سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

يسير دغفلٌ (صغير الفيل) مع عائلته على درب من الدروب العديدة التي سارت عليها أجيال من هذه الفيَلة عبر الغابات المطرية، وتُفضي من شجرة إلى شجرة أخرى مثمرة. وتتناقل الفيَلة عبر الأجيال المعرفَة الخاصة بما ينبغي أكله من ثمار، ومكان العثور عليها، والوقت المحتمل لنضجها.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

قد تكون أنثى فيل الغابة هزيلة الجسم هذه دليلًا على أن تغير المناخ يضرّ حتى بأكثر الغابات سلامة. إذ يعتقد العلماء أن ارتفاع درجات الحرارة وشُحَّ الأمطار هما سبب الانخفاض الحاد في كمية ثمار الشجر بغابات منتزه لوبّي. ويبدو أن نقص الثمار يُصعِّب على الفيَلة نيلَ العناصر الغذائية التي تحتاج إليها.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

ترعى فيَلة الغابات في مروج "منتزه لوبّي الوطني" في وسط الغابون، وهي بقايا فترات قاحلة منذ العصر الجليدي الأخير قبل 12 ألف سنة. تبلغ مساحة هذه الفسيفساء النادرة من السافانا والغابات الاستوائية المطرية زُهاء 5000 كيلومتر مربع، وهي معروفة بثرائها من حيث التنوع الحيوي. وقد جُعِلَت أولَ محمية للحياة البرية في الغابون عام 1946، قبل أن تتحول إلى منتزه وطني في عام 2002.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

يستطلع "إدموند ديموتو"، بمساعدة "ليزا لوري ندينديوي مالاتا"، أزهار شجرة وثمارها وأوراقها في "منتزه لوبّي الوطني". ظل هذا الباحث يتنزه في الغابة كل شهر تقريبًا، مدة 25 عامًا، للإسهام في إنجاز أطول دراسة متواصلة للأشجار الاستوائية بإفريقيا.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

صُوِّرَت أنثى فيل ليلًا بكاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وهي تلتهم ثمار شجرة "ديتاريوم ماكرو كاربوم" إذ تقود دُغفلَها. في عام 1987، كانت الفيَلة في العادة تبحث في 10 أشجار فقط لتجد واحدًة ذات ثمار ناضجة، ولكن بحلول عام 2018 صارت تُضطر للبحث في 50 شجرة لتحقيق ذلك؛ مما يدل على انخفاض بنسبة 81 بالمئة تقريبًا في الثمار المتاحة بغابات لوبّي.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

التُقطت صورة هذا الفيل الجائع بواسطة كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء وهو يداهم قطعة أرض مزروعة بالسبانخ والحميض في حديقة الفناء الخلفي لبيت "باسكال مامبويتي" غير بعيد عن المنتزه. مع توغل المستوطنات البشرية داخل المناطق التي تتنقل فيها الفيَلة، صارت هذه الحدائق مصدرًا مُغريًا لغذاء تحتاج إليه هذه الحيوانات.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

فيل غابة يلتقط بخرطومه ثمارَ شجرة "ديتاريوم ماكروكاربوم" لدى "منتزه لوبّي الوطني". وتُعد ثمار الشجر العنصرَ الأعلى قيمة في النظام الغذائي لهذا الفيل. ويساعد هذا الحيوانُ الأشجارَ من هذا القبيل على الانتشار من خلال عملية هضمه ثمارَها؛ مما يجعل البذور تنبت في زمن أسرع.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

تقع الغابون في وسط إفريقيا وتُعد موطنًا لجُل فيَلة الغابات.. زُهاء 95000؛ أي ثلثَي المجموع العالمي. أدى الصيد الجائر طلبًا لعاجها، وفقدان الموائل الطبيعية إلى تراجع أعدادها الإجمالية بنسبة 80 بالمئة في القرن الماضي.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

يقيس موظف لدى منتزه لوبّي محيطَ روث فيَلة، ضمن دراسة لتقييم مدى تأثير تغير المناخ في النظام الغذائي لفيل الغابة. بعد تدوين حجم الروث، يُغمَر في مياه نهر لمساعدة الباحثين الميدانيين على فرز البذور، والتي ستُستخدَم في معرفة ما أكلَ الفيل تحديدًا.

سُبل العيش  تضيق بفيل الغابة

تنمو هذه الثمار الشبيهة بكعكة حلقية على فروع وجذوع شجرة تُعرف باسم "أومفالوكاربوم بروسيروم"، وهذا أمر شائع لدى أشجار الغابات المطرية؛ ويعتقد العلماء أنه شكلٌ من التأقلم تُعزز به هذه الشجرة فرصَ تلقيح ثمارها بالحشرات الموجودة عادةً الشجر، من قبيل النمل.

سُبل العيش تضيق بفيل الغابة

في غابة نائية بالغابون، قد تكون الليالي الأدفأ وقلة الأمطار سببًا في تناقص ثمار الشجر؛ مما يهدد واحدًا من أشد الحيوانات عُرضةً للانقراض في إفريقيا.

قلم: يوديجيت بهاتاشارجي

عدسة: جاسبر دوست

4 سبتمبر 2022 - تابع لعدد سبتمبر 2022

كان الغسق يرخي سدوله ونحن نتوغل بالسيارة داخل البساط الغابوي لدى "منتزه لوبّي الوطني" وسط الغابون، تاركين بلدةَ "لوبي" -آخر بؤرة استيطانية في الطريق إلى المنتزه- خلفنا بعيدًا. تَراءَت لنا التلال من بعيد وهي تتغير من اللون الأزرق إلى الرمادي. وعلى جانبي الطريق الترابية، امتدت في الأفق فسيفساء من السافانا والغابات الاستوائية المطرية الكثيفة. بدا المشهد موغلا في البدائية حتى إن المرء لَيتصور في تلك اللحظات أن الحضارة الإنسانية مجرد وهم. بعد ذلك، بينما أوشكنا على دخول رقعة كثيفة من الغابة، قام سائقنا، "لويك ماكاجا"، الذي يدير محطة أبحاث المنتزه، بالضغط على مكابح السيارة.

"فيَلة!"، هكذا قال بصوت خفيض لا يخلو من إثارة، مشيرًا إلى الأمام. هنالك أوقَف تشغيل المحرك. على بعد مئات الأمتار أمامنا، خرج موكب فيَلة من الغابة. في ضوء القمر، أحصيت ستة، من بينها دغفل (اسم صغير الفيل) تقوده أنثى بالغة، على الأرجح أمه. سار الموكبُ بتثاقل عبر الطريق بوتيرة مريحة، إذ دلفت الفيَلة بانسيابية وسط أوراق الشجر على الجانب الآخر للطريق بثبات وثقة أوحت بأنها كانت هنا من قبل مرّات ومرّات.عندما شاهدتُها من مسافة قريبة جدا، شعرتُ كأنّي شخص غريب اقتحم، بلا دعوة، ديارَ أسلاف عائلةٍ. ومع ذلك، أخرجت هاتفي للتوثيق لتلك اللحظة؛ لكن وبينما كنت أتخبط في الأدغال بهاتفي أملًا بتحقيق تلك الرغبة الإنسانية التافهة، طفق ذَكرُ فيلٍ ضخم -يقف على بعد أقل من ثلاثين مترًا على يميننا- يصيح بصخب رافعًا خرطومه في الهواء. "ينبغي لنا الانصراف!"، هكذا قال ماكاجا بخفة وحيوية ثم أعاد تشغيل محرك السيارة. تُعد الغابات المطرية في الغابون أحدَ آخر معاقل فيل الغابة (Loxodonta cyclotis)، الذي عانت قطعانه في وسط إفريقيا انخفاضًا حادًّا في العقود الأخيرة بسبب الصيد الجائر. وفيل الغابة، الأصغر حجمًا من فيل السافانا الإفريقية (Loxodonta africana)، حيوانٌ غامض يتجول في مسارات ظل يعبرها على مرّ أجيال، حيث يتغذى على العشب وأوراق الشجر وثماره. تمشي قطعانه بتؤدة، وتتحرك بهدوء بين الأشجار، مثل الأشباح في الليل. ويبدو أنها تخطط لبحثها عن الطعام، مثلما خطط البشر ذات زمن لجمع طعامه حسب المواسم، إذ تعود إلى الأشجار نفسها عندما تكون الثمار ناضجة على الأرجح. ومثلما تعتمد هذه الفيَلة على الغابة في عيشها، فكذلك تفعل أشجار كثيرة في "لوبّي"؛ إذ تعتمد على الفيَلة في نثر بذورها بواسطة الروث. حتى إن بعض الأشجار تُؤتي ثمارًا لا يمكن لأي حيوان آخر هضمها، مما يشير إلى وجود ترابط تكافلي هش ذي جذور ضاربة في عمق التاريخ التطوري. لكن.. يبدو أن "منتزه لوبّي الوطني" وفيَلته في مأزق، على الرغم من بُعده وعدم تأثره بالبشر نسبيًا. إذ اكتشف الباحثون أن ارتفاع درجات حرارة الأرض ربما يقلل من غلة الثمار لدى كثير من أنواع الشجر في المنتزه؛ وهي مشكلة يبدو أنها تتسبب بدورها في تجويع فيَلة الغابات. يعاني بعضها سوء تغذية حاد إلى درجة أن عظامها تتغلغل في جلودها السميكة. ولأن بعض أنواع الشجر يعتمد على هذه الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، فإن معاناة قطعان هذه الأخيرة يمكن أن تضر باستدامة الغابة على المدى البعيد. وتعليقًا على ذلك، يقول "روبن وايتوك"، عالم البيئة لدى "جامعة ستيرلينغ" الإسكتلندية وأحد مؤلفي ورقة بحثية صدرت في عام 2020 تصف هذه النتائج في دورية "ساينس": "حتى في مكان من قبيل 'متنزه لوبّي الوطني'، حيث الإجهاد البشري شبه معدوم والكثافة السكانية منخفضة للغاية، لا مفر للحيوانات البرية من تأثير النشاط البشري.. ألا وهو تغير المناخ". 

في صبيحة يوم رطب مشمس، انضممتُ إلى "إدموند ديموتو"، باحث ميداني لدى وكالة المنتزهات الوطنية للغابون، في نزهة عبر غابة خصيبة على منحدرات جبل يدعى "لُو شامو"، يشبه جملًا مزدوج السنام. كان ديموتو، وهو رجل مفتول العضلات، قد استبدل حذاءً مطاطيًا يصل إلى الركبة بحذائه العادي. طفق يسير بانتباه على مسار كان لا يزال رطبًا زلقًا بفعل مطر هطل في الليلة السابقة، وهو يقصّ بمجزّ تشذيب سيقان النباتات المتسلقة واللباليب المعترشة في طريقه. كانت الغابة تضج بأصوات الحشرات وتغريد الطيور. توقفنا لدى شجرة، حيث أشار ديموتو إلى نمل يزحف على الجذع. لدغات هذا النمل مؤلمة على نحو فظيع؛ إذ قال لي ديموتو: "تتورم ذراعك كالبالون يومًا كاملًا". قررنا أن نمضي قُدمًا في تسلقنا ونحن نخطو على الأغصان والجذوع الساقطة. أراني آثار أقدام فيل كانت ما تزال حديثة، أظهرت أن هذا الحيوان كان قد انزلق في الوحل. توقف ديموتو أمام شجرة تُعرف باسم "أومفالوكاربوم بروكيروم"، كانت تحمل ثمارًا تشبه كعكة حلقية تنبثق من جذعها. لهذه الثمرة قشرة قوية تجعلها غير مستساغة لدى كل نوع من الحيوانات ماعدا الفيَلة، التي تستخدم رؤوسها مثل مِضرب على الشجرة لرجّ ثمارها. بعدها، وبحركات شديدة الإتقان، تلتقط الفيَلة حبَّة واحدة بطرف الخرطوم وتحضنها في مِحجَن بداخله ثم تُقرِّبها من فمها، وأخيرًا تدفعها بحركة رشيقة من طرف خرطومها إلى حنجرتها لتبلعها. كان العرق يتساقط من على رقبة ديموتو وهو يُمعن النظرَ، من خلال منظار، إلى ظُلة الغابة أعلاه. راح يحدّق في الأعلى والأسفل وهو يُجري تِعدادًا سريعًا لعدد الثمار. بعد دقيقتين، أخرج دفتر ملاحظات ودوّن ملاحظاته حول وفرة أوراق الشجر والزهور والثمار. ثم أجرى تقييمًا لكل شجرة من الأشجار التي استطلعها، استنادًا إلى مقياس من واحد (شحيحة) إلى أربعة (وفيرة). في كل شهر تقريبًا على مرّ الخمسة وعشرين عامًا الماضية، ظل ديموتو يتنقَّل سيرًا على القدمين عبر بقع من الغابات في "لوبّي" لمراقبة الأشجار، التي تحمل مجموعة متنوعة ومذهلة من ثمار تتراوح أحجامها بين الأفوكادو والبطيخ. خلال أول أسبوع له في العمل، هاجمته غوريلا. كانت التجربة مرعبة للغاية إلى درجة أن ديموتو قال لزملائه حينها: "لقد هَلَكت". اضطروا لإقناعه بعدم الانسحاب من المَهمة.

بحر آرال: من رابع أكبر بحيرة في العالم إلى صحراء قاحلة

بحر آرال: من رابع أكبر بحيرة في العالم إلى صحراء قاحلة

بدأت مياه بحر آرال بالجفاف قبل 60 سنة مخلفةً وراءها صحراء مُجدِبة. ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة البيئية، وكيف نتجنب وقوعها في أجزاء أخرى من العالم؟

الحمار البري يعود إلى المملكة بعد غياب استمر لأكثر من 100 عام

وحيش

الحمار البري يعود إلى المملكة بعد غياب استمر لأكثر من 100 عام

أعلنت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية عن نجاحها في إعادة توطين الحمار البري الفارسي في المملكة، مُسجلةً بذلك عودة هذا النوع إلى أحد موائله الفطرية بعد غيابٍ امتد لأكثر من قرن.

وجهات سياحية تستحق الزيارة في عام 2025

ترحال

وجهات سياحية تستحق الزيارة في عام 2025

ما بين الرفاهية والمغامرة، إليك 10 وجهات وتجارب فريدة نرشحها لك في العام المقبل