تُربي أحواض السمك في أنحاء العالم أنواعَ قرش مهددة بالانقراض ومن ثم تُطلقها في البحر. تلكم مَهمة غير مسبوقة.. وقد يُكتَب لها النجاح.
انحنت "ناشا إتشيدا" لدى بحيرة فيروزية في أرخبيل "راجا أمبات" الإندونيسي، فحضنت بلطف وحُنو صغيرَ سمكة قرش. بدا هذا المخلوق وهو يتلوّى تحت أصابعها وكأنه شيءٌ متخيَّل. كان نحيفًا وبارز العضلات، وعليه بقع داكنة ومزيج من الخطوط والحلقات الشاحبة التي تمتد إلى أسفل ذيله الطويل للغاية. كان هذا قرش "زيبرا" (Stegostoma tigrinum) بِعُمْر 15 أسبوعًا. وقد تَشَكَّل ونما داخل بيضة، مثل جميع بني جنسه. لكن تلك البيضة كانت قد وضعتها أنثى قرش في حوض أسماك بأستراليا، ثم شُحنت جوًّا إلى إندونيسيا، حيث فقست في خزان مائي لدى حضانة جديدة لأسماك القرش. تَم أَخذُ أبَوَي القرش الصغير قبل أعوام في المياه قبالة الساحل الشمالي لكوينزلاند، حيث تنتشر أسماك قرش زيبرا. لكن هنا في "راجا أمبات"، على بعد نحو 2400 كيلومتر إلى الشمال الغربي، يُشارف قرش زيبرا على الانقراض، إذْ بات ضحية لتجارة القرش على الصعيد العالمي. فبين عامي 2001 و2021، وعلى الرغم من إنفاق أكثر من 15 ألف ساعة في البحث عن هذا النوع من القرش، لم يُحصِ الباحثون سوى ثلاثة فقط. كان هذا القرش الصغير نتاج فكرة نيّرة. إذ اتفق علماءٌ لدى العشرات من أحواض السمك الأكثر شهرة في العالم على أن تربية أنواع متعددة من القرش والشفنين المهددة بالانقراض ثم إطلاق صغارها في أرجاء العالم، يمكن أن يساعد في استعادة مفترسات المحيطات، وربما المحيطات والبحار نفسها. سيبدأ الأمر بأسماك قرش زيبرا؛ وها قد أتت إتشيدا، عالمة البحار الإندونيسية، هنا لتطلق سراح أولها. لذلك، وفي يوم حارّ من شهر يناير الماضي، أسفل من التكوينات الجيرية الشاهقة لجُزر "واياج" النائية، على بعد نحو 140 كيلومترًا بالقارب من أقرب مدينة، رحتُ أشاهد هذا المخلوق اليافع يتمايل تحت قبضة إتشيدا. كانت إتشيدا، ذات الوجه البشوش، هادئة. فلقد أمضت شهورًا في إعداد هذا القرش لحياة جديدة؛ حتى إنه حصل على اسم: "تشارلي". والآن حان الوقت لتقول له وداعًا. هنالك فتحت راحتَيها، فانزلق تشارلي بعيدًا، وذيله الطويل يتلوى وهو يغوص نحو القاع الرملي.. ونحو مستقبل غير معلوم. إن نوعًا واحدًا من بين كل 11 نوعًا من نبات البحر ووحيشه التي تم تقييمها من قبل "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة" (IUCN) مهدد بالانقراض اليوم. ويشمل ذلك: الأطوم (أبقار البحر)، وبعض أنواع أُذن البحر، وبعض الشعاب المرجانية، وبعض أسماك القوبيون، وبعض الأسماك الصخرية، وبعض التونة، وبعض الحيتان. لكن قِلَّةً من المخلوقات فقط تُستنزَف بالسرعة نفسها التي تُستنزَف بها أسماك القرش والشفنين. على الرغم من نجاة هذين النوعين من أربعة أحداث انقراض جماعية على مرّ 420 مليون سنة، فإنهما اليوم -ومن بين جميع الفقريات ــ يختفيان من الوجود بوتيرة لا تفوقها سرعةً سوى البرمائيات. إذ أفاد بحث بقيادة "نيكولاس دولفي"، خبير أسماك القرش الرائد لدى "جامعة سيمون فريزر" الكندية، أن ما نحوه 37 بالمئة من أنواع القرش والشفنين يواجه مخاطر الانقراض. أما السبب الرئيس في ذلك فهو الصيد الجائر. إذ يُسهم الصيد القانوني أو غير القانوني في المخاطر التي تواجه كل نوع مهدد من أسماك القرش، وهو التهديد الرئيس الوحيد لثلثي عددها. في كل عام، تُستهلَك الملايين من أسماك القرش بجميع أنحاء العالم طلبًا للحومها. وتُستخدَم زعانفها في تحضير الحساء، وبخاصة في آسيا. والحال أن أسماك القرش ضرورية لعالَم البحار. فهي تُحافظ على سلامة السلسلة الغذائية في المحيطات، بافتراسها المخلوقات الأصغر التي قد تنمو بأعداد أكثر من اللازم فتدمر النُّظم الطبيعية التي تُغذي مليارات البشر. ولحماية أسماك القرش، يجب وقف الصيد الجائر. ولكن في غضون ذلك،
هل يمكن إصلاح بعض الأضرار التي حدثت بالفعل؟ هل يمكن إعادة القرش من شفير الهاوية بتربيته في الأَسر ثم إعادته إلى أعالي البحار؛ ليس على نحو عشوائي ولكن باستخدام أفضل العلوم المتاحة؟ كانت تلك هي الأسئلة التي دفعت "مارك إردمان"، عالم المحيطات لدى "المنظمة الدولية لصون الطبيعة" (CI)، إلى إقناع العديد من أحواض السمك بالتضافر وتشكيل "ريشارك" (ReShark).ينضوي تحت هذه المنظمة اليوم 75 شريكًا من 15 دولة، بما في ذلك 44 من أحواض السمك الرائدة عالميا، وتهدف إلى إطلاق 585 من صغار قرش زيبرا في راجا أمبات على مدى 10 أعوام. أما الغاية فهي "زرع" مجموعة قرش زيبرا طليقة ومكتفية ذاتيًا في البحر، ثم تطبيق الأسلوب نفسه على أنواع قرش أخرى؛ ليس فقط عددًا قليلًا منها ولكن أكبر عدد ممكن، كما قالت "ليزا هوبس"، كبيرة مديري قسم البحوث والحِفظ لدى "حوض أسماك جورجيا" بمدينة أتلانتا الأميركية، الشريك لمنظمة "ريشارك". يكافح العلماء حالات الانقراض في بعض الأحيان من خلال إعادة الأنواع إلى سابق موئلها الطبيعي. وقد فعلوا ذلك مع الباندا العملاقة في الصين، وطيور الطمرين الأسدي الذهبي في البرازيل، ونسر الكندور في كاليفورنيا. وقام طيّارون في الولايات المتحدة بتعليم طيور الكركي الناعق المولودة في الأَسر، كيفية الهجرة في البرية من خلال قيادتها بطائرات خفيفة الوزن. وبعد مرور زُهاء 30 عامًا على إعادة الذئاب الرمادية إلى "منتزه يلوستون الوطني" الأميركي، عادت هذه الكلبيات إلى النسيج البيئي للمنتزه. لكن عمليات الإعادة البحرية معقدة ونادرة. فالمحيطات شاسعة، ويَصعب تعقب أشكال الحياة البحرية، كما يصعب تدبير التهديدات والتحكم بها. "تزداد الصعوبة والمشقة كلما تعلق الأمر بالمحيطات"، كما يقول "ديفيد شيفمان"، عالم الأحياء البحرية ومؤلف كتاب "لهذا، القرش مهم: غوص عميق مع المفترس الأكثر عرضة لسوء الفهم في العالم". في عام 2017، حاول باحثون جمع حيوانات "فاكيتا"، وهي خنازير بحر صغيرة نادرة في "خليج كاليفورنيا" كانت تُقتل بفعل الصيد العرَضي بالشباك الخيشومية المحظورة. وقد كانوا يمنّون أنفسهم بنقلها إلى محميات، ومن ثم إرجاعها إلى البحر حالَ سيطرة الحكومة المكسيكية على الصيد. لكن ما حدث هو أنهم صرفوا النظر عن تلك الجهود عندما قتل الإجهادُ أول فاكيتا بالغ قاموا بإمساكه. ومع ذلك، هناك إقرار متزايد لدى العلماء أن الحيوانات الأسيرة قد تكون مفتاحًا لإعادة الوحيش إلى البحر. في العام الذي تلا نفوق ذلك الفاكيتا، حثت لجنة تابعة لـ "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة" الخبراءَ على مواصلة البحث عن سُبل آمنة لجمع الدلافين، لأنه قد تكون هناك حاجة كبيرة إلى عمليات الإعادة إلى البحر من أجل إنقاذ أنواع أخرى، كدلافين "لا بلاتا" في أميركا الجنوبية أو الدلافين الحدباء في غرب إفريقيا بالأطلسي.
تشير الأبحاث إلى أن الدوبامين هو السبب الحقيقي الذي يجعلنا نفضل مواجهة تحديات كبيرة كسباقات الماراثون أو حل المشاكل الصعبة في بيئة العمل.
مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.
سواء أَرأينا الدلافين الوردية أشباحًا تُغيّر أشكالها أم لعنةً تؤْذي الصيادين، تبقى هذه الكائنات مهيمنة على مشهد الأمازون ومصباته. ولكن مع تغير المشهد البيئي للمنطقة، بات مستقبل أكبر دلافين المياه...