قد يبدو لك رأي الآخرين فيك مثيراً أحياناً، غير أن الغريب ألا تمتلك رأيا عن ذاتك أصلاً. من هذا المنطلق، كان اختيارنا تحقيقاً أرشيفياً أُنجز قبل 11 سنة عن صحراء الربع الخالي، ليكون موضوعنا الرئيس في هذا العدد. ربما يرى بعض قرائنا العرب أن الموضوع لا يقدم...
قد يبدو لك رأي الآخرين فيك مثيراً أحياناً، غير أن الغريب ألا تمتلك رأيا عن ذاتك أصلاً. من هذا المنطلق، كان اختيارنا تحقيقاً أرشيفياً أُنجز قبل 11 سنة عن صحراء الربع الخالي، ليكون موضوعنا الرئيس في هذا العدد. ربما يرى بعض قرائنا العرب أن الموضوع لا يقدم جديداً، بحكم أنهم ينتمون لهذا المحيط الجغرافي؛ ولكن الحقيقة غير ذلك. إذ إن الموضوع يطرح رؤية خاصة لنا ولمحيطنا من وجهة نظر غربية، تجعلنا نراجع الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وبيئة عيشنا. ومن جانب آخر، يمنح التحقيق فرصة لأحفاد من عاشوا بالمنطقة، كي يكتشفوا تاريخ أجدادهم الذين قهروا أصقاع الربع الخالي.
قبل نحو تسعة عقود، وفي وقت استُكشفت فيه كل بقاع الأرض تقريبا، بقيت صحراء الربع الخالي عصية على عشرات المستكشفين والرّحالة الذين وقفوا عند حدودها بلا جرأة حتى على التفكير في اقتحام مجاهلها. والحالُ أن المنطقة ظلت على مر العصور تشكل معبراً لكثير من القبائل التي تركت بصماتها في التاريخ الإنساني. فما درجة الصحة في الوصف القديم للربع الخالي بأنه مكان مقفر وقاحل لا إمكانية للحياة فيه؟ ذاك هو السؤال الذي طرحه عدد من المستكشفين اللاحقين، وكان سببَ اشتعال جذوة فضولهم تجاه المنطقة.. وإلا ما الداعي لخوضهم مغامرة في مكان يُقال عنه إنه خواء في خواء!
في منطق الأمور، يوصف بالخواء والخُلوِّ، كل ما لا يمكن أن يُلمس أو يُقاس أو يُجمع. والحال أن ذلك لا ينطبق على منطقة الربع الخالي. فصورة غلاف المجلة -مثلا- تبدو خالية، إلا أن تأملَها جيدا، يوضح عِظم العمار الطبيعي الذي يتوافر في المنطقة. وفي قلب هذه الكثبان الشامخة -التي قد يراها بعضنا جدباء- تمكن إنسان المكان من الحفاظ على شيم الكرم والجَلد والشهامة المبهرة. هذا ما دَوَّنه مستكشفو الغرب بعدما توافرت لهم الأدوات، فنقلوا للقارئ الغربي قِيَّماً فاقت في قيمتها ما في باطن هذه الأرض من ثروات.