ثمة فوائد من إبقاء شريك الحياة أقرَبَ ما يكون إلى القلب.. وإلى الجسم أيضاً. وتِلكم عِبْرة من عالم الحيوان، وتحديداً في أعماق المحيطات.. هذه حكايتها:
ينبغي لأسماك أبي الشصّ أن تعثر على شركاء للتزاوج لدى مياه مظلمة على عمق كيلومترٍ أو أكثر تحت سطح المحيطات. وللعِلم، فإن الأنواع الـ 160 لرُتَيبة (Ceratioid) تشكّل أزواجاً ليست على وفاق من حيث الحجم: إذ إن الذكور ضئيلة وتَصغُر إناثَها بأضعاف مضاعفة (يناهز طول بعض الإناث متراً واحداً). ومع ذلك، فالذكر والأنثى مهيّآن بصورة فريدة ليعثر كلٌّ منهما على الآخر.
فالمنخران المتضخّمان للذكـر يلتقطان فيرمونــات الأنثـى المحمـولة بالميــاه. أمــا عيناه المتطوّرتان فتبحثان عن بقعة ضوء محدّدة: إنه "الطُّعْم" ذو الضيائية الأحيائية (Bioluminescence) الموجود على الساق التي تزيّن جبين الأنثى. ويقول "تيد بيتش" وهو عالم أسماك لدى "جامعة واشنطن"، إن شكل الطُّعم ونقشة أصباغه ونمط وميضه.. كلها صفات تخبر الذكر هل عثر -أم لا- على أنثى من نوعه كي يرتبط بها.
لكن "الارتباط" المشار إليه أعلاه هو في الحقيقة تعبيرٌ ملطَّف لا يعكس الواقع. إذ إن الذكر لا يخاطر بالانفصال عن أنثاه في الظلام الدامس الشاسع؛ فيعمد إلى غرس أسنانه في أحد أجزائها ويلزم مكانه مدة طويلة. يقول بيتش: "إنه بمرور الزمن ينمو جلد كلٍّ من الذكر والأنثى معاً"، وعندها تتصل عروقهما "حتى إن دمها يجري في جسمه"، على حدّ وصفه. ثم تضمحل زعانف الذكر وأعضاؤه الأخرى غير المستعملة إلى أن تذبل، فيتحوّل إلى الشيء الوحيد الذي تحتاج إليه الأنثى: مجرّد مصنعٍ للمني.
يؤتي هذا السلوك الجنسي الطفيلي ثماره؛ فعندما تَجْهز بيوض الأنثى، ترسل هذه الأخيرة إشارة إلى الذكر. وما إن يبدأ هو بإطلاق المني حتى تطلق هي كتلة هلامية من البيوض تتوسّع في الماء ممتصّةً ذاك المني.
وترتفع كتلة البيوض الملقّحة الطافية ببطء إلى أن تبلغ الطبقات العليا من المحيط. وهنالك في الأعلى تفقس البيوض، فتتغذى الصغار بالعوالق حتى تسمن. ويوضح بيتش أنه ما إن تبدأ أسماك أبي الشصّ بالنضوج حتى "تبدأ بهجرتها العمودية العظيمة" إلى الأعماق المظلمة بحثاً عن أزواج لها.
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز