ذهبٌ.. وأملٌ جديد
كانت السيميائيات، أو علم الإشارات (Semiotics)، من أمتع المواد في دراستي الجامعية. وهي من الأساسيات التي ينبغي لأي ممارس للفنون تعلمها؛ فمن خلالها، يمكن التلاعب الدلالي بأي صورة أو رمز فني. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو "السواستيكا" (الصليب المعقوف)، الرمز الديني والثقافي القديم للثقافات الآسيوية والأوروبية، الذي اتّخذه النازيون شعارًا لهم. إن مشاهدة هذا الشعار اليوم في أيدي متطرفين أمرٌ يثير الاشمئزاز؛ لكن هذا الشعور ينتفي تمامًا حين نرى الشعار ذاته مرسومًا في شارع بالهند مثلًا. فالعقل إذن يضفي معنىً مختلفًا على الشيء ذاته. وتلكم "ألاعيب" سيميائية مثيرة وخطيرة في آن؛ إذ يمكنها التحكم بإدراك البشر.
استحضرتُ ذلك وأنا أشاهد فيلمًا وثائقيًا عن الألماس الصناعي وكيف أن تركيبته الكيميائية تكاد تطابق نظيره الطبيعي. وقد سبب ذلك بلبلة بشأن التفاوت الكبير في القيمة السوقية لمنتجَين شبه متطابقين من الناحية الفيزيائية. فههنا أضفى العقل البشري معنى وقيمة على الألماس الطبيعي؛ وذلك لارتباطه بقصة التطور الجيولوجي لكوكبنا.. وبالتالي قصة قاطني هذا الكوكب. طريفٌ أن "ألاعيب" السيميائيات لا يمكن تطبيقها بالفعالية ذاتها حين يتعلق الأمر بالُّلقى الأثرية، وإنْ كانت مصنوعة من معادن نفيسة كالذهب. ذلك أنها تحكي قصتنا -نحن البشر– تحديدًا، وعلى نحو لا يقبل التجريد أو التلاعب بالدلالات.
في موضوع غلاف هذا العدد، نذهب بكم إلى "فارنا" في بلغاريا، حيث اكتُشفت أكبر الكنوز الذهبية وأقدمها في العالم. وطبعًا، لا تدَع هذه المشغولات الذهبية مجالًا للسيميائيات، بل تحكي فصلًا من كتاب تطور مجتمعاتنا البشرية. أما محطة العدد الأخيرة فهي الأردن، حيث يُسخِّرُ المصور الفوتوغرافي "محمد محيسن" عدستَه الإبداعية ليحكي قصة نجاح إحدى المحميات في إيواء لاجئين من نوع آخر: وحيشٌ راح ضحية بطش البشر وجشعهم.. لولا أن حملته الأقدار إلى "الأمل الجديد".
أرجو لكم قراءة شائقة مفيدة.