هل يفقد الألبُ سلاحَه الأبيض؟

لم يسبق لي أن زُرتُ منطقة الألب؛ إلا أنَّ ما يشدني إليها لا علاقة له بالثلوج أو التزلج، وإنما نوع من الجُبن يدعى "زهرة الألب"، من ضمن مكوّناته زهورٌ صالحة للأكل.

كلما مررتُ بِـ"سكاي دبي"، قفزَت إلى ذهني مغالطةٌ مفادها أن استخدام الثلج الصناعي يقتصر على الدول التي لا توجد فيها ثلوج طبيعية. والحالُ أن تقنيات "الاستثلاج" الصناعي تُستَخدم أيضًا في بلدان معروفة بمناطقها الثلجية. ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى صناعة "الترفيه الثلجي". على أن هذه الأخيرة تُعد عنصر الجذب السياحي الوحيد في مناطق عديدة من العالم؛ فإنْ ذابت ثلوجها الطبيعية أو تلاشت، تلاشت سياحتها ومعها جزء لا يُستهان به من اقتصادها بل حتى ثقافاتها.
"ثلوج الألب تحترق".. هو عنوان التحقيق الرئيس لعددكم هذا، الذي يتناول غضب الطبيعة على منطقة ارتسمت في أذهاننا بوصفها وجهة للأثرياء وبطاقة بريدية "مثلجة" لا تتغير مع الزمن. وللعِلم فإن هذه البقعة الجبلية البيضاء من أوروبا لم تكن على تلك الصورة النمطية في الماضي؛ إذ عانى سكانُها الأوائل الويلات وهم يصارعون شتاءها القارس القاسي من أجل البقاء. 
واليومَ ثمة معاناة من نوع آخر يكابدها أحفادهم: انحسار الثلج والجليد.. والسياحة الشتوية. إنها معركة يخوضها سكان المنطقة متسلحين بالتقنية والعزيمة ضد احترار المناخ الذي ما انفك يسلب "الألب" ثلوجَه وسياحَه ومتزلجيه.
أَستحضرُ في هذا السياق مفهومَ "السياحة البيئية"، الذي أكاد أجزم أنه ينحصر لدى كثيرين منا في التمتع بالمناظر الطبيعية والتقاط صور عابرة لتخليد اللحظة. والحال أن هذا المفهوم أوسع وأشمل؛ إذ يرتكز أساسًا على التناغم مع البيئة والتماهي مع المشهد الطبيعي والانغماس في كل جوانب الإرث الثقافي لأهل المكان. ومن ذلك مثلًا، تجربة أسلوب طبخٍ يعتمد على موارد مستدامة في منطقة ذات مناخ مجهري؛ أو عيش يوم واحد في بيت تقليدي، وهو أمرٌ خَبرتهُ شخصيًا بمَسْكن "ترولو" في ريف منطقة بوليا بالجنوب الإيطالي.
لم يسبق لي أن زُرتُ منطقة الألب؛ إلا أنَّ ما يشدني إليها لا علاقة له بالثلوج أو التزلج، وإنما نوع من الجُبن يدعى "زهرة الألب"، من ضمن مكوّناته زهورٌ صالحة للأكل. وهو من صنف المأكولات التي تستمع العين برؤيتها قبل أن تتلذذ براعم التذوق بعناصرها "الأومامية". كلما أكلتُ هذا الجبن، أتفكّر في جميع مراحل صناعته، بدءًا برعاية الأبقار وانتهاءً بمراحل التخمير؛ متأملًا تناغم المنظومة البيئية والثقافية التي تَطور منها هذا المنتج.
أما الآن فأرجو ألّا أجد ثلوج الألب قد انحسرت يومَ أَشدّ الرحال إليها.. وأرجو لكم رحلةً ممتعة تُثلج الصدرَ، عبر صفحات العدد!