تجنب أطعمة بعينها قد يسبب حساسية جديدة!

"الحمية الإقصائية" شائعة للتعامل مع حالات مرضية مزمنة مثل القولون العصبي، لكن الخبراء ينبهون بأنها قد تأتي بنتائج عكسية

الحمية الإقصائية باتت شائعة في كل مكان — من الآباء الذين يحاولون السيطرة على الإكزيما لدى أطفالهم، إلى المؤثرين الذين يستبعدون الغلوتين ومنتجات الألبان سعيًا وراء ما يسمّى بـ "حمية نظيفة".

لكن الأبحاث تشير إلى أن إزالة أطعمة معينة من النظام الغذائي يمكن أن تغيّر بشكل خفي طريقة استجابة جهاز المناعة عند إعادة تناولها، وقد تؤدي في بعض الأشخاص، خصوصًا المصابين بحالات مثل الإكزيما أو من لديهم تاريخ سابق مع الحساسية الغذائية، إلى فقدان التحمل المناعي. هذا الفقدان قد يثير ردود فعل خطيرة عند إعادة إدخال الطعام — تصل أحياناً إلى تفاعلات تحسسية تهدد الحياة.

لكن بالنسبة لجهاز المناعة، فإن التعرض المنتظم لبروتينات الطعام يساعد في الحفاظ على حالة "التحمّل" — وهي حالة يمكن أن تتعطل إذا غابت تلك الأطعمة عن المائدة لفترة طويلة. وفهم كيفية حدوث هذا التحوّل وأسبابه أمر أساسي لمعرفة متى تكون الحمية الإقصائية مفيدة، ومتى قد تشكل خطراً.

 

علم "التحمّل الفموي" والحساسية الغذائية
يقول براين فيكري، رئيس قسم أمراض الحساسية والمناعة ومدير برنامج الحساسية الغذائية في "مستشفى الأطفال بهيئة الرعاية الصحية في أتلانتا" التابعة لجامعة إيموري: "الأمعاء تؤدي مهمة صعبة، إذ يجب عليها التعرّف والتعامل مع وابل مستمر من المحفزات البيئية، التي قد تكون ضارة أو نافعة".

فالجهاز الهضمي، الذي يحتوي على أكبر عدد من الخلايا اللمفاوية المناعية في الجسم، يتعامل سنويًا مع تريليونات من الميكروبات وأكثر من 30 كيلوجرامًا من بروتينات الطعام. ومع ذلك، يتمكّن من صدّ الغزاة الضارين، وفي الوقت نفسه تجاهل الأطعمة غير المؤذية والبكتيريا الصديقة.

ويعتمد هذا التوازن على "التحمّل الفموي"، وهو عملية يتم فيها تثبيط الاستجابات المناعية تجاه بروتينات الطعام المبتلَعة، ما يمنع حدوث تفاعلات ضارة مثل الحساسية الغذائية. ورغم أن الآليات المناعية الدقيقة ليست مفهومة بالكامل بعد، فإن أحدث الدراسات تشير إلى أن العملية تبدأ بخلايا متخصصة تلتقط بروتينات الطعام في الأمعاء، ثم تُرسل إشارة لخلايا "تائية" مجاورة لخفض رد الفعل المناعي. هذه الإشارة تؤدي إلى تكوين خلايا تائية منظمة متخصصة، تكبح الاستجابة المناعية تجاه بروتينات الطعام.

يقول مايكل بيستينر، مدير برنامج التوعية والوقاية من الحساسية الغذائية في "مستشفى ماس جنرال للأطفال": "الأمعاء مهمة في التأسيس الأولي للتحمّل، وإذا لم يكن الشخص مصابًا بالحساسية، فإن التعرض المبكر للأطعمة قد يساعد في تعزيز التحمل وحماية الرضّع من الإصابة بالحساسية الغذائية".

ولا يقتصر هذا الأثر الوقائي على الطفولة، إذ إن التعرض المنتظم والمستمر للأطعمة يساعد على الحفاظ على التحمّل الفموي مدى الحياة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة على مرضى الحساسية الذين خضعوا للعلاج المناعي الفموي — حيث تُعطى كميات متزايدة تدريجيًا من الطعام المسبب للحساسية — أن الاستمرار في تناول ذلك الطعام غالبًا ما يكون ضروريًا للحفاظ على حالة إزالة التحسس. وعلى العكس، تشير الأدلة إلى أن الحميات الإقصائية لدى بعض الأشخاص قد تزعزع هذا التحمّل وتشجع جهاز المناعة على تطوير الحساسية.

 

متى تزيد الحمية الإقصائية من خطر الحساسية؟
بالنسبة لآباء الأطفال المصابين بالإكزيما، غالبًا ما يُشتبه في أن أطعمة معينة تؤدي إلى تفاقم الأعراض، فيلجؤون إلى الحمية الإقصائية على أمل تحديد السبب. لكن الأبحاث كشفت عن خطر خفي. فقد درست آن ماري سينغ، أستاذة ورئيسة قسم أمراض الحساسية والمناعة والروماتيزم في جامعة ويسكونسن–ماديسون، وفريقها نحو 300 طفل مصاب بالإكزيما ويتبعون حمية إقصائية. تقول سينغ: "وجدنا أنه عند إزالة طعام من النظام الغذائي، ثم إعادة إدخاله، ارتفع خطر حدوث ردود فعل تحسسية بشكل ملحوظ، بما في ذلك ردود فعل فورية شديدة محتملة الخطورة".

وكانت النتائج لافتة: قرابة واحد من كل خمسة أطفال أصيبوا بردود فعل تحسسية فورية جديدة عند إعادة إدخال الأطعمة المستبعدة، رغم عدم وجود تاريخ سابق لمثل هذه الاستجابات لديهم. معظمها كان خفيفًا، لكن نحو 30٪ من هذه التفاعلات كانت شديدة وصُنفت على أنها صدمة تأقية.

ولا يقتصر الخطر على الأطفال؛ ففي دراسة منفصلة شملت 30 بالغًا أصيبوا بحساسية تجاه أطعمة كانوا يتحملونها سابقًا، تبيّن أن 70٪ منهم كانوا قد اتبعوا حميات إقصائية قبل ذلك، وأصيب نصفهم بالتأق، في حين كان لدى الغالبية العظمى (80٪) حالات تحسسية سابقة مثل حساسية البيئة أو الربو أو الإكزيما. أما الأشخاص الذين لا يملكون تاريخًا مع الحساسية، فيبدو أن الخطر لديهم أقل بكثير.

 

ما الذي يجب معرفته قبل البدء في الحمية الإقصائية؟
إذا كنت تفكّر في اتباع حمية إقصائية، فيؤكد الخبراء أن النهج الأكثر أمانًا يعتمد على مستوى خطرك الشخصي. فإذا كنت ضمن الفئة عالية الخطورة (الأطفال أو أي شخص لديه حالات تحسسية مسبقة)، فيجب استشارة مختص رعاية صحية قبل البدء.

تقول سينغ: "كلما كان الشخص أكثر عرضة للحساسية، كانت الحمية الإقصائية أكثر احتمالًا لأن تكون مشكلة".

ويضيف بيستينر: "بالنسبة للرُضع المصابين بالإكزيما، يمكن أن تكون الحمية الإقصائية ضارة، خاصة في هذه المرحلة المهمة من التعرض المبكر للأطعمة". كما يوصي الخبراء بأن تتم متابعة الأطفال الخاضعين لحمية إقصائية طبيًا لضمان كفاية التغذية ونمو صحي.

كما أن مدة الحمية مهمة؛ فالفترة الأقصر تقلل من خطر فقدان التحمّل الفموي. وتشير سينغ إلى أن "أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الإقصاء تكفي لمعرفة ما إذا كان هناك تحسّن، وهي فترة قصيرة بما لا يكفي لزيادة خطر الحساسية عند إعادة التجربة".

وفي بعض الحالات، لا يكون من الضروري الاستبعاد الكامل للطعام؛ فإذا كانت الأعراض خفيفة، قد يساعد الإبقاء على كميات صغيرة يمكن تحمّلها في النظام الغذائي على الحفاظ على التحمّل الفموي مع تخفيف الانزعاج في الوقت ذاته.

تجنب أطعمة بعينها قد يسبب حساسية جديدة!

"الحمية الإقصائية" شائعة للتعامل مع حالات مرضية مزمنة مثل القولون العصبي، لكن الخبراء ينبهون بأنها قد تأتي بنتائج عكسية

الحمية الإقصائية باتت شائعة في كل مكان — من الآباء الذين يحاولون السيطرة على الإكزيما لدى أطفالهم، إلى المؤثرين الذين يستبعدون الغلوتين ومنتجات الألبان سعيًا وراء ما يسمّى بـ "حمية نظيفة".

لكن الأبحاث تشير إلى أن إزالة أطعمة معينة من النظام الغذائي يمكن أن تغيّر بشكل خفي طريقة استجابة جهاز المناعة عند إعادة تناولها، وقد تؤدي في بعض الأشخاص، خصوصًا المصابين بحالات مثل الإكزيما أو من لديهم تاريخ سابق مع الحساسية الغذائية، إلى فقدان التحمل المناعي. هذا الفقدان قد يثير ردود فعل خطيرة عند إعادة إدخال الطعام — تصل أحياناً إلى تفاعلات تحسسية تهدد الحياة.

لكن بالنسبة لجهاز المناعة، فإن التعرض المنتظم لبروتينات الطعام يساعد في الحفاظ على حالة "التحمّل" — وهي حالة يمكن أن تتعطل إذا غابت تلك الأطعمة عن المائدة لفترة طويلة. وفهم كيفية حدوث هذا التحوّل وأسبابه أمر أساسي لمعرفة متى تكون الحمية الإقصائية مفيدة، ومتى قد تشكل خطراً.

 

علم "التحمّل الفموي" والحساسية الغذائية
يقول براين فيكري، رئيس قسم أمراض الحساسية والمناعة ومدير برنامج الحساسية الغذائية في "مستشفى الأطفال بهيئة الرعاية الصحية في أتلانتا" التابعة لجامعة إيموري: "الأمعاء تؤدي مهمة صعبة، إذ يجب عليها التعرّف والتعامل مع وابل مستمر من المحفزات البيئية، التي قد تكون ضارة أو نافعة".

فالجهاز الهضمي، الذي يحتوي على أكبر عدد من الخلايا اللمفاوية المناعية في الجسم، يتعامل سنويًا مع تريليونات من الميكروبات وأكثر من 30 كيلوجرامًا من بروتينات الطعام. ومع ذلك، يتمكّن من صدّ الغزاة الضارين، وفي الوقت نفسه تجاهل الأطعمة غير المؤذية والبكتيريا الصديقة.

ويعتمد هذا التوازن على "التحمّل الفموي"، وهو عملية يتم فيها تثبيط الاستجابات المناعية تجاه بروتينات الطعام المبتلَعة، ما يمنع حدوث تفاعلات ضارة مثل الحساسية الغذائية. ورغم أن الآليات المناعية الدقيقة ليست مفهومة بالكامل بعد، فإن أحدث الدراسات تشير إلى أن العملية تبدأ بخلايا متخصصة تلتقط بروتينات الطعام في الأمعاء، ثم تُرسل إشارة لخلايا "تائية" مجاورة لخفض رد الفعل المناعي. هذه الإشارة تؤدي إلى تكوين خلايا تائية منظمة متخصصة، تكبح الاستجابة المناعية تجاه بروتينات الطعام.

يقول مايكل بيستينر، مدير برنامج التوعية والوقاية من الحساسية الغذائية في "مستشفى ماس جنرال للأطفال": "الأمعاء مهمة في التأسيس الأولي للتحمّل، وإذا لم يكن الشخص مصابًا بالحساسية، فإن التعرض المبكر للأطعمة قد يساعد في تعزيز التحمل وحماية الرضّع من الإصابة بالحساسية الغذائية".

ولا يقتصر هذا الأثر الوقائي على الطفولة، إذ إن التعرض المنتظم والمستمر للأطعمة يساعد على الحفاظ على التحمّل الفموي مدى الحياة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة على مرضى الحساسية الذين خضعوا للعلاج المناعي الفموي — حيث تُعطى كميات متزايدة تدريجيًا من الطعام المسبب للحساسية — أن الاستمرار في تناول ذلك الطعام غالبًا ما يكون ضروريًا للحفاظ على حالة إزالة التحسس. وعلى العكس، تشير الأدلة إلى أن الحميات الإقصائية لدى بعض الأشخاص قد تزعزع هذا التحمّل وتشجع جهاز المناعة على تطوير الحساسية.

 

متى تزيد الحمية الإقصائية من خطر الحساسية؟
بالنسبة لآباء الأطفال المصابين بالإكزيما، غالبًا ما يُشتبه في أن أطعمة معينة تؤدي إلى تفاقم الأعراض، فيلجؤون إلى الحمية الإقصائية على أمل تحديد السبب. لكن الأبحاث كشفت عن خطر خفي. فقد درست آن ماري سينغ، أستاذة ورئيسة قسم أمراض الحساسية والمناعة والروماتيزم في جامعة ويسكونسن–ماديسون، وفريقها نحو 300 طفل مصاب بالإكزيما ويتبعون حمية إقصائية. تقول سينغ: "وجدنا أنه عند إزالة طعام من النظام الغذائي، ثم إعادة إدخاله، ارتفع خطر حدوث ردود فعل تحسسية بشكل ملحوظ، بما في ذلك ردود فعل فورية شديدة محتملة الخطورة".

وكانت النتائج لافتة: قرابة واحد من كل خمسة أطفال أصيبوا بردود فعل تحسسية فورية جديدة عند إعادة إدخال الأطعمة المستبعدة، رغم عدم وجود تاريخ سابق لمثل هذه الاستجابات لديهم. معظمها كان خفيفًا، لكن نحو 30٪ من هذه التفاعلات كانت شديدة وصُنفت على أنها صدمة تأقية.

ولا يقتصر الخطر على الأطفال؛ ففي دراسة منفصلة شملت 30 بالغًا أصيبوا بحساسية تجاه أطعمة كانوا يتحملونها سابقًا، تبيّن أن 70٪ منهم كانوا قد اتبعوا حميات إقصائية قبل ذلك، وأصيب نصفهم بالتأق، في حين كان لدى الغالبية العظمى (80٪) حالات تحسسية سابقة مثل حساسية البيئة أو الربو أو الإكزيما. أما الأشخاص الذين لا يملكون تاريخًا مع الحساسية، فيبدو أن الخطر لديهم أقل بكثير.

 

ما الذي يجب معرفته قبل البدء في الحمية الإقصائية؟
إذا كنت تفكّر في اتباع حمية إقصائية، فيؤكد الخبراء أن النهج الأكثر أمانًا يعتمد على مستوى خطرك الشخصي. فإذا كنت ضمن الفئة عالية الخطورة (الأطفال أو أي شخص لديه حالات تحسسية مسبقة)، فيجب استشارة مختص رعاية صحية قبل البدء.

تقول سينغ: "كلما كان الشخص أكثر عرضة للحساسية، كانت الحمية الإقصائية أكثر احتمالًا لأن تكون مشكلة".

ويضيف بيستينر: "بالنسبة للرُضع المصابين بالإكزيما، يمكن أن تكون الحمية الإقصائية ضارة، خاصة في هذه المرحلة المهمة من التعرض المبكر للأطعمة". كما يوصي الخبراء بأن تتم متابعة الأطفال الخاضعين لحمية إقصائية طبيًا لضمان كفاية التغذية ونمو صحي.

كما أن مدة الحمية مهمة؛ فالفترة الأقصر تقلل من خطر فقدان التحمّل الفموي. وتشير سينغ إلى أن "أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الإقصاء تكفي لمعرفة ما إذا كان هناك تحسّن، وهي فترة قصيرة بما لا يكفي لزيادة خطر الحساسية عند إعادة التجربة".

وفي بعض الحالات، لا يكون من الضروري الاستبعاد الكامل للطعام؛ فإذا كانت الأعراض خفيفة، قد يساعد الإبقاء على كميات صغيرة يمكن تحمّلها في النظام الغذائي على الحفاظ على التحمّل الفموي مع تخفيف الانزعاج في الوقت ذاته.