إن كنتَ أوروبياً، وتحديداً ألمانياً، فقد عايشت بالتأكيد سنــةً من الجــدل الشعـبي المتواصــل عن معنى الهويّة، وكيف يمكن لأناسٍ وُلدوا في دول أخرى أن يتوافقوا مع أي هويّة وأن يندمجوا فيها. ففي أواخر شهر سبتمبر من عام 2015، وصل التوتّر الناتج عن تدفّق اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط إلى مستويات قياسية. إذ عُثِر على واحد وسبعين شخصاً ميتاً بعد أن تخلّى عنهم مهرّبوهم وهم محبوسين داخل شاحنة في النمسا. كما هاجم بعض الغوغاء من "النازيّين الجدد" رجال الشرطة خارج مأوى للاجئين في بلدة "هايدناو" القريبة من مدينة دريسدن. وعندما زارت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" المأوى لتُظهر تعاطفها مع اللاجئين، استقبلها حشدٌ غاضبٌ من المتظاهرين مرددين عبارة "نحن الشعب!" ونعتوها بأبشع الألفاظ وبأنها(Volksverräter)، وهي سُبَّة تعود إلى عهد النازيّة وتعني "خائنة الشعب".
وبعد خمسة أيام، وتحديداً في 31 أغسطس، عقدت ميركل مؤتمرها السنوي الصيفي في برلين. وتزامن ذلك مع اندفاع أفواج من اللاجئين السوريّون في بودابست لركوب القطارات المتجهة إلى ألمانيا. وكالعادة لم يكن ذلك ليغيّر من رباطة جأش ميركل؛ إذ قالت حينها إن حكومتها تتوقع وصول 800 ألف لاجئ عام 2015. (لكن الرقم الفعلي بلغ في المحصّلة أكثر من مليون). ونبَّهت المستشارة الألمانية الصحافة، بأن الدستور الألماني يضمن حق اللجوء السياسي، وأن المادّة الأولى فيه تقول "إن كرامة الإنسان مقدّسة". وبالفعل فإن عدد الألمان الذين ساعدوا اللاجئين فاق بكثير عدد أولئك الذين كانوا يرمونهم بالحجارة ويطلقون عليهم الشتائم. وتقول ميركل: "إن ألمانيا دولة قويّة. وقد حقّقنا الكثير من الإنجازات؛ ونستطيع تحقيق هذا!"، في إشارة إلى استقبال اللاجئين ودمجهم في المجتمع.
قد نجد عبارة (Wir schaffen das) "نستطيع تحقيق هذا!" منقوشةً يوماً ما على شاهد قبر ميركل تخليداً لإنجازها. ولكن إلى أن يحين ذلك، فقد ساعدت تلك العزيمة على جعل ألمانيا المسرح الأكثر إثارةً للصراعات السياسية العالمية. وقد شهدت العقود الأخيرة زيادة في عدد المهاجرين على مستوى العالم بشكل فاق ارتفاع أعداد السكّان المحلّيين. ففي عام 2015، بلغ عدد المهاجرين في العالم 244 مليون مهاجر -أي الأشخاص الذين يعيشون خارج البلاد التي ولدوا فيها- وذلك وفق تقارير الأمم المتحدة؛ ووصل عدد اللاجئين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم التي نشؤوا فيها في العام نفسه21 مليوناً، وهو رقم أعلى من أي وقت سابق منذ الحرب العالمية الثانية. ويتوقّع بعض العلماء أن يزيد التغيّر المناخي من تلك الأعداد، جراء ما يصاحبه من حالات قحط متكرّرة وارتفاع في منسوب مياه البحر؛ بل إن بعضهم يجادل بالقول إن التغيّر المناخي كان له دور في اندلاع الحرب الأهلية السورية، التي تسبّبت في حركة النزوح الجماعي الحاليّة الضخمة إلى أوروبا.
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز