أقام بعض المواطنين الهولنديين -في يونيو من العام الجاري- دعوى قضائية ضد حكومتهم يرفضون فيها نسبة %17 التي تعهد بها بلدهم لخفض انبعاثات الكربون، كونها لا ترقى إلى طموحاتهم؛ وبالفعل قضت المحكمة برفع النسبة إلى %25. وثمة اليوم في ساحات القضاء البلجيكي والنرويجي قضايا مشابهة. أما في وقت أبكر من ذلك بكثير، فقد تمكن الألمان من إلزام حكومتهم بإصدار قانون يعطي الأفراد منتجي الطاقة النظيفة الحق في بيع فائضهم للشبكة العامة، بتعرفة تضمن لهم تغطية تكاليفهم! إذا.. لقد ولى الوقت الذي كانت تتحكم فيه أهواء الحكومات بمصير الأرض، وبتنا نشهد إجراءات "شعبية" أكثر تأثيرا في النظم التشريعية البيئية لبعض دول العالم.
لم يعد الحصول على المعلومة البيئية يشكل عائقا أمام الجادين الساعين لإحداث تحولات من شأنها إنقاذ الأرض من التغيرات المتسارعة التي تصيبها؛ وذلك بفضل ما وصلت إليه تقنيات جمع البيانات من تطور، وتوفرها على إمكانات مذهلة إلى درجة تكشف تغيرات طوبوغرافية لا يتجاوز سمكها 2.5 سم على سطح الأرض! يضاف إلى ذلك أدوات تحليل هذه البيانات وعرضها، وما ينتج عنه من قدرة على وضع سيناريوهات مستقبلية دقيقة. ولهذا أصبح التحدي الأكثر إلحاحا أمامنا هو كيف سنستخدم ما لدينا من معلومات على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول، لنحدد ما علينا اتخاذه -نحن وحكوماتنا- من تدابير قد تكون صعبة أو حتى مؤلمة، لنتدارك تداعيات ما أحدثناه بسبب استغلالنا المفرط لإمكانات الأرض.
حسب ما تظهره بعض خرائط هذا العدد -خصوصا تلك التي توضح قارات العالم بأسره- فإن منطقتنا العربية معنية بشكل كبير بخطر التغيرات المناخية؛ سواء من حيث عدم وجود تعهدات وطنية تحد من غازات الدفيئة، أو الاستخدام المفرط للمياه الجوفية بوتيرة تفوق امتلاءها، أو تسببها بانبعاث كميات من ثاني أوكسيد الكربون بمقدار يفوق المعدل العالمي. أما الأسوأ فهو أن عددا قليلا جدا من الدول العربية يستخدم وسائل نظيفة لإنتاج الطاقة، في حين يبقى جل المنطقة غارقا في عتمته البيئية.