حسين الموسوي
عند قراءتنا التاريخَ، يقع كثيرون -ولا أستثني نفسي- في مغالطة "انحياز النجاة"، حيث نُركز فقط على الأشخاص أو الأشياء التي نجحت، أو نجت، دون غيرها؛ ممّا يؤدي في كثير من الأحيان إلى استنتاجات انتقائية غير سليمة.
عند قراءتنا التاريخَ، يقع كثيرون -ولا أستثني نفسي- في مغالطة "انحياز النجاة"، حيث نُركز فقط على الأشخاص أو الأشياء التي نجحت، أو نجت، دون غيرها؛ ممّا يؤدي في كثير من الأحيان إلى استنتاجات انتقائية غير سليمة. تُدرَّس هذه المغالطة المنطقية في عالم ريادة الأعمال لتحسين آلية اتخاذ القرارات، حيث تقتصر الدراسات أحيانًا على أداء المؤسسات الناجحة في السوق وتعدّها عيّنة معيارية، وتتجاهل تلك التي أفلست أو التي تم دمجها. تؤثر هذه المغالطة في رؤيتنا إلى مفهوم النجاح ومعاييره وحتى سبل تحقيقه؛ فعلى سبيل المثيل، يرى بعضنا أن مفتاح نجاح أصحاب الشركات الشهيرة، من قبيل "ستيف جوبز" و"مارك زوكربيرغ"، هو تركهم الدراسة الجامعية لتأسيس شركاتهم، دون الالتفات إلى مُسببات أخرى. ينسحب الأمر ذاته على الحضارات. فلطالما مَجّدنا تلك التي نُقلت قصصها إلينا، أو لا تزال آثارها المادية وغير المادية بيننا؛ والحالُ أن ثمة حضارات لم نسمع بها -أو قليلًا جدًّا ما سمعنا بها أو حتى ضربنا عنها صفحًا- وكان لها شأن عظيمٌ وبصمة مهمة في تطور التاريخ البشري. سببُ ذلك ليس ضعفها أو ضآلة حجمها حينها، بل ظروف موضوعية وأخرى ذاتية أدت إلى بقائها في العتمة بعيدًا عن أضواء التاريخ. يُعد الحِيثيون (Hittites)، وإمبراطوريتهم التي شملت الأناضول وأجزاء من شرق المتوسط وبلاد الرافدين في إبّان العصر البرونزي، أحد أبرز تلك النماذج الحضارية التي غفل عنها التاريخ المدوَّن. فقد سادت هذه الإمبراطورية ثم بادت على نحو غامض منذ آلاف السنين، قبل إعادة اكتشافها (بالاسم) في لوح طيني في أواخر القرن التاسع عشر. فما قصة هؤلاء الذين قارعوا مصر القديمة وغيرها من الإمبراطوريات المجاورة، قبل أن يأفل نجمهم إلى غير رجعة، ليمهّدوا الطريق لهيمنة حضارات أخرى سادت ثم بادت هي الأخرى.. لكن دون أن ينساها التاريخ؟
أرجو لكم النجاة من "انحياز النجاة"..
وقراءة ممتعة!