عُذرًا عزيزي سامي!
بدأتُ أخطُّ هذه السطور خلال اليوم نفسه الذي حزمت فيه حقيبتي لسفرٍ خططتُ له منذ شهور عديدة. وعند تخطيط عائلتي لأي سفر، لا بد أن نأخذ في الحسبان مصيرَ "سامي" أثناء غيابنا عن البيت. إنه قِطُّنا الأنيس منذ عام تقريبًا. فَرضَت عليَ الضرورةُ المهنية أن أعيش أيام العمل بمسكن صغير في غير المدينة حيث يوجد بيت عائلتي.. و"سامي". لذلك، وكلما سافر أهل بيتي جميعًا، فإنّي أضطر لأخذ إجازة قصيرة أو العمل من بُعد حتى يتسنى لي السفر إلى منزل العائلة للبقاء معه ورعايته. فأنا لا أستطيع جلبه إلى مسكني الصغير، لأن ذلك محظورٌ ههنا. في هذه المرة، سيبقى البيت خاليًا إلا من "سامي"؛ فجميعنا مسافرٌ إلى وجهات مختلفة مدة أسابيع. وجميع أصدقائنا الذين عادةً ما نترك "سامي" في عهدتهم خلال ظروف كهذه، لديهم انشغالات كثيرة ولا يمكنهم الاحتفاظ به. لذا، لم يكن لدينا خيار سوى أخذه إلى مركز رعاية.. وهو حل غير مسبوق لدينا. ساورنا بعض القلق إزاء ذلك؛ فهو يُظهر علامات الحزن والعزلة حتى عندما يكون في عُهدة صديق مقرب، فكيف بمكوثه في مكان غريب كليًا!
بعد ساعات على وداعٍ كان صعبًا على قلوبنا، أرسل إلينا مشرفو المركز صورًا له بدا فيها متأقلمًا مع المكان بلا حزن. هنالك تساءلنا: أليس مشتاقًا لنا؟ أنّى له أن يستأنس بهذا المكان الجديد وهو الذي لم يألف التنقل من مكانه المعتاد؟ جعلَنا كل ذلك نفكر في الطريقة التي "يفكر" بها قطنا الحبيب، وفي سلوك القطط عمومًا.
يسعى موضوع غلاف عددكم هذا إلى النفاذ إلى "ألباب" الحيوانات لمعرفة مدى قدرتها على التفكير، ونطاق تجلّيات هذا التفكير.. إنْ وُجِد. إذ لا يستطيع العلماء الجزم بما يدور في أذهانها ووِجدانها؛ فهي تفتقد إلى ملَكة التواصل اللغوي التي وُهبَها الإنسان حصرًا، لذا فإن الملاحظة العلمية وحدَها تلقي الضوء على بعض الأنماط السلوكية للوحيش. أما "سامي" فأنا أتوق لاكتشاف سلوكه عند عودتنا وعودته إلى المنزل. وإلى ذلك الحين، دعوني وفريق التحرير نشارككم التهنئة بالذكرى الـ 12 لإصدار أول عدد من مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، وكلنا فخر بدعمكم لنا طيلة هذه السنوات. ونأمل أن نبقى على الدوام بوابتكم -الورقية والرقمية- إلى عوالم العلم والمعرفة. فمرحبًا بكم في عامنا الجديد!