يقول عالم أنثربولوجيا البيئة لدى جامعة "ميامي" الأميركية "كيني برود": "هناك خلل وراثي يدفعنا للقيام ببعض الأعمال التي لا ينظر إليها أغلب الناس بعين الرضا!". ويقصد هنا الأعمال التي يقوم بها المستكشفون المغامرون، الذين لا يتوانون إطلاقا عن بذل ما يملكون...
يقول عالم أنثربولوجيا البيئة لدى جامعة "ميامي" الأميركية "كيني برود": "هناك خلل وراثي يدفعنا للقيام ببعض الأعمال التي لا ينظر إليها أغلب الناس بعين الرضا!". ويقصد هنا الأعمال التي يقوم بها المستكشفون المغامرون، الذين لا يتوانون إطلاقا عن بذل ما يملكون من وقت وجهد ومال لسبر غور شيء ما غير مُستكشف بعد! المثير هنا أن عدم رضا الناس عن ذلك، لا يعني بالضرورة إعلان الرفض، فهناك أشكال أخرى أكثر حضورا وانتشارا، كالاستخفاف والتجاهل.
في رأيي.. أكبر سبب لتحقق الاستكشافات في العالم، هو قدرات أصحابها الفائقة على تجاهل المحيط المُثبِّط حولهم، واستمرارهم في ولعهم ومتعتهم بـ"خللهم" غير الاعتيادي. كما أن السبب الرئيس لحصول الابتكار يعود في الأساس إلى رغبة ملحة لدى مستكشف في إنجاح مهمته. ولكن ما هي العلاقة بين الاستكشاف والابتكار؟!
تتقدم البشرية نحو التطور التقني بصورة متسارعة عما كانت عليه قبل 100 عام، وتسجل آلاف براءات الاختراع بشكل مضاعف كل يوم عن اليوم الذي يسبقه؛ وهذا يعود بالأساس إلى أن هناك أشخاصاً يخوضون الكثير من التجارب مرات ومرات بلا ملل وبرغبة متواصلة بأن تؤتي كل تجربة نتائج أفضل من سابقتها، وهم خلال ذلك يراكمون العديد من الخبرات التي تمثل مع الوقت قاعدة علمية تصلح لغيرهم، سواء من المستكشفين الآخرين أو من المبتكرين!
عندما يصر مستكشفو "أنتاركتيكا" على اكتشاف مجاهل في أقصى وأقسى أعماق القطب الجنـوبي، ويجاهد متسلقو "إيفرست" للوصول بأخف عتاد وأقل خسائر ممكنة، ويلح الباحثون على معرفة المزيد عن أدق أسرار تحليق "الطنان"، ويسعى العلماء بلا ملل لمعرفة ظواهر التغير البيئي في القطب الشمالي، فإنهم إنما يُطوّعون الواقع بكل إمكاناته لتحقيق ذلك؛ وهنا تأتي عملية ابتكار وسائل وأدوات أكثر نجاعة وفاعلية في تحقيق الهدف. وهذا ما يخبرنا به عددكم الحالي من "مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية" الذي يحوي العديد من الاستكشافات التي دفعت أصحابها ليس فقط إلى ابتكار أدوات جديدة، وإنما أيضا إلى تصور ما ستكون عليه هذه الأدوات في المستقبل.