تَعرض كاتبةٌ مصابة بعمى الوجوه تأملاتها بشأن التنقل وسط عالم مليء بالغرباء الودودين.
1 نوفمبر 2024
مَرَّت ساعة كاملة وثلاثون عينًا تُحدِّق في سماء العشي، قبل أن يلمح أحدهم خيطًا رفيعًا من الدخان في الأفق. اقترب هذا الخيط أكثر فأكثر، ليتحول إلى شيء أكبر ومجنَّح وذي عضلات: إنها طيور الكركي "الكندي" التي بدت بلون السحب العاصفة ما عدا قمم رؤوسها التي اكتست لونًا أحمر أنيقًا. راحت تحوم حول مخبئنا الذي كان حاوية شحن معدَّلة ثُبِّتت على ضفة النهر لنتوارى داخلها عن هذه الطيور، ثم هبطت من السماء في مجموعات مكونة من اثنين أو ثلاثة أو خمسة، لتحط بلطف في نهر "بلات" بوسط ولاية نبراسكا. "تبدو كأنها كتلة واحدة كبيرة من الطيور"، كما قال دليلُنا التابع لمنظمة تُعنى بصون الطبيعة وتدعى "كرين تراست" (Crane Trust). ثم استطرد قائلًا: "لكنها في الواقع تظل في مجموعات عائلية طوال مدة هجرتها".
سألتُه: "كيف تتبع رفاقَها؟".
أجابتني امرأةٌ ترتدي معطفًا أخضر قائلةً: "تبدو لنا متشابهة، لكنني أجزم أنها تبدو مختلفة لبعضها بعضًا". ابتعدتُ عن الطيور لأتفرّس وجه المرأة. كانت عيناها واسعتين، بأنف يشبه منحدر تلة التزلج وشعر رمادي قصير. فهل كانت هي المرأة ذاتها التي تحدثتُ إليها وأطلعتني على صور كلابها ونحن في الشاحنة الصغيرة التي أقلّتنا إلى هنا؟
كانت تحيط بها امرأتان متشابهتان في المظهر، وكانت ثلاثتهن يسافرن مع أزواجهن؛ وهم رجال كانوا، بالنسبة إلي، من محبي الهواء الطلق وفي منتصف العمر وذوي بشرة بيضاء. وبعد أن اختفت طيور الكركي في الظلام الحالك، خرجنا نحن البشر بهدوء من المخبأ وسرنا عبر حقل موحل، وكان النقيق الذي تصدح به جوقة من الضفادع يطغى على وقع أقدامنا الحذرة. عند عودتنا إلى قاعة الطعام، جلسنا صامتين، وكان بعضنا على وشك البكاء تأثرًا بالجمال الذي رأينا. وحين بدأنا نعبّر عن دهشتنا الجماعية بالكلمات، لاحظت أن كثيرًا من زملائي "الكركيين" (مصطلحنا لعشاق طيور الكركي) كانوا ينادونني باسمي. لم يكن الأمر غريبًا بأي حال من الأحوال. فقد كنا قد أمضينا الساعات الست الماضية معًا، نتجاذب أطراف الحديث ونحن نحتسي المشروبات، ونجلس في حُجراتنا، ثم نتكدس داخل شاحنات صغيرة. ولكنني لم أستطع أن أستحضر أيًّا من ملامح وجوههم أو أسمائهم، على كل محاولاتي الجادة الشاقة. فعيني تَحسَب أن البشر غير متمايزين، مثلهم مثل طيور الكركي تقريبًا؛ ولم أكتشف السبب إلا حديثًا. فأنا مصابة باضطراب عصبي يُعرف باسم عمى الوجوه. ينتهي المآل ببعض الناس إلى هذه الحالة من خلال إصابة في الدماغ. ولكنْ، لمعظم الحالات منشأ وراثي؛ على أن هذه النسخة منه المعروفة باسم "عمى الوجوه النمائي" (Developmental prosopagnosia) تصيب ما بين 2 و2.5 بالمئة من السكان. وتؤثر في جل جوانب حياتنا، بدءًا من التواصل إلى تكوين الصداقات، ومع ذلك لا تُشخَّص إلا قليلًا، لأن الأشخاص المصابين بعمى الوجوه يَفترضون -مثل جل الناس- أن الجميع يرون العالم بالطريقة نفسها التي نراه بها. فنحن لا ندرك أن الآخرين يرون الوجوه على نحو يجعلها متمايزة ومحفوظة جيدًا في الذاكرة. وفيما ي
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز
تَعرض كاتبةٌ مصابة بعمى الوجوه تأملاتها بشأن التنقل وسط عالم مليء بالغرباء الودودين.
قبل أكثر من 5000 سنة، شرع الصناع الحِرَفيون في جزر "سيكلادس" اليونانية في نحت تماثيل رخامية صغيرة لنساء عاريات بأذرع مطوية وشعر مجعد وعيون محدقة واسعة.