:عدسة براين سكيري
1 أغسطس 2016
عندما عُرض الفيلم الوثائقي "المياه الزرقاء والموت الأبيض" بقاعات السينما الأميركية في عام 1971، سرعان ما لقيَتْ مَشاهدُ أسماك القرش الأبيض الكبير وهي تصدِمُ أقفاص الغواصين استحسانَ الجمهور. لكن المشهد الأبرز الذي لا يزال يسكن وجدان المشاهدين بعد مرور 45 سنة يتضمن مقطعاً طويلا يُظهر أعداداً كبيرة من أسماك قرش الطرف الأبيض المحيطي وهي تتحلق حول جثةِ حوت على بعد 150 كيلومتراً من ساحل جنوب إفريقيا.
ويَستمِد ذلك المشهد عنصرَ الإثارة من حدثين أساسيين: أولهما مغادرةُ الغواصين أقفاصهم المأمونة لتصوير تلك الأسماك، إذ يُعتقد أنها المرة الأولى التي تُجرَّب فيها تلك التقنية أثناء افتراس أسماك القرش وليمتَها؛ وثانيهما أن المشهد بحد ذاته كان لا مثيل له، وقد لا يتكرر أبداً (كمَثل آخر صورة التُقطت لقطعان ثيران بيسون غفيرة وهي تجول سهول أميركا الشمالية). وتعليقاً على ذلك، تقول"فاليري تايلور"، وهي غواصة شاركت في التصوير: "لم يكن بوسعنا تعدادها، فقد كان عددها كبيراً للغاية. لن يحدث ذلك مرة أخرى، وإذا حدثَ فسيكون ذلك في زمن آخر غير هذا.. وإن كنت أشك في إمكانية حدوث ذلك".
في الماضي، كان يُعتقد أن قرش الطرف الأبيض المحيطي -واسمه العلمي (Carcharhinus longimanus)- من أسماك القرش الأكثر عدداً في أعالي البحار، بل إن كتاباً رصيناً صدر في عام 1969 بعنوان "التاريخ الطبيعي لأسماك القرش" قد رَجَّحَ أنها "أكبر الحيوانات الموجودة بأعداد وفيرة على وجه البسيطة، إذ إن وزنها يتجاوز 45 كيلوجراماً". وقد عُرف عنها في السابق محاصرتها لحطام السفن ومراكب الصيد، لكنها شارفت في الوقت الحالي على الاختفاء بسبب الصيد التجاري وتجارة زعانف القرش، فضلاً عن قلة اهتمام الأوساط العلمية، وشبه غياب اهتمام الجمهور عامّة.
وفي ذلك يقول "ديميان تشابمان" -أحد العلماء القلائل الذين درسوا هذا القرش-: "لقد أبَدْنا -أو نكاد- هذا النوع على الصعيد العالمي؛ ومع ذلك فعندما أَذكُر اسم قرش الطرف الأبيض المحيطي، لا يعرف كثير من الناس عمَّ أتحدث".
إنَّ مَن شاهد فيلم "الفك المفترس"، لا بدَّ وأنه يعرف شيئاً عن قرش الطرف الأبيض. فمن الوارد أنه النوع الرئيس الذي عصف بطاقم البارجة الأميركية "إنديانابوليس" بعد أن أغرقتها غواصة يابانية قُبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية (وهو حدث شائن مُخزٍ لدى الأجيال الحالية بفعل ما سمعوه على لسان القبطان "كوينت" -أحد أبطال الفيلم المذكور- وهو يحكي عن نجاته من غرق البارجة). ويعجزُ اللسان عن وصف التأثير الذي يبعث على الخوف والانزعاج الشديد في خطاب كوينت (وحَسْبُنا القول إن ما قاله كان طافحاً بالصراخ والدماء)، لكن المقطع الأخير من كلامه يلخّص الأمر برمّته. قال: "لقد ابتلع الماءُ 1100 رَجل، ولم يصعد منهم إلى السطح سوى 316 رجلا؛ في حين التهمت أسماك القرش العددَ الباقي".