هل حدث أن صادفت من يحتفي بجهله؟! نعم.. هناك من يحتفون بجهلهم. هذا ما يفعله الباحثون عن العلم والمعرفة لخدمة الإنسانية، والذين يتأكدون مع كل اكتشاف يتوصلون إليه، من مدى عجزهم إزاء عظمة الكون. ذلك ما فعله العلماء الذين اجتمعوا داخل مختبر واسع يضم عينات...
هل حدث أن صادفت من يحتفي بجهله؟! نعم.. هناك من يحتفون بجهلهم. هذا ما يفعله الباحثون عن العلم والمعرفة لخدمة الإنسانية، والذين يتأكدون مع كل اكتشاف يتوصلون إليه، من مدى عجزهم إزاء عظمة الكون. ذلك ما فعله العلماء الذين اجتمعوا داخل مختبر واسع يضم عينات من مختلف أهم هياكل الإنسان البدائي التي أُكتشفت؛ فما إن فحصوا تلك اللقى الجديدة، حتى تأكدوا من أنها ستدحض كل ما سبق من نظريات اعتنقوها. فصفق جهابذة علم أنثربولوجيا الحفريات البشرية إقراراً بجهلهم السابق! هذا ما ستقرأه في موضوع اكتشاف "هومو نـاليـدي". إذاً، يحتفي الباحثون كلما ازدادوا علما وكلما أيقنوا مقدار جهلهم. تأتي تلك اللحظة الكاشفة مليئة بالتناقض، ولكـنها صـادقة ومفعمة بشغف المعرفة. ونحن في أسرة تحرير "مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية" نعيش هذه اللحظة الخاصة مع كل عدد. والآن، ونحن نضيء شمعتنا السادسة وقد أتممنا بعددنا هذا عامنا الخامس، نعلم تماما وأكثر من أي وقت مضى مقدار الجهل الذي نعيشه أمام الاكتشافات العلمية. بعد 60 عددا قدمتها "مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية" للقارئ العربي أينما كان، نزعم أننا كسبنا الرهان الأساسي المتمثل في تبسيط المعارف والعلوم التي تقدمها المجلة العالمية بلغة سهلة وجاذبة ورصينة تصل إليه بلا تعقيد. غير أننا نواجه تحديا آخر قلما تحدثنا عنه، وهو طرح كل موضوعات المجلة العالمية دون إثارة تحفظ أو غضب أي كان، لضمان استمرار انسياب المجلة إلى كل الدول. وهذا هو الدور الرئيس الواقع على عاتق رئيس التحرير والذي أحاول جاهدة أداءهُ بما أمتلك من صلاحيات، سواء عبر تغيير غلاف عدد معين، أو إزالة صورة، أو التجاوز عن عنوان وغيرها من الإجراءات الأخرى التي تسمح بها المجلة الدولية، طالما أنها أكثر ملاءمة لثقافة شعوبنا، دون المساس بالحقيقة العلمية، والتي هي الهدف الأسمى.. لعلنا نصيب حظا منها.