حسين الموسوي

إننا نبني بيوتنا لنسكن فيها ثم تزول يومًا، أما المعابد فإنها تبنى لتدوم؛ ذلك أن العقائد تحوي في جوهرها ما هو أعظم من الإنسان، وما هو باقٍ بعد زواله.. هكذا يقول المعماري المصري "عبد الواحد الوكيل"، والذي يعد مرجعًا حيًا في مجال العمارة الإسلامية.

إننا نبني بيوتنا لنسكن فيها ثم تزول يومًا، أما المعابد فإنها تبنى لتدوم؛ ذلك أن العقائد تحوي في جوهرها ما هو أعظم من الإنسان، وما هو باقٍ بعد زواله.. هكذا يقول المعماري المصري "عبد الواحد الوكيل"، والذي يعد مرجعًا حيًا في مجال العمارة الإسلامية. لعل مغزى تلك المقولة قد غاب عن ذهن الإمبراطور الروماني "فريدريك الثاني" حين عقد العزم على بناء قلعة بمنطقة "بولية" الإيطالية، حيث انطلقت سادس الحملات الصليبية. ولقد زعموا أن فريدريك تأثر في تلك الحملة بما رآه من عمارة "قبة الصخرة" فاستوحى من هذا المصلى فكرة المبنى ثماني الأضلاع عند بناء "قلعة دل مونتي" المهجورة اليوم في الريف. ولربما لم يدرك الإمبراطور أن قيمة المبنى ليست بعمارته فقط، بل بأبعاده الروحية. فلولا هذه القيمة لما بقي معبد "البانثيون" -الذي يقع في قلب مدينة روما- عامرًا بالحياة حتى يوم الناس هذا بعد أن تحول إلى كنيسة في القرن السابع للميلاد. وتلكم حال "قبة الصخرة".. على كل ما ابتليت به من محن وصراعات سياسية على مرّ التاريخ. لكن دعونا اليوم ننظر إلى زوايا هذا الصرح المقدس وأرجائه بعين المتأمل المنغمس في رونق العمارة وعبقرية واضعيها. لدى هذا الصرح جذور من الطراز البيزنطي، وقد ظل منذ بنائه في العهد الأموي وحتى العصر الحديث، يخضع لمراحل من الترميم والتجديد أضافت إليه قيمة جمالية تجسد تراكم الثقافات وتوالي الحضارات، ضمن مدينة "القدس القديمة وأسوارها" المدرجة على قائمة التراث الإنساني منذ  عام 1981. لكنه وعلى ضخامته وقوته، لم يكن ليبقى لولا قيمته الروحية المستمدة من حاضنته مدينة القدس، التي هوت إليها وما تزال أفئدة أجيال وأجيال من أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث على حد سواء. 
أرجو لكم قراءة مستنيرة!