رغما عن كل ما تمكن الإنسان من تحقيقه والوصول إليه من اكتشافات وابتكارات واختراعات، بقي الدماغ البشري اللغز الأكبر ومكمن الأسرار؛ إذ كلما اقترب أكثر إلى معرفة أي جزئية فيه معتقدا نفسه أنه بدأ طريق المعرفة، ازداد الأمر تعقيدا وفتح الباب أمام ملايين...
رغما عن كل ما تمكن الإنسان من تحقيقه والوصول إليه من اكتشافات وابتكارات واختراعات، بقي الدماغ البشري اللغز الأكبر ومكمن الأسرار؛ إذ كلما اقترب أكثر إلى معرفة أي جزئية فيه معتقدا نفسه أنه بدأ طريق المعرفة، ازداد الأمر تعقيدا وفتح الباب أمام ملايين الأجزاء -بل العوالم- الأخرى المجهولة في تلك الكتلة التي لا يزيد وزنها عن 1400 جرام وتحمل من الروابط العصبية ما يصل طوله إلى حوالي 160 ألف كيلومتر. ليس ذلك وحسب، فمن خلال صفحات موضوع أسرار الدماغ ترد حقائق مثيرة ما هي إلا قطع أحجية تزيد الصورة الكلية تعقيدا.
من أشكال هذا التعقيد وما لا تفسير له، كيفية تحرك أدمغة ملايين البشر نحو هدف واحد وفي وقت واحد كما في المواسم الدينية ومهرجاناتها، عبر طقوس مظاهرها الانفعال الجماعي ولها انعكاسات إيجابية على صحة الحجيج! وكيف أن الانتماء إلى حشد ما يمكن أن يغير نظرة المرء لنفسه وللعالم ويغير إدراكه للأمور، كما في موضوع مثير عن بَركة الحشود في موسم "كومبه ميلا".
كل فعل إنساني أو شعور إنما هو نتيجة إشارات مرت عبر تلك العصبونات، فأيها ياترى حرك أدمغة فناني كنشاسا الكونغوليين الذين تمكنوا من التحليق عاليا بمآسي حياتهم اليومية، سواء الاقتصادية أم السياسية، لإنتاج فن يدفعهم للحلم؛ ويدفعنا لتأمل الإنسان القادر دوما على التعايش مع الواقع مهما كان مؤلما كما في تحقيق "كنشاسا.. قلب الكونغو النابض".
ومن أين جاءت الإشارة التي ألهمت برونيليسكي، صائغ الذهب الشغوف بعلوم البصريات الذي لم يدرس الهندسة في حياته، ليبني أعظم صرح معماري عرفه عصر النهضة؛ وليس ذلك فحسب، وإنما ابتكر في سبيله لتحقيق ذلك وسائل فتحت الطريق لاختراعات إنسانية مهمة. وذلك ما ستعرفونه عبر موضوع "قبة كاتدرائية سانتا ماريا ديل فيوري" في فلورسنا.
في ثنايا هذا العدد موضوعات ثرية وغريبة كلها كانت رموزا وطلاسم تمكن الإنسان من فكها، ليؤكد في كل يوم جديد أن آلية عمل الدماغ البشري هى المعجزة العليا حقاً.

als.almenhaly@ngalarabiya.com
alsaadal@