في البدء.. كانت الاستدامة

"في سبعينيات القرن الماضي بإفريقيا، كنا ننجز مشروعات عمرانية تراعي الاستدامة؛ إلا أن هذا المصطلح لم يكن رائجًا حينها".

"في سبعينيات القرن الماضي بإفريقيا، كنا ننجز مشروعات عمرانية تراعي الاستدامة؛ إلا أن هذا المصطلح لم يكن رائجًا حينها". هذا ما قاله المعماري البريطاني "بيتر جاكسون" إذْ حدّثني على هامش جلسة حوارية تناولت موضوع العمران المستدام. يعني جاكسون بذلك أن الممارسات المستدامة كانت حتى عهد قريب جزءًا من الفطرة السليمة القائمة على حِفظ الموارد وسُبل المعيشة التقليدية. وللعِلم، فإن جاكسون عمل لدى المعماري "جون هاريس" في منتصف السبعينيات على تطوير برج "مركز دبي التجاري العالمي"، أو "بــرج راشــد" كما كان يسمى حينها. وهاريس ذاته كان العقل المدبر للتخطيط الحضري لمدينة دبي بين ستينيات القرن الفائت وسبعينياته، حيث كان مسؤولًا عن تصميم بعض مبانيها. في الزمن ذاته، كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يشرف على التطوير الحضري لمدينة أبوظبي برفقة المعماري الراحل "عبدالرحمن مخلوف". لم يكن للأبراج حينها حيّز في ذلك التخطيط، بل انصبّ التركيز على تلبية حاجات الإنسان العملية والاجتماعية.
وقد شكلت تلك الرؤية الثاقبة مَصدر إلهامنا في إنجاز التحقيق الرئيس لعددكم هذا عن "المدينة المستدامة" في إمارة دبي. لم تكن التفاصيل التقنية للتطوير العمراني شُغلنا الشاغل، بل انبهارنا بتجربة التعددية الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن إطار متناغم مع الثقافة المحلية. فالمدينة المستدامة، على كل ما فيها من حياة عصرية، استلهمت بِنيتَها من الأحياء السكنية العتيقة وطرق العيش التقليدية بالمنطقة. طاب المقام لجاكسون مرة أخرى في  الإمارات مع حلول الألفية الثالثة. ولدى عودته، رجع إلى بيوت البراجيل التي كان مهتمًا بالتوثيق لها وحياة قاطنيها؛ إذ جدد اهتمامه بالمشهد الحضري في الدولة عمومًا. إلا أن أهم ما لمستُه في الرجل هو اهتمامه بالثقافة المحلية والنسيج الاجتماعي الأصيل. وما كان لذلك الاهتمام أن يكون لولا القيم النبيلة للقيادة الرشيدة لدولة الإمارات، والتي جعلت أفئدة من الناس تهوي إلى هذه الأرض الطيبة.. حيث مصلحة الإنسان قبل البُنيان.