لا شجرة من دون أوراق

اعتمدت العوائل في المجتمعات الزراعية على التكاثر كي يؤازر بعضها بعضًا في حرث الأرض وزرعها وحصادها؛ فكان عدد أفراد العائلة عاملًا مهمًا في البقاء أو الهلاك.

تختزن أوراق الشجر معلومة رياضية تحوي "الحمض الهندسي" الذي يتكرر ليعطي شكلًا للجذور والأشجار والغابات ككل. يحصل هذا بفضل "الفراكتلات" (Fractals)، وهي أنماط هندسية طبيعية متشابهة ولا منتهية توجد في عناصر الطبيعة؛ لكن مفاهيمها تُوظَّف أيضًا في مجالات كالفن والموسيقى وعلم الزلازل. أمّا أنا فتُذكّرني بتكاثر نوعنا البشري -أو عدمه- في العصر الحديث.

تقليديًا، اعتمدت العوائل في المجتمعات الزراعية على التكاثر كي يؤازر بعضها بعضًا في حرث الأرض وزرعها وحصادها؛ فكان عدد أفراد العائلة عاملًا مهمًا في البقاء أو الهلاك. لكن كل ذلك تَغَير في زمننا الراهن، إذ لم تعد العوائل -سواء في الأرياف أو المدن- تعتمد على عنصر الكثرة لديمومتها الاقتصادية. وأصبح كثيرٌ من الأزواج يؤجلون الإنجاب إلى وقت متأخر أو يقتصرون على إنجاب طفل واحد أو اثنين على أقصى تقدير؛ فأدى ذلك، من بين عوامل أخرى، إلى تراجع معدلات الإنجاب لدى بلدان عديدة.

أمّا تداعيات هذا التراجع فيمكن تلخيصها، حسب رأيي، كالآتي: لننظر إلى كل فردٍ منّا كأنه ورقة شجر، والمجتمع كأنه غابة من الشجر. وكل فرد من هذا المجتمع يكتفي بإنجاب طفل أو طفلين. قد يبدو هذا رقمًا معقولًا ومتوازنًا، لكن إذا نظرنا إلى المسألة من منظور حِسابي "فراكتلي"، فإنه مع الوقت لن تكون هناك أوراق كافية لاستدامة تلك الغابة. إذ إن بقاءها -أي بقاءنا- يعتمد على ثبات تعدادنا السكاني من خلال الحفاظ على معدل الإحلال المحدَّد في 2.1 طفل لكل امرأة. أما إذا أنجبت كل امرأة طفلًا واحدًا أو طفلين فقط، فإن تعدادنا السكاني سوف يتقلص، وسيتجه معدل الأعمار نحو الشيخوخة.

قد لا نستشعر فداحة ذلك في الوقت الحالي، إلا أن تناقص السكان -إنْ استمر هذا المنحى- قد يؤثر سلبًا في المنظومات الاقتصادية في المستقبل المنظور؛ بل إن ذلك بات واقعًا لدى كثير من الدول ذات معدلات الإنجاب المتدنية. مع تجاوزنا عتبة الـ 8 مليارات نسمة على كوكب الأرض، يَعرض التحقيق الرئيس لعددكم هذا مثالين متناقضين من حيث المنحى الديموغرافي: نيجيريا والصين؛ ويَبسط حقائق مثيرة تتضمن اقتراحات مبتكَرة لكيفية الحفاظ على شجرة حياتنا وحماية أغصانها وأوراقها.

أرجو لكم قراءة مفيدة.