مُروّضات الصقور
في عدد ديسمبر 2018، تطرقت المجلة لموضوع رياضة الصقارة من زاوية نظر عالمية، تحت عنوان "سلاطين العلياء"، حيث عُرضت صور لثُلة من الصقارين من شتى أنحاء العالم، بأزيائهم التقليدية وصقورهم المتنوعة. لفت نظري أن بعضًا من صور التحقيق كانت لِنساء صقّارات؛ لكن من دون وجود أي امرأة عربية من بينهن.. وتلك كانت حسرتي!
ولعله من باب الاستدراك أن نعود إلى عوالم الصقارة، لكن من بابها العربي المحلي، وتحديدًا دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وذلك بإلقاء الضوء على الحضور القوي للمرأة الإماراتية في هذه الرياضة التراثية.
يتجسد هذا الحضور في إحدى رائدات الصقارة التي كسرت صورة نمطية لطالما أظهرت هذا النشاط بوصفه حكرًا على الرجل.. إلا قليلًا. إنها "عائشة المنصوري" التي ظلت تعمل جاهدةً -في الظل أحيانًا كثيرة- لإبراز دور المرأة في النهوض بهذا التراث ومن ثم ترسيخه في المشهد الإعلامي.
في هذا العدد الذي بين أيديكم، آثرنا أن نحتفي وإيّاكم بِهذا الدور النسائي المتفرد في "يوم المرأة الإماراتية" -الذي يقع في يوم 28 أغسطس- من خلال تحقيق "صقّارات الإمارات.. حارسات التراث الأمينات". وإنه بحقّ لنِعمَ الاحتفاء! فلقد حرصنا على أن تكون صفحاته عن المرأة ولأجل المرأة وبقلم المرأة وبعدسة المرأة، لكن في قالب سردي حكائي يضفي مزيدًا من الألق التراثي على تقليد راسخ ذي مكانة رفيعة في قلوب سكان شبه الجزيرة العربية عمومًا والإمارات خصوصًا.
ولأن لكل شيء بداية، فلا بد من التنويه إلى أن النهوض بالصقارة على نحو رسمي وشامل بدولة الإمارات قد انطلق فعليًا في سبعينيات القرن الماضي؛ وذلك من خلال إطلاق العديد من البرامج والمبادرات والمؤسسات التي ما فتئت تشمل رياضة الصقارة بالرعاية والتنظيم والتطوير. وكذلك بذلت هذه الدولة جهودًا جبّارة لحماية الصقور وإكثارها، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي وحتى الدولي. وقد تُوجت تلك الجهود في عام 2010 بإسهام الإمارات في إدراج الصقارة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي لدى منظمة "اليونسكو".
لا يَجدر بي أن أختم كلمتي هذه من دون استحضار نهج الأب المؤسس المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أولى هذه الرياضة أهمية خاصة، بل كان هو نفسه صقَّارًا من الطراز الرفيع؛ كما لم يدّخر جهدًا في دعم المرأة ومكانتها الفعالة في شتى مجالات الحياة. وما زال هذا النهج مستمرًا متوهّجًا برعاية القيادة الرشيدة في دولة الإمارات.. نهجٌ ذو أبعاد إنسانية تستشرف المستقبل برؤية عالمية تَغرف من مَعين الأصالة المحلية.