.. إلى الحمراء
عندما حللتُ بغرناطة في عام 2018، وكدأبي كلما زرتُ مكانًا أول مرة، قصدتُ متجر تحف عتيقة، أنشدُ ضالتي في خريطة قديمة لهذه المدينة الأندلسية، أو مفتاح أثري لأحد أبواب مساكنها العتيقة. فما جذبني في غرناطة تعدى "قصر الحمراء" ليشمل المدينة التاريخية بأسرها. لم أنل مرادي باقتناء شيء يعود لغرناطة بسعر يناسبني؛ لكن صاحب المتجر لفت نظري إلى بلاطة تعود إلى أحد القصور في طليطلة. كان اسمه "فرناندو"، وقد أذهلني بمعرفته الموسوعية بالتحف الأثرية. أثارت إعجابي فاقتنيتها.
من غرناطة بدأ هوسي بجمع البلاطات بكل تنويعاتها؛ ومنها "الزليج" الفسيفسائي الذي تطور في الأندلس والمغرب العربي؛ ومنه اتجه غربًا إلى البرتغال حيث تأثر بجماليات الخزف الصيني، وهو تأثيرٌ نقله الهولنديون عبر المحيطات. وقادتني رحلةٌ في مدينة باليرمو، عاصمة صقلية، إلى اقتناء إحدى البلاطات التي يجمعها فنان يدعى "أنطونيو" من القصور المتهالكة. لم تكن ذات قيمة مادية تُذكر لولا رسمه عليها الذي يبث فيها بألوانه الزيتية روحًا معاصرة. ولدى صقلية تسعة مواقع للتراث العالمي تنتمي إلى الثقافة النورمانية العربية البيزنطية؛ منها كنائس تتحلى بزخارف عربية ونقوش بالخط الكوفي أبدعتها أنامل وسواعد حرفيين عرب إبّان حكم النورمان الذي اتسم بالتسامح. نعود إلى غرناطة، حيث يتناول موضوع غلاف عددكم هذا أحد أهم الإنتاجات الحضارية الأندلسية: قصر الحمراء. فهذه المَعلمة التاريخية لا تمثل قيمًا جمالية ومعمارية فحسب، بل كذلك أبعادًا فلسفية تلامـس الـروح الإنسـانية. فقـصر الحمـراء جوهرة تاج غرناطة، آخر معاقل العرب في شبه الجزيرة الأيبيرية، ومفخرتها التي تَحدَّت عوادي الزمن لتظل عبر القرون مَصدرَ إلهام للأدب العربي والغربي على حد سواء. فهيّا بنا إلى جولة في أروقته وأفنيته وجنانه!