مـن الرمل إلـى الصخـر

مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.

عند التجوال في فضاءات الصحراء الشاسعة بدولة الإمارات العربية المتحدة، تجد نفسك لدى تضاريس ترسم ملامح الفراغ في حضرة صمت مطلق يناديك همسُه للتوغل في إيقاعاته العميقة التي تُعزَف في تناغم تام مع رقصات الضوء الطبيعي وهو يرسم خيالاته على لوحات رملية بديعة.  ذلك تمامًا ما يسعى إليه المصور الفوتوغرافي "توماس سايتو" حين يتسلح بكاميرته ويركب سيارته "الجِيب" ليمخر بها عباب البيداء بحثًا عن صيد فوتوغرافي نفيس. بدأ رحلاته الاستكشافية تلك من دبي -حيث طاب له المقام منذ عام -2012 في مناطق من قبيل "القُدرة" و"المدام"، ومن ثم وسّع نطاقه تدريجيًا حتى وصل إلى صحراء "ليوا" في أبوظبي، حيث صقل مهاراته في القيادة على تضاريس أصعب وأوعر. كل رحلة لديه هي لقاءٌ حميمٌ مع المكان، حيث يصير الزمن والصمت والضوء رفقاء دربه في مسيرة إبداع من وحي لحظات لا تتكرّر. وهكذا نشأت علاقته الوطيدة بالطبيعة من بوابة الصحراء، حتى صارت الرمال أقرب إلى عسته وقلبه من أي عنصر آخر في الطبيعة.  تفرَّعَت جذور ذلك الارتباط لتمتد من فضاءات الصحراء المترامية إلى هيبة الجبال في دولة الإمارات. وهنالك وُلِدَت فكرة مشروعه الفوتوغرافي "من الرمل إلى الصخر" (Sand to Rock).. في زمن الجائحة. كان سايتو قبل ذلك قد غاص عميقًا في عوالم الصحراء من خلال مشروعه السابق "الصحراء العربية" (Arabian Desert)، لكنه شعر بأن شيئًا ما ينقص تلك الرحلة: الجبال.. ذلك الوجه الآخر الطاغي للطبيعة في الإمارات. ولمّا كانت "صخرة الأحفور" هي التشكيل الجيولوجي الوحيد الحاضر في ذلك المشروع، قرر مصورنا الانتقال "من الرمل إلى الصخر"، لينقل إلينا حوارًا خفيًا بين عوالم متناقضة ومتكاملة في الآن ذاته: بين الرمل والصخر؛ الضوء والظلّ؛ السهول والمنحدرات؛ الانفصال والوصال. يقول: "أدعوكم إلى رحلة تتبدّل الملامح فيها فتتشكّل تفاصيلٌ دقيقة بريشة الريح، وتسمو القمم الشاهقة لترسم لنا مشاهد مذهلة عند حدود اللقاء بين السماء والأرض". "من الرمل إلى الصخر" ليس مشروعًا للتوعية البيئية المباشرة، لكنه -فضلًا عن كونه نافذًة تتيحُ تأمّل الجمال الخالص- بمنزلة "تذكرة لِأُولي النُّهى والأبصار بأن اللحظات التي يرونها اليوم -وأصوّرها أنا- قد لا تتكرّر أبدًا على الهيئة نفسها"، يقول سايتو. بهذا المعنى، يصبح المشروع أشبه بلقطة زمنية مؤقتة، حيث تُبرز الصحراء مفاتنها الخفية بين الرمل والحجر.. مفاتن في حالة تغيّر مستمر تدعو الناظر لاقتناص نظرات إليها قبل أن تَسْتَتر أو تتلاشى كما يتلاشى الزمن في عالمنا.

مـن الرمل إلـى الصخـر

مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.

عند التجوال في فضاءات الصحراء الشاسعة بدولة الإمارات العربية المتحدة، تجد نفسك لدى تضاريس ترسم ملامح الفراغ في حضرة صمت مطلق يناديك همسُه للتوغل في إيقاعاته العميقة التي تُعزَف في تناغم تام مع رقصات الضوء الطبيعي وهو يرسم خيالاته على لوحات رملية بديعة.  ذلك تمامًا ما يسعى إليه المصور الفوتوغرافي "توماس سايتو" حين يتسلح بكاميرته ويركب سيارته "الجِيب" ليمخر بها عباب البيداء بحثًا عن صيد فوتوغرافي نفيس. بدأ رحلاته الاستكشافية تلك من دبي -حيث طاب له المقام منذ عام -2012 في مناطق من قبيل "القُدرة" و"المدام"، ومن ثم وسّع نطاقه تدريجيًا حتى وصل إلى صحراء "ليوا" في أبوظبي، حيث صقل مهاراته في القيادة على تضاريس أصعب وأوعر. كل رحلة لديه هي لقاءٌ حميمٌ مع المكان، حيث يصير الزمن والصمت والضوء رفقاء دربه في مسيرة إبداع من وحي لحظات لا تتكرّر. وهكذا نشأت علاقته الوطيدة بالطبيعة من بوابة الصحراء، حتى صارت الرمال أقرب إلى عسته وقلبه من أي عنصر آخر في الطبيعة.  تفرَّعَت جذور ذلك الارتباط لتمتد من فضاءات الصحراء المترامية إلى هيبة الجبال في دولة الإمارات. وهنالك وُلِدَت فكرة مشروعه الفوتوغرافي "من الرمل إلى الصخر" (Sand to Rock).. في زمن الجائحة. كان سايتو قبل ذلك قد غاص عميقًا في عوالم الصحراء من خلال مشروعه السابق "الصحراء العربية" (Arabian Desert)، لكنه شعر بأن شيئًا ما ينقص تلك الرحلة: الجبال.. ذلك الوجه الآخر الطاغي للطبيعة في الإمارات. ولمّا كانت "صخرة الأحفور" هي التشكيل الجيولوجي الوحيد الحاضر في ذلك المشروع، قرر مصورنا الانتقال "من الرمل إلى الصخر"، لينقل إلينا حوارًا خفيًا بين عوالم متناقضة ومتكاملة في الآن ذاته: بين الرمل والصخر؛ الضوء والظلّ؛ السهول والمنحدرات؛ الانفصال والوصال. يقول: "أدعوكم إلى رحلة تتبدّل الملامح فيها فتتشكّل تفاصيلٌ دقيقة بريشة الريح، وتسمو القمم الشاهقة لترسم لنا مشاهد مذهلة عند حدود اللقاء بين السماء والأرض". "من الرمل إلى الصخر" ليس مشروعًا للتوعية البيئية المباشرة، لكنه -فضلًا عن كونه نافذًة تتيحُ تأمّل الجمال الخالص- بمنزلة "تذكرة لِأُولي النُّهى والأبصار بأن اللحظات التي يرونها اليوم -وأصوّرها أنا- قد لا تتكرّر أبدًا على الهيئة نفسها"، يقول سايتو. بهذا المعنى، يصبح المشروع أشبه بلقطة زمنية مؤقتة، حيث تُبرز الصحراء مفاتنها الخفية بين الرمل والحجر.. مفاتن في حالة تغيّر مستمر تدعو الناظر لاقتناص نظرات إليها قبل أن تَسْتَتر أو تتلاشى كما يتلاشى الزمن في عالمنا.