قصة واحدة هيمنت على المسار المهني لهذا المصور: فيضان الجزيرة حيث يعيش.
نشأتُ في جاوة. كانت وظيفتي الأولى هي العمل دليل سفر للزوار، ثم للطلاب المتدربين من أوروبا. حينئذ بدأت أستخدم الكاميرا، وعندها عرفت أنني أريد أن أصبح مصورًا صحافيًا. بدأت العمل مصورًا مستقلا، لكنني رغبتُ بمزيد من التدريب. لذا ذهبت في عام 2015 إلى مدينة بالي لحضور ورشة عمل حول التصوير الصحافي، حيث يُعلم المصورون المحترفون الطلاب مثلي نظير رسوم منخفضة. وكانت تلك البداية. خلال ورشة العمل التي أشرفت عليها "ماغي ستيبر"، المصورة المستقلة لدى ناشيونال جيوغرافيك، كنت كطفل، أو كشخص أعمى، أو كمن يبدأ من الصفر. حاولت أن أتعلم وأن أسمع كل كلمة تقولها ماغي. في الختام، كان هناك مهرجان وجوائز لأفضل الطلاب في كل فصل من الورشة. نادت ماغي اسمي: "آجي!". لم أتوقع شيئًا كهذا قَط. قلت: "ماذا؟". وبعدها، بكيت على المسرح. بعد بضعة أشهر على ذلك، طلبت إلي وكالة تصوير صحافي أن أعمل مصورا مستقلا لديها. ثم كلفني أحد العملاء بمَهمة تصوير.. ثم آخرون. وفي عام 2017، شرعت في تصوير ارتفاع منسوب البحر والفيضانات في مقاطعة ديماك على الساحل الشمالي لجاوة الوسطى، في النجوع والقرى غير البعيدة عن منزلي.
تتشكل إندونيسيا من نحو 17000 جزيرة محددة الأسماء. في جزيرتي الأصلية، جاوة، تتعرض المناطق الساحلية للتهديد من خلال إزالة الغابات، وانخساف الأرض بفعل استخراج المياه الجوفية، وارتفاع منسوب البحار بسبب تغير المناخ. قبل بضعة أعوام، كانت تحدث أسوأ فيضانات في ريجنسي من مارس حتى أغسطس، عندما كانت مياه المد تدخل إلى المنازل على مرّ ست إلى تسع ساعات في اليوم. لكن في العامين الماضيين، يبدو أن الفيضانات صارت غير متوقعة وحدثت في أشهر أخرى. إذ اجتاحت مياه المحيط آلاف الهكتارات من اليابسة التي كانت في ما مضى أرضًا زراعية؛ وتدريجيا، تحولت إلى برك أسماك وغابات منغروف؛ وهي الآن مغمورة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر. يوم ذهبت هناك لالتقاط الصور، قال لي بعض أهالي القرى: "تأتي وسائل إعلام كثيرة جدا إلى هنا، ولا تغيير يطرأ". بعد ذلك، حاولت أن أجعل هذا المشروع أكثر جدية. أحيانًا أذهب من دون كاميرا، فقط للتحدث إلى الناس. إنهم غاضبون للغاية، بعد أعوام عديدة من دون القيام بأي شيء لمساعدتهم.
في الماضي، كان الناس هنا مزارعين. ثم أصبحوا صيادين. لقد غيّر الفيضان ثقافتهم وسبل عيشهم. عندما ألتقط الصور، يخبرونني كيف كان المشهد الطبيعي. يقول أحدهم: "في هذه المنطقة، كل شيء أخضر يا آجي. في كل مكان توجد أشجار جوز الهند". ما زالوا يرونها كذلك.. لكن بقلوبهم فقط. قال لي رجل يعمل على طريق بمجرفة: "أتعْلم يا آجي، عندما كنت صغيرًا، كانت هذه المجرفة مخصصة للزراعة". لكنه يحاول الآن استخدامها لإصلاح الطريق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. على أنها لا تجدي نفعًا في حل المشكلة الحقيقية، لأن الماء يستمر في تخريب كل ما يصلح الرجل. وأضحى الشبان الآن والأطفال يرحلون إلى المدينة، تاركين وراءهم هذه القصة المؤلمة. وقد أتيحت فرصة المغادرة لبعض كبار السن، لكنهم لا يريدون ذلك. يقول الواحد منهم: "سأتأقلم مع هذه الظروف، مهما كلف الأمر. إذا كان لابد من دفني، فسوف أدفن هنا، في أرض أجدادي". جعل فيضان مقبرة قرية "تيمبول سلوكو" من الصعب على الأحياء زيارة قبور أسلافهم أو دفن موتاهم. دأبت على زيارتها مرات عديدة على مرّ أعوام. في سبتمبر 2021، التقطت صورًا لعملية رفع مستوى سطح المقبرة، التي غالبًا ما كانت تُغمر بالماء. إذ أزال أهالي القرى شواهد القبور، وباستخدام آلات جرف التربة حصلوا عليها من الحكومة، رفعوا سطح التربة بـ 1.5 متر. أعادوا كل شاهد قبر إلى مكانه وأضافوا سياجا جديدا. هنالك أخبرني بعض الأهالي أن ذلك الإجراء من شأنه أن ينقذ المقبرة مدة عامين آخرين. لكن بعد ثمانية أشهر، بدأ كل ذلك بالانهيار.
يقول الناس هنا في بعض الأحيان: "حسنًا، هذا تغير المناخ"؛ وربما تكون بيوتهم بعيدة، لذا يعتقدون أنها ليست مشكلة. يقع بيتي في جاوة الوسطى على بعد نحو 15 كيلومترًا عن الساحل. والآن تغلغلت المياه من الساحل فاقتربت بواقع 7.5 كيلومتر؛ نصف المسافة إلى بيتي. أهالي القرى هؤلاء هم جيراني. أشعر أنهم أخواتي وإخوتي؛ فنحن سواء.. لدينا الحياة نفسها والعقيدة نفسها والقصة نفسها. لذلك يجب أن يفهم الناس أنه إذا حدث هذا في أي مكان، فهو يمثل مشكلة كبيرة وكبيرة جدا للجميع.
عندما أكون في منزلي، أتذكر دائمًا الأشخاص الذين قابلتهم أثناء التوثيق لأزمة ارتفاع منسوب البحر. حين أستحم، أفكر في ما ينبغي لأهالي القرى فعله للحصول على المياه؛ فهذا العام، أصبحت مياههم العذبة مالحة. وسأتذكر، أنه عندما يكونون نيامًا، يكونون في الماء؛ وعندما يأكلون، يكونون في الماء. وحتى عند رفـــع مستوى سطح مقبرتهم، فإنهم عندما يموتون سيُدفنون تحت مستوى سطح البحر؛ وستحوي الحفر التي يحفرون مياه البحر بداخلها. لكن الحياة يجب أن تستمر. وعملي في الحياة هو سرد قصص هؤلاء. -كما رُويت لِـباتريشيا إدموندز
اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab
بدأت مياه بحر آرال بالجفاف قبل 60 سنة مخلفةً وراءها صحراء مُجدِبة. ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة البيئية، وكيف نتجنب وقوعها في أجزاء أخرى من العالم؟
أعلنت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية عن نجاحها في إعادة توطين الحمار البري الفارسي في المملكة، مُسجلةً بذلك عودة هذا النوع إلى أحد موائله الفطرية بعد غيابٍ امتد لأكثر من قرن.
ما بين الرفاهية والمغامرة، إليك 10 وجهات وتجارب فريدة نرشحها لك في العام المقبل