عبد العزيز بن علي النعيمي

يَشغل الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن علي بن راشد النعيمي، منصب المستشار البيئي لدى حكومة عجمان بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويشتهر عالميًا بلقب "الشيخ الأخضر" نظير دوره البيئي الرائد في توعية وإلهام المجتمعات بأهمية صون الأرض وحِفظ مواردها.

متى وكيف تولد شغفك بالطبيعة؟
"اسمعني يا بُني، سيكون زمانك مختلف تمامًا عن زمننا، فلن أمنحك صقرًا الآن؛ ولكن أريدك أن تثابر في دراستك وتحصيلك العلمي، وتجد شغفك الحقيقي في هذه الحياة، وتذكر جيدًا أن جلب الأمل للآخرين، وتغيير حياتهم، وإعمار الأرض وصونها هي [طائرك] الذي ستحلق به في عنان السماء". بهذه الكلمات علمني والدي معاني حب الأرض، وكيف يتكاتف الإنسان مع أقرانه، ويتدبر شؤون بيئته.

كنت صغيرًا حينها أرافق والدي في رحلة قنص الصقور، وأردت آنذاك برغبة الطفل الجامحة أن اقتني أحد الطيور لأروضه. رفض والدي ذلك الطلب، بل دعاني إلى تأمل الطبيعة من حولي. فرُحت أنظر إلى ذلك المكان الفسيح وأرْقب الصقور وهي تنطلق صوب الحبارى المتوارية بين الحشائش، فأتفكر في تلك الكائنات وحياتها في هذه البرية. مرت الأعوام، وما تزال تلك الرحلة عالقة في ذاكرتي؛ وقد أصبحت على يقين بأنه لابد من صون هذه النُظم البيئية وكائناتها، حتى نتجنب الضرر بكوكبنا والبشرية معًا.

ما هي فلسفتك في الحياة، وتحديدًا في الجوانب البيئية؟
لدي أربع قواعد أساسية أنتهجها لأجل فهم مشكلاتنا البيئية والعمل على حلها؛ وهي: التحول والإلهام والوئام والاستدامة. ولكل من هذه القواعد أسلوب فلسفي يناسبها في التعامل.  فعلى سبيل المثال، لا يمكن المضي في التحول من دون أن نقدم الدعم والتمكين للفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع؛ فلابد أن يصبح لكل فرد دور ريادي في المجتمع يُشعره بقيمته وأهميته.

كما ينبغي لكل فرد أن يجد مصدرًا للإلهام والوئام على حد سواء. ولتظل عملية تحفيز  أفراد المجتمع وتشجيعهم -وبخاصة الشباب- دائمة لا تنقطع؛ يجب السعي إلى بناء جسور الصداقات بين الثقافات المختلفة، وذلك لتعميق التفاهم وتعزيز سبل التعايش فيما بينها لِما فيه من مصلحة مشتركة. وفيما يخص الاستدامة، فهي ليست فكرة أو كلمة نصدح بها فحسب، بل أسلوب حياة يؤسس لكيفية تعاملنا الأمثل مع أُمّنا الأرض ومواردها. لذا فإن في هذه الفلسفة مسؤولية فردية عظيمة تحفزنا لإنشاء عالم مستدام متوازن وأكثر ترابطًا.

ما هي التحديات السبعة البيئية، والتي تختصرها باسم "7W"؟
ابتكرتُ هذا المصطلح لأجل لفت أنظار العالم إلى تحديات واقعية تواجه البشر، وتؤثر في صحة كوكبنا والتي قد تزداد سوءًا وتعقيدًا في المستقبل القريب. فهذه التحديات تُسهم في تشكيل معالم حياتنا وتَحول دون استدامة بيئتنا، وهي العبادات والإيمان (Worship, Faith)، الرفاه والصحة (Well being)، قضايا المياه (Water)، أزمات الغذاء (Wheat, what we eat)، الطاقة (استُخدمت كلمة Watt للتعبير عن مصادر الطاقة)، الطقس وتغير المناخ (Weather)، النفايات (Waste). وقد وضعت لكل تحدٍ آلية مناسبة يتوجب علينا اتباعها حتى نضمن مستقبلًا زاهرًا وأكثر استدامة، ولكن علينا أن نتذكر أن مفتاح حل هذه المشكلات يكمن في خطواتنا الفردية وجهودنا الجماعية.

كيف يمكن الموازنة بين التنمية العمرانية والنشاط البشري وصون الطبيعة؟
عندما تُوضع المخططات العمرانية، فإن مصلحة البيئة لا تُراعى غالبًا، بل إن الجانب الاقتصادي هو الأبرز؛ لذا فهذه أكبر معضلاتنا البيئية وأصعبها. على أن الأمر ليس بذلك السوء، ففي العقود الماضية رأينا العديد من نماذج المدن المستدامة والمشروعات الحضرية سواء هنا في منطقة الخليج العربي أو أماكن أخرى.

ولتحقيق هذه الغاية ينبغي اتباع نهج متوازن يراعي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية معًا، وفي الوقت ذاته يقدم مصلحة البيئة أولًا ويحرص على سلامة نظامنا البيولوجي. وهنا تبرز أهمية التخطيط المستدام لدى القائمين على بناء المدن، ودور الحكومات في إصدار القوانين والتشريعات البيئية الصارمة، فضلًا عن تعزيز الوعي البيئي وبيان التأثير المباشر للنشاطات البشرية في البيئة وكائناتها. لدينا في دولة الإمارات نماذج باتت أمثلة واقعية تحقق التوازن بين البناء والنماء وصون الطبيعة، وهي أمثلة يمكن تعميمها على مناطق أخرى من العالم، مثل مدينة مصدر بأبوظبي، والمدينة المستدامة في دبي، ومدينة الشارقة المستدامة. ولا يمكن أن نغفل مشروع "نيوم" في السعودية، الذي يُعد مثالًا حديثًا يحقق التوازن بين التنمية الحضرية ومفاهيم الاستدامة، إلى جانب مشروع "العُلا" الذي يقدم فكرة حية عن كيفية تطوير المناطق السياحية والحفاظ على ثقافة المنطقة وتراثها وضمان استدامتهما من دون التعدي على الأرض. وأعتقد أن مثل هذه المشروعات ستشكل طريقًا واضحة المعالم إنْ أردنا تطوير مدننا وحِفظ طبيعتنا.

كيف للأجيال الشابة أن تُسهم في إصلاح الكوكب؟
يؤدي جيل الشباب دورًا رئيسًا وحاسمًا في القضايا المتعلقة بالبيئة، ولعل أبرزها ظاهرة التغير المناخي. فمن خلال تبني الشباب ممارسات بيئية مستدامة، يمكنهم صون الموارد بدلًا من استهلاكها بصورة متزايدة؛ فضلًا عن مبادراتهم التي تشجع على إعادة تدوير المنتجات الاستهلاكية، وكذا مشروعاتهم المبتكرة في توفير حاجاتهم الأساسية، ولكن ببصمة كربونية أقل. كما أن مشاركة الشباب في الحملات والنشاطات البيئية عمل لا ينبغي الاستهانة به بتاتًا؛ فهو أسلوب مثالي يُعزز الوعي البيئي لديهم. لذا فإن الشباب المحبين لكوكبهم هم أساس مبادراتنا ومشروعاتنا البيئية.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab