لهذا.. كان لا بد من تـدميــر الســـدود

كان المرض يستحكم بالنهر الذي تعده قبيلتي موطنًا لها في شمال غرب المحيط الهادي، وشارفت أسماك السلمون فيه على الهلاك. لذا انطلقنا لإنقاذهما معًا.

كنتُ محظوظةً لأنني نشأت في عائلة تقليدية من قبيلة "كاروك"، حيث كانت أنشطة صيد السمك بالشباك، وإقامة طقوس التجديد، والفعاليات الثقافية حول النار تُنظم في أجواء احتفالية اختيرت لتتلاءم مع الدورات السنوية لعالَم الطبيعة. عندما كبرتُ قليلًا، كان والدي يعود بسيارة قديمة ذات لون صدئ إلى منزلنا من مصائد السمك بالشباك في "شلالات إيشي بيشي" بشمال ولاية كاليفورنيا، وكان صندوق السيارة مليئًا بأسماك السلمون اللامعة التي نسميها "آما". وقد كنا نبقى مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل لتجهيز تلك الأسماك وتعليق شرائحها في المَدخن، وطرد الدببة. ولأننا ننتمي لشعب "كاروك فاراراس"، فنحن شعب سمك السلمون. نحن شعب النهر. نحن شعب إصلاح العالم. لقد تعلمنا أن علاقتنا بهذه الأسماك متبادلة وأنه طالما كان هناك صياد "كاروك آرار" واحد، فسيستمر السلمون في رحلته إلى نهرنا ليوفر لنا حاجتنا.
في عام 2000، كنت في الثامنة عشرة من عمري وكنت أعمل حينها في أول وظيفة لي مع "هيئة الموارد الطبيعية" لشعب كاروك. في ذلك العام، وبينما كنا نشاهد "نهر كلايماث" وهو يزداد كثافة لا تخطئها العين بسبب الطحالب السامة ذات اللون الأخضر الفاقع، أعلنت شركة الطاقة "باسيفيكورب" التي يقع مقرها في الشمال الغربي، أنها ستسعى للحصول على ترخيص آخر مدة 50 عامًا لتشغيل سدودها الكهرومائية في منبع النهر. شُيدت السدود الأربعة في القرن العشرين لتوليد الطاقة الكهرومائية، من دون تفكير مسبق كاف -حسب اعتقادي- في عواقب ذلك على المدى الطويل. ولم يتطلب الأمر منا الإلمام بالعلوم المعاصرة لكي ندرك أن مشكلتنا تنبع من السدود. فقد كانت خزّاناتها تنضح بلون المياه الضارة ذاته. في العام التالي، إذْ تأثر "حوض نهر كلايماث" بحالة جفاف شديد، بدأت القبائل في المطالبة باتخاذ إجراءات فدرالية لإنقاذ النهر. وكان "مكتب الاستصلاح"، الذي يشرف على تدبير المياه ونُظم الطاقة الكهرومائية في غرب الولايات المتحدة، يُحول بانتظام اتجاه المياه الآتية من المنبع عن السدود للري من خلال "مشروع كلايماث". ولكن في ذلك العام، قرر مكتب الاستصلاح تقليص إمدادات المياه إلى حد كبير لحماية الأسماك المهددة بالانقراض في النهر. ومع استمرار الجفاف، تمكّن المزارعون ومُربّو الماشية من الضغط على إدارة الرئيس "بوش" لإلغاء قرار المكتب. في ذلك الحين، استأجرنا حافلات وحملنا على متنها أناسًا من مجتمعاتنا النهرية للوقوف والاحتجاج ضد إعادة فتح بوابات الري. ولكننا لم نكن نعرف في ذلك الوقت أننا كنا نعدّ أنفسنا لعقود من الإجراءات المباشرة التي ستلي تلك الأحداث. كان صيف عام 2002 حارقًا من شدة الحر. ورغم أننا كنا نرى ضفاف النهر وهي تتعفن ونشم رائحة السموم في المياه، إلا أن أسماكنا عادت كما كانت تفعل منذ ملايين السنين، يائسةً من الوصول إلى موطنها الأصلي. وفي سبتمبر من ذلك العام، عانينا أعظم كارثة حلت بمصائد الأسماك في ذاكرة مجتمعاتنا الجماعية. فقد اصطف ما لا يقل عن 34 ألف سمكة سلمون بالغة نافقة ومتحللة على ضفتي نهر كلايماث، بعد أن قتلتها الأمراض التي سببتها المياه الدافئة وانخفاض مستويات تدفق النهر. وإنْ تسأل الناس عن ذكرى نفوق الأسماك في عام 2002، فإن إجابة أغلبيتهم الساحقة ستكون.. الرائحة الكريهة. لقد حطمتنا الصدمة؛ ولكنها أيضًا حفزتنا على الفعل. كانت "لجنة تنظيم الطاقة الفدرالية" مسؤولة عن اتخاذ القرار بشأن بقاء السدود من عدمه بعد انتهاء مدتها أو ترخيصها الأولي. وفي ظل مراجعة وضع سدود كلايماث، كانت هذه اللجنة تتمتع بالسلطة اللازمة لإخلاء هذا الممر المائي من السدود. وعندما شرعت اللجنة في عقد جلسات استماع عامة في المجتمعات النهرية، حضرنا بأعداد كبيرة للإدلاء بشهاداتنا. كنت أتحدث بحرقة من كل قلبي وأنا أحمل طفلي الرضيع، فيما جلست مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين تعلوهم أمارات الملل من دون أن يُظهروا أي مشاعر تُذكر. كان قرارهم حينها إبقاء السدود، وإعطاء الأولوية للرأسمالية على حساب ثقافتنا، ولم يتمكنوا حتى من مواجهتي والنظر في عيني.

لهذا.. كان لا بد من تـدميــر الســـدود

كان المرض يستحكم بالنهر الذي تعده قبيلتي موطنًا لها في شمال غرب المحيط الهادي، وشارفت أسماك السلمون فيه على الهلاك. لذا انطلقنا لإنقاذهما معًا.

كنتُ محظوظةً لأنني نشأت في عائلة تقليدية من قبيلة "كاروك"، حيث كانت أنشطة صيد السمك بالشباك، وإقامة طقوس التجديد، والفعاليات الثقافية حول النار تُنظم في أجواء احتفالية اختيرت لتتلاءم مع الدورات السنوية لعالَم الطبيعة. عندما كبرتُ قليلًا، كان والدي يعود بسيارة قديمة ذات لون صدئ إلى منزلنا من مصائد السمك بالشباك في "شلالات إيشي بيشي" بشمال ولاية كاليفورنيا، وكان صندوق السيارة مليئًا بأسماك السلمون اللامعة التي نسميها "آما". وقد كنا نبقى مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل لتجهيز تلك الأسماك وتعليق شرائحها في المَدخن، وطرد الدببة. ولأننا ننتمي لشعب "كاروك فاراراس"، فنحن شعب سمك السلمون. نحن شعب النهر. نحن شعب إصلاح العالم. لقد تعلمنا أن علاقتنا بهذه الأسماك متبادلة وأنه طالما كان هناك صياد "كاروك آرار" واحد، فسيستمر السلمون في رحلته إلى نهرنا ليوفر لنا حاجتنا.
في عام 2000، كنت في الثامنة عشرة من عمري وكنت أعمل حينها في أول وظيفة لي مع "هيئة الموارد الطبيعية" لشعب كاروك. في ذلك العام، وبينما كنا نشاهد "نهر كلايماث" وهو يزداد كثافة لا تخطئها العين بسبب الطحالب السامة ذات اللون الأخضر الفاقع، أعلنت شركة الطاقة "باسيفيكورب" التي يقع مقرها في الشمال الغربي، أنها ستسعى للحصول على ترخيص آخر مدة 50 عامًا لتشغيل سدودها الكهرومائية في منبع النهر. شُيدت السدود الأربعة في القرن العشرين لتوليد الطاقة الكهرومائية، من دون تفكير مسبق كاف -حسب اعتقادي- في عواقب ذلك على المدى الطويل. ولم يتطلب الأمر منا الإلمام بالعلوم المعاصرة لكي ندرك أن مشكلتنا تنبع من السدود. فقد كانت خزّاناتها تنضح بلون المياه الضارة ذاته. في العام التالي، إذْ تأثر "حوض نهر كلايماث" بحالة جفاف شديد، بدأت القبائل في المطالبة باتخاذ إجراءات فدرالية لإنقاذ النهر. وكان "مكتب الاستصلاح"، الذي يشرف على تدبير المياه ونُظم الطاقة الكهرومائية في غرب الولايات المتحدة، يُحول بانتظام اتجاه المياه الآتية من المنبع عن السدود للري من خلال "مشروع كلايماث". ولكن في ذلك العام، قرر مكتب الاستصلاح تقليص إمدادات المياه إلى حد كبير لحماية الأسماك المهددة بالانقراض في النهر. ومع استمرار الجفاف، تمكّن المزارعون ومُربّو الماشية من الضغط على إدارة الرئيس "بوش" لإلغاء قرار المكتب. في ذلك الحين، استأجرنا حافلات وحملنا على متنها أناسًا من مجتمعاتنا النهرية للوقوف والاحتجاج ضد إعادة فتح بوابات الري. ولكننا لم نكن نعرف في ذلك الوقت أننا كنا نعدّ أنفسنا لعقود من الإجراءات المباشرة التي ستلي تلك الأحداث. كان صيف عام 2002 حارقًا من شدة الحر. ورغم أننا كنا نرى ضفاف النهر وهي تتعفن ونشم رائحة السموم في المياه، إلا أن أسماكنا عادت كما كانت تفعل منذ ملايين السنين، يائسةً من الوصول إلى موطنها الأصلي. وفي سبتمبر من ذلك العام، عانينا أعظم كارثة حلت بمصائد الأسماك في ذاكرة مجتمعاتنا الجماعية. فقد اصطف ما لا يقل عن 34 ألف سمكة سلمون بالغة نافقة ومتحللة على ضفتي نهر كلايماث، بعد أن قتلتها الأمراض التي سببتها المياه الدافئة وانخفاض مستويات تدفق النهر. وإنْ تسأل الناس عن ذكرى نفوق الأسماك في عام 2002، فإن إجابة أغلبيتهم الساحقة ستكون.. الرائحة الكريهة. لقد حطمتنا الصدمة؛ ولكنها أيضًا حفزتنا على الفعل. كانت "لجنة تنظيم الطاقة الفدرالية" مسؤولة عن اتخاذ القرار بشأن بقاء السدود من عدمه بعد انتهاء مدتها أو ترخيصها الأولي. وفي ظل مراجعة وضع سدود كلايماث، كانت هذه اللجنة تتمتع بالسلطة اللازمة لإخلاء هذا الممر المائي من السدود. وعندما شرعت اللجنة في عقد جلسات استماع عامة في المجتمعات النهرية، حضرنا بأعداد كبيرة للإدلاء بشهاداتنا. كنت أتحدث بحرقة من كل قلبي وأنا أحمل طفلي الرضيع، فيما جلست مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين تعلوهم أمارات الملل من دون أن يُظهروا أي مشاعر تُذكر. كان قرارهم حينها إبقاء السدود، وإعطاء الأولوية للرأسمالية على حساب ثقافتنا، ولم يتمكنوا حتى من مواجهتي والنظر في عيني.