فـي شـوارع "بـريغـي" اليونانيـة التي يعـود تاريخها إلى القرون الوسطى، تَرى نساءً يجلسن إلى طاولات ويمحّصن غُصينات مُورقة بتركيزٍ شديد كمن يبحث عن الماس. إنهن يبحثن عن كتل مستديرة من مادة بيضاء لزجة متصلّبة: علك المَصْطَكاء (الشائع أيضا باسم، المستكا)؛ ذلك الصمغ الطبـيعي الذي يحظى بتقديـرٍ خاص منذ العصور القديمة، لِمَا لـه مـن خواصّ عطـرية وشافية. وتُعدّ بريغي مـن بين 24 قرية منتجة للمصطكاء في جزيرة "خيوس".
صحيحٌ أن أشجار المصطكاء تنتشر عبر دول المتوسط، إلاّ أن تلكَ المعروفة بهذه الخواص المميزَة تنمو تحديدًا في الجزء الجنوبي من جزيرة "خيـوس" اليونانية. وظل علك المَصْطَكاء على مر آلاف السنين القوةَ الاقتصادية لسكّان الجزيرة ومصدر هويّتهم. وقد ذكره "هيرودوت" قديمًا في القرن الخامس قبل الميلاد؛ ومضغه الرومان لتنظيف أسنانهم؛ وبَجّله العثمانيون بوصفها بهارًا. وما زال الناس يستعملونه اليوم لإضفاء مذاق خاص على أطباقهم، وللتخلّص من الآلام وسوء الهضم. بل إن الباحثين يدرسون قدرته على محاربة السرطان.
إنتـاج علك المصطكـاء شـأنٌ عائلي يَشغل العاملينَ به طوال العام؛ ويتضمن العناية بالتربة، وإحداث شروخ بسيطـة في اللحـاء يسيل منها المصطكاء، ومن ثم جنيَ هذا الصمـغ، وتنظيفه. في "متحف خيـوس للمصطكـاء"، يحظى الزوار بنظرة عامة إلى تلك العمليـة، ويمكـنهم كذلك التمشّي بين أشجار بستان بحثًا عن "دموع" مصطكاء تتلألأ في الشمس. وإن رغبتَ بتذوق كنز الجزيرة هـذا، فيمكنـك التلـذذ بشـرابه المنعش؛ أو التهامه في حلوى؛ أو تناوله مكمّلاً غذائيًا؛ أو مضغه وحده على طبيعته، كما يفعل أهالي خيوس منذ زمن بعيد.
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز