تواجه هذه المعاقل التاريخية، التي نمت بفعل تنامي العنصرية وتوسع الممارسات التجارية، مستقبلًا ملتبسًا مشوبًا بالغموض.
وُلد "غلين سوهو" ونشأ في "الحي الصيني" (Chinatown) بمدينة لوس أنجلوس، وقد ظل شاهدًا على نمو حيّه وتدهوره وانبعاثه منذ خمسين عامًا. وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، أَلَمَّت بهذا المعقل -ومعاقل أخرى مثله بأنحاء أميركا الشمالية- أوضاع متأزمة؛ إذ عصفت به صدمتان مزدوجتان تَمَثلتا في كراهية الأجانب وجائحة "كورونا". يقول سوهو، مالك متجر "فينيكس إيمبورتس": "يعيق الفيروس الأعمال التجارية وقِطاع السياحة. لم تكن للفيروس أي صلة بالحي الصيني، لكن تم ربطه بمنشئه الآسيوي [من قِبَل "دونالد ترامب"، الذي كان رئيسًا آنذاك]؛ ومن ثم أصيب الناس بهذا الرهاب منه".
وفي الوقت الذي تعاني فيه الأحياء الصينية التاريخية خلال الجائحة، يَجدر النظر في الدواعي التي جعلت السكان -والزوار- يتوافدون إليها بالأساس. نشأت الأحياء الصينية في الولايات المتحدة منذ أكثر من 170 عامًا.
وكان أول هذه الأحياء، في سان فرنسيسكو، بمنزلة منفذ غير رسمي لدخول المهاجرين الصينيين الفارّين من القلاقل الاقتصادية والسياسية في منتصف العقد الأول من القرن التاسع عشر. هنالك سعى الرجال وراء الثروة خلال "حمى الذهب" التي استعرت في كاليفورنيا، وعندما تراجعت أعمال التنقيب، لجؤوا إلى العمل في المزارع والخدمة في المنازل، قبل أن يصبحوا في ستينيات القرن التاسع عشر عمالًا في السكك الحديدية العابرة للقارة.
وكان هؤلاء المهاجرون إمّا عازبين وإما معيلين لزوجات وعائلات تركوها في الصين، وكانوا بحاجة إلى أماكن للنوم وملابس نظيفة ووجبات ساخنة بعد أيام طويلة من العمل الشاق. وقد أفضى ذلك إلى انتشار مساكن وخدمات غسل الملابس ومطاعم داخل أحياء ناشئة تَشكَّلت غالبية سكانها من الصينين.
ومع انتشار المهاجرين في أرجاء الولايات المتحدة بحثًا عن مزيد من فرص العمل، تناسلت الأحياء الصينية في جميع أنحاء البلد؛ حتى إن عددها تجاوز في وقت من الأوقات الخمسين حيًّا.
لكن هذه الأحياء الصينية وُلدت أيضًا من رحم التوتر العنصري المتزايد والتمييز في السكن والعمل. فقد حدَّ "قانون استبعاد الصينيين" لعام 1882 وقوانين أخرى لاحقة، من حركة الهجرة إلى حد كبير على مَرّ أزيد من 60 عامًا. وأدت المشاعر المعادية للصينيين إلى اندلاع مشاجرات في الشوارع، وأعمال شغب عرقية، بل وارتُكبت بحقهم إعدامات ومجازر. ودُمرت العديد من الأحياء الصينية بفعل الحرائق أو الكوارث الطبيعية، أو هُجِرت بالكامل.
وإذا كانت أَبكر الأحياء الصينية تُشَكَّل من أبنية متواضعة من الخشب والطوب، فإن الزخارف الآسيوية التي نراها اليوم -الباغودا، وأسقف القرميد، وصور التنين- ظهرت بوصفها وسيلة للترويج السياحي. فعندما تعرض الحي الصيني الأصلي في سان فرنسيسكو للدمار بفعل زلزال عام 1906 والحريق المروع الذي أعقب ذلك، وظفت مجموعة من التجار الصينيين الأثرياء المهندس المعماري الأميركي الإسكتلندي، "توماس باترسون روس" والمهندس "ألبرت ويليام بورغرين" لوضع تصميم جديد للحي الصيني. وقد تضمن التصميم أيقونات دينية وعناصر معمارية لسلالة "سونغ" الحاكمة.
جسَّدَ الحيُّ الجديد تمثيلًا خياليًا للصين، وهي دولة لم يكن قد سبق لكلا المهندسين أن زاراها من قبل. لكن هذه الاستراتيجية حققت النجاح المنشود: فقد وُلد الحي الصيني في سان فرنسيسكو من جديد بوصفه وجهة "غرائبية" للسياح الغربيين.
بدأت مياه بحر آرال بالجفاف قبل 60 سنة مخلفةً وراءها صحراء مُجدِبة. ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة البيئية، وكيف نتجنب وقوعها في أجزاء أخرى من العالم؟
في مرتفعات البيرو المكتنَفة بالغيوم، تبقى أطلال "تشوكيكيراو" -صعبة الوصول- بمنأى عن حشود الزوار المتدفقين إلى "ماتشو بيتشو". لكن ذلك قد يتغير قريبًا.