دار الـــزين

ينصَب اهتمامي بالهوية البصرية للمدن والقرى على تحليل طابعها العمراني الذي صنعته يد الإنسان.

ينصَب اهتمامي بالهوية البصرية للمدن والقرى على تحليل طابعها العمراني الذي صنعته يد الإنسان. إلا أن عنصر الطبيعة أيضًا يشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامي؛ فهو يُجسّد الهوية الطبيعية لمكانٍ ما، وفي الآن ذاته يُبرز كيفية تفاعل الإنسان مع خصائص الطبيعة من حوله، ليرسم في نهاية الأمر مشهدًا حضريًا.

في مدن شبه الجزيرة العربية -حيث لا أنهار دائمة أو بحيرات طبيعيةــ تسود ثلاث خصائص جغرافية: الساحل والجبال والصحراء. في دولة الإمارات العربية المتحدة تحديدًا، تقع جل المدن، وبخاصة السبع التي تمثل المركز الإداري لكل إمارة، على الساحل حيث يجاورها إما جبل أو صحراء. لكن مدينة العين تحظى بجغرافيا لا توجد في مثيلاتها. فهذه الحاضرة، وإنْ كانت لا تقع على الساحل، تزخر بمياه سلسبيل تجري في واحاتها الغَنّاء المحاطة بجبل شامخ من ناحية، وصحراء ممتدة من جهة أخرى؛ ما يضفي عليها سحرًا جغرافيًا يسر الناظرين.

منذ زمن بعيد، جعلت هذه الميزات من مدينة العين وجهةً أثيرة لأهالي الساحل صيفًا، لينعموا بين أفلاجها (وهي قنوات تقليدية لتوفير المياه) بظلال النخيل الوارفة. وما ذلك إلا امتداد لاستيطان بشري شهدته العين منذ عصور ما قبل التاريخ، حيث أسهم وجود المعادن لدى جبال الحجر في ازدهار المنطقة خلال العصر الحجري الحديث والبرونزي والحديدي. هنالك اكتسبت المدينة هوية ثقافية نتجت عن استقرار الإنسان وتفاعله مع محيطه. وهي اليوم تحفل بمواقع أثرية بوّأتها مكانة ضمن قائمة "اليونسكو" لمواقع التراث العالمي. فضلًا عن أنها تزخر بعناصر من التراث الإماراتي غير المادي، تشمل القصص الشفهية والمعرفية المتعلقة بالأفلاج، والفنون الشعبية مثل "السدو" و"الطلي" وغيرها من الفنون الاستعراضية.

في رحلة أمضيناها في كنف مدينة العين، نسافر بكم في التحقيق الرئيس لهذا العدد إلى واحاتها وقلاعها، لنستكشف القيم الثقافية الأصيلة والمشاهد الطبيعية الخلّابة التي تزخر بها جِنان "دار الزين".