منذ آلاف السنين، شَكَلت -وما تزال- ست واحات بمدينة العين أرضًا خصبة تجود بالخيرات، ونموذجًا هندسيًا يؤرخ لبراعة "إنسان الصحراء" في مجابهة المشقات، وبقعة أثرية تحفل بالاكتشافات.
بينما كنا نَسلك طريقنا فوق مسار الدراجات الهوائية على طول شارع "خالد بن الوليد"، كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحًا، وقد بدأت الشمس تلقي بأشعتها على المباني المطلة على هذا الشارع الفسيح الذي تبتهج جوانبه ببساط من الأزهار -يبلغ تعدادها أكثر من 300 ألف زهرة موسمية- تتوسطها أشجار الغاف والسدر والنخيل. عند نهاية الطريق، أشار إلي "سالم الصوافي" بالانعطاف ناحية حي سكني. فالصوافي كان يعرف جيدًا مسار رحلتنا في صباح ذلك اليوم الشتوي، فهو يزور الواحات ويتجول في أرجائها عبر ممراتها المتشابكة التي تبدو مثل متاهة زمكانية يعيشها الزائر أول مرة.. وفي كل مرة. لذا كان عليّ الاستماع إلى توجيهاته كي نبلغ وجهتنا: واحة القطارة.
تؤوي واحات العين أكثر من 191 ألف نخلة، ويبلغ عدد مزارعها 1581 مزرعة تحتضنها هذه الواحات الست الممتدة على مساحة إجمالية تصل إلى نحو 5 كيلومترات مربعة. - قسم الأفلاج والواحات لدى "بلدية مدينة العين"
أضحت هذه الواحة اليوم، كحال مثيلاتها الخمس، بمدينة العين أيقونة خضراء تغفو في قلب المدينة، حيث يجاورها العمران الذي تنسجم معه في مشهد نادر يعبر عن الحداثة والعراقة في آن. وهي ميزة تنعم بها العين ذات الرمال الحمراء والمساحات الخضراء التي باتت هوية لها بجانب جبلها الشهير، "حفيت"، الواقع في الطرف الجنوبي الشرقي من المدينة. أُطلق على العين اسم "مدينة الحدائق" وغيرها من التسميات والألقاب، على أن القول لا يحلو لمحبيها إلا بجملة: "ها قد وصلنا إلى دار الزين".
ولجنا تلك الواحة الغنّاء، البالغة مساحتها 70 هكتارًا، حيث تغاريد الطيور تصدح في سمائها، ومياه جارية تنبع من أفلاجها. تضم هذه الواحة أكبر عدد من المباني التاريخية المبنية من الطوب الطيني، إذ يُقدر عددها بنحو 20 مبنى؛ منها ثلاث قلاع وستة بيوت كبيرة وتسعة مساجد وبرج حراسة واحد، فضلًا عن سوقها التراثي الشهير. وقد عثرت فرق التنقيب أيضًا على مدفن يعود تاريخه إلى النصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد، يضم أسلحة برونزية. إضافة إلى آثار من العصر الحديدي تتنوع ما بين قطع فخارية وأوانٍ منزلية تُعرض لدى "معرض القطارة للآثار" في "مركز القطارة للفنون".
على طول الممرات المرصوفة في الواحة، ثمة مَشاهد لابد أن تشد انتباهك لوهلة، وتجبرك على الجلوس في إحدى الاستراحات والتفكر في حال هذه الواحات. في واحة الجيمي، المتاخمة للقطارة، جلسنا بالقرب من أحد الأفلاج الجارية حيث كان منظر بديع تُشكله أشجار النخيل، والغاف، والسدر، والقرط، وأنواع من النباتات الطبية التي دأب سكان هذه الواحة على زراعتها. لا تمثل هذه البقعة الجغرافية أرضًا للزراعة وملكيات متوارثة فحسب، بل هي بمنزلة الذاكرة الحية التي ما تزال بساتين نخيلها تبوح بالحكايات، وتكشف مبانيها عن تاريخ سكانها وحيواتهم منذ عصور غابرة.
حيث نشأ مجتمع العين وازدهر
لدى واحات العين طبيعة متفردة في تكوينها أدت إلى ازدهارها منذ آلاف السنين. فكيف لمنطقة صحراوية قاحلة أن تؤوي هذه البقعة النابضة بالحياة، وأن تشد الأقوام الرحال إليها لتنشد الاستقرار على أرضها؟ يعود الفضل في هذا الازدهار إلى نظام الأفلاج المعروف محليًا باسم "الفلي". إذ استمدت الواحات مصدر مياهها الدائم من هذا النظام الزراعي المبتكر الذي يعود تاريخه إلى نحو 3 آلاف سنة. فقد حُفرت قنوات مائية تحت الأرض بعرض يتراوح ما بين 50 إلى 120 سنتيمترًا، واستُعملت قوة الجاذبية في نقل مياه هذه الأفلاج الممتدة على مسافات طويلة من الجبال المحيطة قبل أن تصل إلى الثقب (الآبار)، ومنها إلى حوض مكشوف يسمى الشريعة لتروي أرجاء الواحة. شكلت هذه الواحات قرى متناثرة في أرجاء العين، إلا أنها مثلت نواة أساسية في تشكل مجتمعات بشرية ما فتئت تتعاقب على العين؛ إذ تُشير التنقيبات الأثرية إلى أن عمرها يمتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة. وقد ساعدت عوامل عديدة في هذا التشكل، إلا أن أبرزها كان توفر المياه الجوفية والعيون الطبيعية والتربة الخصبة للواحات.
لذا فلا عجب أن تكون هذه الواحات السمة الطبيعية الأكثر تميزًا في دولة الإمارات العربية المتحدة عن بقية مناطقها. فهي تمثل أثرًا تاريخيًا مختلف البنية يُبرز كيف تفاعل مجتمع هذه الواحات مع الطبيعة، وما نتج عن هذا التفاعل الفريد من علاقات اجتماعية متينة ونشاطات اقتصادية.
تحتضن مدينة العين ست واحات رئيسة هي: العين وهيلي والقطارة والجيمي والمعترض والمويجعي. وقد أسهمت هذه الواحات و11 موقعًا تاريخيًا في إدراج العين في قائمة مواقع التراث العالمي لـ"اليونسكو" في عام 2011. يقول "زكي أنور نسيبة"، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة: "شكلت هذه الواحات قيمة كبيرة من الناحية التاريخية والحضارية والثقافية للمنطقة، ومن أهم هذه القيم عُمق التراث الحضاري الذي اكتسبته العين من واحاتها". فهي مناطق مهدت لإنشاء المجتمعات البشرية منذ القدم، ويتضح ذلك جليًا في المدافن الأثرية والمباني التاريخية المنتشرة في العين؛ "لذا فهي خزان معلومات للذاكرة التاريخية على أرض دولة الإمارات، ومفتاح مهم يُمكننا من فهم تطور المجتمعات، وكذا الوقوف على نمط حياة الماضي". ومما لا شك فيه أن هذه الواحات يمكن وصفها بأنها شاهد تاريخي بارز يشير إلى دورها في التراث الإنساني العالمي، وتعبير آخر عن الموروث الثقافي لسكانها وطرائق عيشهم التقليدية، وفنونهم في بناء البيوت والحصون، فضلًا عن إبراز عاداتهم وتقاليدهم. وهي كذلك مثال حي يشير إلى مجتمع إنساني متكامل، قوامه البناء والنماء. إذ ابتدع إنسان هذه الواحات طريقته الخاصة في الجمع بين حياة المجتمع الزراعي وحياته الأولى في الفيافي.
فهذه الواحات تشكل منظومة إيكولوجية تتميز بجاذبية متفردة في عناصرها، من موطن للنخيل ومئات أنواع النباتات، إلى موئل مثالي للعديد من أنواع الطيور. وخلال سبعينيات القرن الماضي، برزت "مجموعة الإمارات للتاريخ الطبيعي - أبوظبي" التي اهتمت بدراسة جغرافيا هذه الواحات وما جاورها من خلال الرحلات الاستكشافية التي ما تزال مستمرة حتى الآن. في ما مضى، كانت العائلات تقصد منطقة العين هربًا من حرارة الساحل، ضمن تقليد موسمي يُعرف باسم "المقيظ". إذ كان الأفراد يقضون صيفهم تحت ظلال نخيل الواحة الوارفة وينعمون بنسماتها العليلة. ومن هذا المقيظ برزت ممارسات زراعية مستدامة ما تزال حاضرة إلى يومنا هذا. فقد تكافلت العائلات فيما بينها لجني الرطب، وتعاونت لأجل صنع حاجاتها الأساسية للعيش والسكن اعتمادًا على سعف النخلة وجذعها. على أن هذه الواحات لها قيمة اقتصادية أيضًا، حيث كانت القوافل التجارية تتخذها محطة للاستراحة قبل أن تغيب بين رمال الصحراء مجددًا. كما أسهم المقيظ في تقوية الروابط الاجتماعية بين سكان مناطق الإمارات المتفرقة؛ إذ أتاح فرصة لتعزيز هذه الروابط عبر التقاء القبائل وانسجامها في مكان واحد؛ وهو ما شكل نوعًا من الوحدة المجتمعية التي مهدت الطريق أمام قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في سبعينيات القرن الماضي.
"رغم انشغال الشيخ زايد بأمور الحكم والدولة لاحقًا بعد تأسيسه دولة الإمارات، لم يتوانَ رحمه الله عن الاهتمام بواحات العين. وقد بذل جهودًا كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة في الواحات ومحيطها.." -زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة
عناية فائقة وجهود بارزة في صون الواحات
أمام مدخل واحة هيلي، وقفت أتامل حصنها الضخم، حتى تنبهت إلى صوت "محمد الشرحبي الظاهري"، وهو يشير إلى النخيل: "هنا نشأت وترعرعت وحفظت أحاديث جدي عن تاريخ هذه الأرض بنخيلها وحصونها". يعمل الظاهري لدى "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي، وهي الجهة المعنية بصون الواحات وحماية مبانيها الأثرية من أي تدخل بشري قد يغير من هيأتها الأصلية وفقًا للاتفاقيات الموقعة مع اليونسكو. يقول: "نحرص على عدم البناء داخل الواحات أو بجوارها إلا وفقًا للقوانين التي تراعي استدامة هذا المكان بأشجاره ومبانيه التاريخية". إذ يتوجب منع أي تشويه بصري للواحات؛ لذا فالعمران المجاور لها يُبنى على مسافات محددة وبارتفاعات معينة، وذلك طبقًا لقرار صادر من المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي في عام 2005. وينص القرار أيضًا على أنه "لا يجوز بأي حال تغيير استعمال أراضي النخيل بالواحات، ولا يسمح بإقامة أي مبانٍ أو منشآت جديدة داخل أراضيها، أو في حدود الواحات إلا بأوامر سامية وبشروط محددة"، بالإضافة إلى أن القرار حظر المساس بالمعالم التراثية أو المباني والمنشآت القائمة داخل حدود الواحات، كما ألزم أصحاب النخيل داخل الواحات الاهتمام بنظافة نخيلهم وصحته والعناية به. وكلف القرار بلدية العين بمسؤولية تنظيم عمليات سقي النخيل بالواحات ومراقبته وإدارته، وفق الأسس المتعارف عليها في تقسيم مياه الأفلاج وتوزيعها.
وسط هذه الواحة، الواقعة شمال العين، توقفنا أمام مبنى قديم يسمى "بيت حمد بن هادي الدرمكي". عندها، راح الظاهري يعاين أعمال الترميم الجارية على البيت بعين الفاحص. ما تزال الدعامة الأساسية للبيت صامدة، لذا يراعي الخبراء الآثاريون في الدائرة توفير الدعم اللازم للمبنى، مع عدم إضافة أي تحسينات قد تُفقده عنصر الأصالة. خلال التنقيب في هذا البيت الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، عثر الخبراء على عدد من الغرف التي يُطلق عليها اسم "مدابس التمر". وهي مخازن تُحفظ فيها التمور وتخزن بكميات هائلة لغرض استخدامها خلال أشهر الشتاء التي يندر فيها التمر. وكانت هذه المدابس تمثل حرفة قائمة بحد ذاتها داخل الواحات وعموم العين حيث وُجدت بواحتي القطارة والمعترض ومنطقة المسعودي. عند وصولنا إلى الطرف الجنوبي من الواحة، توقفنا لالتقاط أنفاسنا بعد مشي استمر أكثر من ساعة. عندها أشار الظاهري إلى حوض مياه ثم قال: "انظر إلى تلك البركة. كنا نأتي إليها للسباحة والترويح عن أنفسنا هربًا من قيظ الصيف".
مما لا شك فيه أن هذه الواحات يمكن وصفها بأنها شاهد تاريخي بارز يشير إلى دورها في التراث الإنساني العالمي.
في إحدى المزارع وجدت عاملًا متشبثًا بحزام متين، يسمى "الحابول"، يلف بدنه وهو يُنَبِت (يلقح) نخلة خلال شهر مارس، آخر وقت للتلقيح. يقول الظاهري: "باع والدي مزرعته، لكن والدتي ما تزال تمتلك واحدة ورثتها من عائلتها". لذا فإن جُل هذه المزارع هي ممتلكات تتوارثها أجيال تعي أهمية استمرارها ونموها بوصفها حلقة الوصل بماضي آبائها وصنيع أجدادها. يقول نسيبة: "نشاط هذه الواحات أدى مَهمة جوهرية في تكوين النسيج الاجتماعي للعين والإمارات عمومًا، فضلًا عن دورها السياسي المهم، وذلك ليقين الإنسان الإماراتي أن الزراعة تعني الاستقلالية والاستقرار". كما عملت هذه الواحات على تنامي المجتمعات البشرية، وأبرزت قيمًا إنسانية نبيلة تجمع أفراد تلك الواحات المتفرقة عبر التكافل والتعاون والتعاضد في سبيل مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
غادرت هيلي، الواحة الثانية كبرًا، واتجهت إلى وسط مركز مدينة العين حيث تقع أكبر واحاتها: واحة العين. تزيد مساحة هذه الواحة على 1200 هكتار، وتضم أكثر من 85 ألف شجرة نخيل يغذيها فلجان رئيسان: العيني والداوودي. وتحتل هذه الواحة موقعًا مهمًا ضمن الخريطة الثقافية لـ "دار الزين"، حيث تضم بجانب مزارعها الشاسعة العديد من المباني التاريخية المهمة التي تنتشر في أرجائها. وتشكل وجهة سياحية أثيرة وتعليمية أيضًا، إذ تضم: المركز البيئي والواحة المصغرة وحديقة الواحة؛ والتي تتيح تجربة ثرية تُقرب الزوار أكثر من الطبيعة وتعرفهم إلى قيمة هذه الواحات وأثرها في بناء المجتمعات الإنسانية على أرضها طوال القرون الماضية.
كما وتؤوي هذه الواحة عددًا من المباني التاريخية، ومنها المساجد الأثرية التي تبدو مثل نجم مضيء وسط غابة خضراء. ولعل من أهم مبانيها التاريخية "حصن سلطان بن زايد" (الحصن الشرقي) و"متحف قصر العين". كان هذا القصر مقرًا للأسرة الحاكمة في العين، ثم تحول إلى متحف مفتوح للزوار في عام 2001، وقد احتفظ بغرفه وقاعاته وممراته الفسيحة الأصلية منذ بنائه في عام 1937. يقول نسيبة: "كثيرًا ما كنت اصطحب زوار المغفور له الشيخ زايد إلى ذلك القصر"، حيث كان الشيخ زايد يستقبل شعبه وضيوفه في هذا القصر الواقع في الجهة الغربية من واحة العين. ورغم التشابه بين الواحات في هيأتها العامة، إلا أن لكل واحة تاريخها المتفرد وأهميتها الخاصة، مثل واحة المويجعي التي تضم قصرًا شهيرًا يحمل اسم الواحة ذاتها؛ وهو أحد الشواهد القائمة التي تسرد جانبًا من التاريخ السياسي لمدينة العين ودولة الإمارات أيضًا. وتُعد المويجعي أصغر واحات العين، حيث تضم تسع مزارع، فيما يتجاوز عدد النخيل فيها خمسة آلاف نخلة.
"أعطوني زراعة أضمن لكم حضارة"
في أربعينيات القرن الماضي، تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منصب ممثل الحاكم بمنطقة العين، وكان ذلك الحدث بداية لمرحلة جديدة من النهضة الزراعية ستنطلق من مدينة الواحات والأفلاج. فكان إحياء الواحات وإصلاح أفلاجها أولوية قصوى لدى الشيخ زايد. يستطرد نسيبة قائلًا: "ما زلت أتذكر الجهود الكبيرة التي بذلها الشيخ زايد في إعادة الأفلاج للحياة، وذلك لإيمانه الراسخ بأنها أساس لديمومة الواحات". إذ شارك الشيخ زايد بنفسه أهل الواحات في حفر الأفلاج وتنظيفها لضمان استدامتها وجريانها الدائم. يقول في أحد اللقاءات المؤرشفة: "لم نصرف أي مبلغ مالي نظير إصلاح الأفلاج، بل كانت وجبة الغداء والقهوة أجرًا لكل من عمل وشارك معنا. كنا نعمل منذ الصباح ونصلح فلجًا تلو فلج". فما كان من المزارعين إلا الانضمام إلى حاكمهم وإصلاح الأفلاج واحدًا تلو الآخر.
يبلغ عدد أفلاج العين نحو 300 فلج؛ وقد جف معظمها، إلا أن 27 فلجًا ما زالت تروي الواحات ومناطق زراعية أخرى. ومن أهم هذه الأفلاج: العيني والداودي والهيلي والقطارة والمعترض والجيمي والمويجعي والجاهلي. وهي تتحرك في اتجاهات مختلفة لتتوزع في أرجاء العين من شمالها إلى جنوبها. لم يكن اهتمام الشيخ زايد بالأفلاج سوى جزء من مشروع حلمه الزراعي الطامح لتحويل الصحراء إلى حدائق غنّاء مزدهرة. ففي عام 1962، وصل أول خبير زراعي يدعى "عبدالحفيظ خان" إلى العين؛ حيث رافق هذا الخبير الشيخ زايد في جولاته بواحات العين لأجل إدراك طبيعة البيئة المحلية وفهم الظروف المناخية في هذه المنطقة التي قد لا تتحملها أنواع النباتات الأخرى غير النخيل.
يذكر خان في إحدى مذكراته المنشورة بعنوان "50 عامًا في واحة العين": "أتاح الشيخ زايد للفلاحين فرصة تعلم شيء جديد من حين لآخر؛ فقد وفر لهم كل ما يحتاجون إليه: البذور والشتلات والمبيدات والأدوات والمُعدات، وكانت كلها من دون مقابل. وقد أحس الفلاحون برهبة شديدة وهم يطبقون أساليب الزراعة الحديثة لاقتصار خبرتهم على زراعة أنواع قليلة، وواجه هؤلاء البسطاء فجأة مَهمة مزدوجة: كيف يزرعون المحصول المناسب ويراعونه من ناحية، وكيف يستهلكون الخضراوات ويغيرون من عاداتهم الغذائية من الناحية الأخرى. وهكذا كان عليهم أن يستوعبوا في شهور وأعوام قليلة حصيلة خبرات تراكمت على مرّ مئات السنين".
إلا أن أشجار النخيل بقيت تحظى بجُل الرعاية والاهتمام، فقد زُرعت بأعداد هائلة على طول شوارع المدن، وتوسطت مداخل البيوت لتحرس أسوارها، وشُيّدت لها المصانع الحديثة لاستخلاص خيراتها، وأطلقت جوائز ومبادرات تُكرمها وتبجلها، مثل "جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي". يقول نسيبة: "رغم انشغال الشيخ زايد بأمور الحكم والدولة لاحقًا بعد تأسيسه دولة الإمارات، لم يتوانَ رحمه الله عن الاهتمام بواحات العين. وقد بذل جهودًا كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة في الواحات ومحيطها، لتتحول من مجرد أراضٍ زراعية تقليدية إلى مناطق مزدهرة تعتمد على تنوع أعمدة الاقتصاد واستدامة الموارد". ولعل الزراعة كانت مشروعًا تنمويًا آمن به الشيخ زايد قبل أن يشرع في التنمية العمرانية للإمارات؛ إذ حرص على غرس الأشجار، وخاصة النخيل، أولًا قبل البدء في رصف الشوارع وبناء المدن الحديثة. ويتضح ذلك جليًا في مراعاته للخصوصية الزراعية لمدينة العين. إذ توسعت ونما عمرانها ضمن تخطيط عصري بشكل أفقي، فلم تُبن فيها الأبنية الشاهقة ذات الطوابق المتعددة؛ بل تشكلت هويتها الحديثة وهي تراعي الواحات وأشجار نخيلها التي ما تنفك تُرى في كل مكان.
في أحد أيام الصيف، ظللت أمشي بين أروقة "متحف قصر العين"، وعيناي لا تفارق نخيل واحة العين الباسقة فوق أسوار هذا المتحف. كانت السماء ملبدة بغيوم سوداء تتراءى من خلف سلسلة الجبال القريبة، وهو مشهد نادر في عموم المنطقة خلال هذا التوقيت من العام؛ لكنها العين وجغرافيتها الفريدة. فجأة هبّت رياح عاصفة فبعثرت أوراق الشجر على الأرض، وهزت سعف النخيل بكل عنفوان قبل أن تهطل أمطار "الروايح". فهذه الأمطار الصيفية بشائر خير في أحر شهور العام، إذ تُلطف أجواء العين التي تمثل نافذة على حياة الأجداد الغابرة، وراوية لآثارهم الباقية عبر أشجار النخيل الباسقة والمياه الجارية.
بالإضافة إلى التحقيق في مفهوم العلامات المنفرة Aposematism، تعزز الدراسة الجديدة فكرة أن شخصيات الحيوانات من الفصيلة ذاتها تتفاوت ضمن مجموعاتها فعلى سبيل المثال، تم رش أحد ذئاب القيوط الذي يتسم...
هل تقول قطتك "أحبك " أم تقول "أريد الطعام"؟ هذا التطبيق الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي يتعهد بتفسير ما تقوله القطط
يدحض بحثٌ جديد الافتراض السائد منذ فترة طويلة بأن مزيج ألوان الظربان -الأبيض والأسود- هو ما يدفع الحيوانات ومن ضمنها القيوط للابتعاد عنها