فنـون سليـبـة

في التحقيق الرئيس لعددكم هذا، تقرؤون عن أمثلة أخرى شبيهة بحكاية تُحَف أكروبوليس في أصقاع عديدة من العالم، لا سيما في إفريقيا التي تعرضت للاستعمار والنهب بشتى أنواعه.

قبل شهرٍ، زرتُ "متحف أكروبول" الجديد في أثينا، الذي يُعد من أهم المزارات في هذه المدينة وفي اليونان عمومًا. كانت زيارة المتحف جزءًا من جولتي في موقع أكروبوليس التاريخي الذي يؤوي عددًا من المعابد المشيدة على هضبة صخرية عالية، والتي يرجع تاريخ أقدمها إلى القرن الخامس قبل الميلاد. على الرغم من شغفي بالتاريخ والآثار، فإني عادةً ما أجد ذهني مشبعًا بالمعلومات بعد ساعتين من الانتباه المتواصل لأي تجربة ثقافية؛ فأتوق لاستراحات أتلذذ خلالها بوجبة محلية ونشاط اجتماعي قبل استئناف نهلي من المعارف.

هنالك لفتَ مرشدُنا السياحي "هيرميس" (على اسم أحد الآلهة الإغريقية) انتباهنا إلى رداءة التفاصيل الفنية في تُحفة رخامية محدَّدَة. إذ يَعرض المتحفُ عددًا كبيرًا من النُسخ المقلدة لمنحوتات وتحف أصلية كانت في البدء لدى موقع أكروبوليس، قبل أن "تنتقل" إلى "المتحف البريطاني" حيث ما تزال هناك إلى اليوم. وقد آلت هذه المنحوتات وغيرها كثيرٌ إلى بريطانيا قبل نحو قرنين من الزمان في عمليةٍ يَراها البريطانيون قانونيةً، إذ حصلوا عليها من الدولة العثمانية التي كانت حينها تبسط نفوذها على اليونان؛ فيما يُصر أهل اليونان على أنها نُهبت منهم غصبًا.

إن وجود النسخ المقلدة لَهُو جزء من حكاية المتحف الذي شُيّد في عام 2007؛ فمن خلاله ندرك مدى التحف السليبة التي يمتلكها المتحف البريطاني.  لكن، لماذا أشار هيرميس إلى تلك المنحوتة بالتحديد؟ لصناعة نسخة طبق الأصل لأي شيء، علينا في المقام الأول الوصول إلى النسخة الأصلية وتمعنها بأريحية، وهذا ما لم يسمح به المتحف البريطاني على الوجه الأكمل بشأن تلك المنحوتة. أوضح لنا هيرميس تردد المتحف البريطاني -ولسبب غير منطقي- في إتاحة المجال لنسخ الرخامية بدقة؛ مما أجبر العاملين على إتمامها على عَجل من دون معاينة التفاصيل. ولا تزال المحادثات إلى يومنا هذا قائمة بين اليونان وبريطانيا بشأن استرداد رخاميات الموقع؛ ما أثر في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في الآونة الأخيرة.

في التحقيق الرئيس لعددكم هذا، تقرؤون عن أمثلة أخرى شبيهة بحكاية تُحَف أكروبوليس في أصقاع عديدة من العالم، لا سيما في إفريقيا التي تعرضت للاستعمار والنهب بشتى أنواعه. بعض تلك الحكايات حظي بنهاية سعيدة، فيما بعضها الآخر مازال رهين مفاوضات معقدة بين الأطراف المتنازعة. لكن ثمة بارقة أمل أن ضمائر الناهبين ستصحو.. لتعود التحف السليبة إلى أهلها.

أرجو لكم قراءة متمعنة ورائقة!