مـا إنْ بلـغ "فريـدريـك تيـرمان" من العمـر خمسة وعشرين عاماً، حتى انضم إلى "جامعة ستانفورد" لتدريس الهندسة الكهربائية؛ ولعل لحداثة سنه آنذاك دورا في قربه من طلابه الذين أصبحوا في ما بعد -وبفضل دعمه لهم- أصحابَ شركات رائدة في مجال التقنية بولاية...
مـا إنْ بلـغ "فريـدريـك تيـرمان" من العمـر خمسة وعشرين عاماً، حتى انضم إلى "جامعة ستانفورد" لتدريس الهندسة الكهربائية؛ ولعل لحداثة سنه آنذاك دورا في قربه من طلابه الذين أصبحوا في ما بعد -وبفضل دعمه لهم- أصحابَ شركات رائدة في مجال التقنية بولاية كاليفورنيا. فقد كان الرجل على قناعة تامة بأهمية ربط التعليم بالواقع، وظل يؤمن بإمكانية إحداث فارق عظيم في حال نجاح ذلك التوجه القائم على ربط الجامعة بالصناعة. ولذا كان له الدور الأبرز في تأسيس "مجمَّع ستانفورد الصناعي" على أرض الحرم الجامعي بمدينة "بالو ألتو"، والذي وفد إليه بعض من ألمع طلابه السابقين لتأسيس شركاتهم الناشئة في مجال التقنية.. حتى أصبحت في ما بعد من أبرز الشركات على مستوى العالم.
بالتأكيد كان لطبيعة هذا الموقع، بوجوده في أحضان تلال خضراء جميلة، وكذا بفضل قربه من مركز علمي مهم، دورٌ في جعل "بالو ألتو" عاصمة للتقنية العالمية على مرّ العقود الستة الأخيرة؛ وصار ذلك المجمعُ النواةَ الأولى لما يُعرَف اليوم باسم "وادي السيليكون".. إلا أن السرعة الصاروخية التي صعدت بها المنطقة فجذبت إليها الشركات العالمية والشباب والأفكار التقنية النيرة التي يبحث أصحابها عن بيئة حاضنة لهم، كانت هي القيمة المضافة التي توقعها "تيرمان" مبكرا وألهم بها طلابَه، فاستحق عن جدارة لقب "أبو وادي السيليكون".
المثير في رأيي أن القيمة التي انطلقت بها الصناعة التقنية في "وادي السيليكون" -والتي اعتمدت أساسا على إلهام الناس تقدير إمكاناتهم والمجازفة لتحقيق أهدافهم- هي القيمة الأساس التي مازالت تدفع الكثير من الشباب حول العالم إلى شد الرحال إلى المنطقة، رغم كل المعوّقات والصعوبات، التي يعرضها التحقيق الرئيس في عددكم هذا من "مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية". ولا أدل على ذلك من ظهور مناطق في قارات العالم المختلفة تسير على النهج نفسه، غير أنها تبقى مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا "الوادي" القابع بين الروابـي.. كمـا يبقى استمرارهـا رهيناً بتوافـر ما أراده "تيرمان": ربط العلم بالواقع.