منذ سقوط بغداد في أبريل عام 2003، ورغم مرور ثلاثة عشر عاما على ذلك التاريخ، لا تزال تفاصيل مشهد امتلأت به نشرات الأخبار السياسية حاضرة في ذهني؛ عندما دخل موظفو المتحف الوطني العراقي فوجدوا المكان وقد سرق ما فيه، فأخذوا يصيحون بحرقة على ما كان. أتذكر...
منذ سقوط بغداد  في أبريل عام 2003، ورغم مرور ثلاثة عشر عاما على ذلك التاريخ، لا تزال تفاصيل مشهد امتلأت به نشرات الأخبار السياسية حاضرة في ذهني؛ عندما دخل موظفو المتحف الوطني العراقي فوجدوا المكان وقد سرق ما فيه، فأخذوا يصيحون بحرقة على ما كان. أتذكر جيدا ما فعلته مديرة المتحف عندما أخذت تبكي وتضرب رأسها أسفا على نهب ما قيل في ذلك الوقت إنه أزيد من 170 ألف قطعة أثرية تعود إلى أكثر من 7000 سنة. بقيت تلك اللقطات عالقة في ذاكرتي بألم وحسرة. ذلك أن ما يبكون عليه ليس مجرد قطع جميلة فحسب.. إنها فصول مهمة من حكاية ماضينا. تاريخ الإنسان أعظم حكاية؛ وخير وسيلة لفهمه كاملا هو كشف كل فصوله.. دون نقصان. وما يحدث الآن في منطقتنا العربية هو تدمير لفصول كاملة، و بتر أجزاء أصيلة في تكوينها، وتشويه متعمد لقلب المكان وروحه. هذا ما يفعله "لصوص الماضي"، "ناهبو التاريخ"، "سارقو الحضارات".. وغيرها من ألقاب كثيرة نطلقها على هؤلاء الذين امتهنوا تجارة الكنوز الأثرية حول العالم. نقبوا عنها ونقلوها وباعوها وعبروا بها قارات؛ فاقتطعوا بذلك فصولاً من كتاب الإنسانية الممتد عبر قرون.. وقرون.
يلقي التحقيق الرئيس بعدد مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" لهذا الشهر، الضوء على عمليات نهب الآثار في مناطق مختلفة حول العالم، ويخبر عن قدم هذه الممارسة، وعن تشعب المستفيدين وتعدد مستوياتهم وصعوبة تعقبهم، والجهود المطلوبة منا كأفراد ودول تقع عليها مسؤولية حماية إرثنا الإنساني. كما يشير في جانب كبير إلى دور تداعي الأمن السياسي والاقتصادي في ازدهار هذه التجارة التي تسرق تاريخنا في كل من العراق وسورية واليمن ومصر. المثير فعلا هو تركز كل العوامل الداعمة لهذا النوع من النهب للإرث الإنساني في منطقتنا العربية، التي يُنتزع حاضرها ويُسرق تاريخها على مرأى من العالم.. بكل هدوء. ويبقى السؤال عالقا: هل المال وحده هو الدافع وراء كل هذا التخريب والنهب الذي تعانيه حكايتنا في المنطقة؟ أم أن هناك دواعي أخرى لطمس ذاكرتنا التاريخية وإنهاء حكاية كانت لنا.. فلا يبقى منها أثر إلى الأبد!