمعةً. كما أن ذلك النجاح سيساعد على تخفيف وطأة الفقر والجوع، ويُحَسّن مستوى التعليم. فالأطفال المرضى لا يستفيدون من التعليم، وكذلك حال الحائضات من الفتيات اللائي تفتقر مدارسهن إلى مراحيض نظيفة وآمنة.
وما انفكّت الهند تكافح مشكلة التغوط في العراء حتى قبل أن تنال استقلالها عن بريطانيا العظمى في عام 1947. فقد قال "مهاتما غاندي" ذات مرة "إن مرافق الصرف الصحي أهم من الاستقلال"، حاثاًّ مواطنيه على "نظافة اليد". وقد استجابوا لدعوته.. إلى حد ما. فصحيحٌ أن نسبة الهنود الذين يتغوطون في العراء انخفضت انخفاضاً ملموساً في العقود الأخيرة، إلا أن النمو الديموغرافي السريع بات اليوم يُجبر جل الهنود على العيش في أماكن يكونون فيها أكثر -وليس أقل- عرضة لبراز الآخرين.
في عام 2014 -وقبل أن تُعلن الأمم المتحدة هدفها إنهاءَ التغوط بالعراء في أفق عـام -2030 أعلن الوزير الأول الهندي الحالي "ناريندرا مودي" عزمَه إنهاءَ هذه الظاهرة في الهند قبل ذلك التاريخ بأكثر من عشرة أعوام، وتحديداً قبل يوم 2 أكتوبر 2019، الذي يتزامن مع عيد ميلاد غاندي الـ 150. واتّخذ مودي لحملته هذه، شعار: "المراحيض قبل المعابد"، وقد خَصص لها أكثر من 40 مليار دولار ستُنفَق في تشييد المراحيض وتوعية الناس لتغيير سلوكهم ضمن حملة دعائية أُطلق عليها اسم "سواش بارات أبِيان" (مهمة الهند النظيفة)، والتي ساهم فيها "البنك الدولي" بقروض بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار.