بحر آرال: من رابع أكبر بحيرة في العالم إلى صحراء قاحلة

بدأت مياه بحر آرال بالجفاف قبل 60 سنة مخلفةً وراءها صحراء مُجدِبة. ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة البيئية، وكيف نتجنب وقوعها في أجزاء أخرى من العالم؟

بقلم: ديانا كروزمان

أصبحت قرية "كاروزياك" غرب أوزبكستان مكانًا مغبرًا. تحيط المنطقة مناظر طبيعية قاحلة من الأعشاب الجافة والتربة ذات القشرة المالحة، مما يصعب تصديق أن هذه القرية كانت ذات يوم على طول ضفاف نهر متدفق، على بعد 30 ميلًا من شاطئ رابع أكبر بحيرة في العالم. على مدى السنوات الخمسين الماضية، جفت أغلب مياه بحر الآرال، في حدث جلل كان يُطلَق عليه "أسوأ كارثة بيئية في العالم"، وأصبح بعدها من الصعب زراعة أغلب المحصولات في كاروزياك، باستثناء الأتريبلكس أو شجيرة الملح. في قطعة أرض تبلغ مساحتها 3.5 هكتار بالقرب من القرية، يزرع فريق من الباحثين اليابانيين نباتًا محبًا للملح، معروف علميًا باسم النباتات الملحية، لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يكون محصولًا صالحًا للمزارعين في المنطقة أو حتى الإسهام في إنشاء مجال لتجارة منتجات الألبان، ووجدوا أنه يساعد على الاحتفاظ بالرطوبة النادرة في التربة العطشى، ويمكن زراعته دون استخدام الأسمدة على نطاق واسع. تقول "كريستينا تودريش"، خبيرة النباتات الملحية من جامعة توتوري في اليابان: "هذا النبات لا يحتاج إلى الماء. في الحقيقة لا يحتاج إلى أي شيء". إن تودريش هي أحد الباحثين الرئيسيين في مبادرة يابانية للمساعدات الخارجية والتعاون العلمي تسمى SATREPS. يجمع الباحثون البيانات المناخية وصور الأقمار الصناعية في الوقت الفعلي لفهم ظروف منطقة بحر الآرال فهمًا أفضل من حيث: مقدار المياه المتبقية، ومدى سرعة اختفائها، ونوع المحاصيل التي تُزرَع هناك. وبناءً على النتائج، يصوغ العلماء نموذجًا للزراعة المستدامة في المنطقة، ويوصون المزارعين بتبني طرق ري جديدة وزراعة محاصيل أكثر تحملًا للملوحة والجفاف. يهدف هذا المشروع إلى تنشيط المنطقة التي دمرتها الزراعة المكثفة. فهذه التغيرات البيئية ليست فريدة من نوعها بالنسبة لبحر الآرال. قد حذرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر من أن مساحة من الأرض بحجم آسيا الوسطى قد تدهورت بسبب الجفاف والتملح والإفراط في استخدامها منذ عام 2015. ومن خلال معرفة المحاصيل التي يمكن أن تنمو في بحر الآرال، يمكن أن يوفر نظام SATREPS حلولاً لأجزاء أخرى من العالم تواجه مشكلات مماثلة، بداية من حوض بحيرة تشاد في غرب أفريقيا ووصولًا إلى بحيرة الملح الكبرى في ولاية يوتا.

ما سبب جفاف بحر الآرال؟
قام المسؤولون السوفييت في بداية الستينيات بتحويل مسار الأنهار المتدفقة إلى بحر الآرال لإنتاج القطن في الحقول المجاورة. وبدون الأنهار التي تغذي البحر بانتظام، بدأت البحيرة الكبيرة في التبخر، وانخفضت مستويات المياه فيها، وترك البحر المنحسر وراءه تربة مالحة بصورة متزايدة، حيث لم تتمكن المحاصيل العادية من النمو فيها. واليوم، تستمر زراعة القطن في منطقة قاحلة تتلقى في المتوسط أربع بوصات فقط من الأمطار سنويًا. إن تغير المناخ يجعل إجراء هذه التكيفات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وقد ارتفع متوسط درجات الحرارة في حوض آرال بنحو 3.6 درجة فهرنهايت منذ عام 1968. وأثر تقلص بحر الآرال نفسه على المناخ؛ فمع اختفاء الماء، أصبح الهواء أكثر جفافًا وفقد تأثير التبريد الذي تمنحه إياه البحيرة القريبة، مما أدى إلى سلسلة من ردود الأفعال المناخية التي جعلت الطقس أكثر سخونة وجفافًا. 

التكيف مع المستقبل
قام "معهد كاراكالباك للزراعة والتكنولوجيا الزراعية"، أحد شركاء SATREPS، باختبار طرق الري المختلفة، مثل: أنظمة التنقيط التي توصل المياه إلى نباتات معينة، لمعرفة أي التقنيات تستخدم المياه بصورة أكثر كفاءة. وبدأت حكومة أوزبكستان إستراتيجية لزراعة نبات الساكسول، وهو نبات ملحي موطنه المنطقة، في قاع البحيرة الجاف للحفاظ على التربة ومكافحة العواصف الترابية والملحية. لكن الباحثون يحذرون من فكرة إمكانية "إنقاذ" بحر الآرال أو إعادته إلى حالته السابقة. وعوضًا من ذلك، يركز العلماء على إيجاد أشكال جديدة من الزراعة والصناعات التي يمكن أن تساعد المجتمعات المحلية على التكيف مع التغيرات التي حدثت، فضلا عن تلك التي ستحدث في المستقبل.

بحر آرال: من رابع أكبر بحيرة في العالم إلى صحراء قاحلة

بدأت مياه بحر آرال بالجفاف قبل 60 سنة مخلفةً وراءها صحراء مُجدِبة. ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة البيئية، وكيف نتجنب وقوعها في أجزاء أخرى من العالم؟

بقلم: ديانا كروزمان

أصبحت قرية "كاروزياك" غرب أوزبكستان مكانًا مغبرًا. تحيط المنطقة مناظر طبيعية قاحلة من الأعشاب الجافة والتربة ذات القشرة المالحة، مما يصعب تصديق أن هذه القرية كانت ذات يوم على طول ضفاف نهر متدفق، على بعد 30 ميلًا من شاطئ رابع أكبر بحيرة في العالم. على مدى السنوات الخمسين الماضية، جفت أغلب مياه بحر الآرال، في حدث جلل كان يُطلَق عليه "أسوأ كارثة بيئية في العالم"، وأصبح بعدها من الصعب زراعة أغلب المحصولات في كاروزياك، باستثناء الأتريبلكس أو شجيرة الملح. في قطعة أرض تبلغ مساحتها 3.5 هكتار بالقرب من القرية، يزرع فريق من الباحثين اليابانيين نباتًا محبًا للملح، معروف علميًا باسم النباتات الملحية، لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يكون محصولًا صالحًا للمزارعين في المنطقة أو حتى الإسهام في إنشاء مجال لتجارة منتجات الألبان، ووجدوا أنه يساعد على الاحتفاظ بالرطوبة النادرة في التربة العطشى، ويمكن زراعته دون استخدام الأسمدة على نطاق واسع. تقول "كريستينا تودريش"، خبيرة النباتات الملحية من جامعة توتوري في اليابان: "هذا النبات لا يحتاج إلى الماء. في الحقيقة لا يحتاج إلى أي شيء". إن تودريش هي أحد الباحثين الرئيسيين في مبادرة يابانية للمساعدات الخارجية والتعاون العلمي تسمى SATREPS. يجمع الباحثون البيانات المناخية وصور الأقمار الصناعية في الوقت الفعلي لفهم ظروف منطقة بحر الآرال فهمًا أفضل من حيث: مقدار المياه المتبقية، ومدى سرعة اختفائها، ونوع المحاصيل التي تُزرَع هناك. وبناءً على النتائج، يصوغ العلماء نموذجًا للزراعة المستدامة في المنطقة، ويوصون المزارعين بتبني طرق ري جديدة وزراعة محاصيل أكثر تحملًا للملوحة والجفاف. يهدف هذا المشروع إلى تنشيط المنطقة التي دمرتها الزراعة المكثفة. فهذه التغيرات البيئية ليست فريدة من نوعها بالنسبة لبحر الآرال. قد حذرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر من أن مساحة من الأرض بحجم آسيا الوسطى قد تدهورت بسبب الجفاف والتملح والإفراط في استخدامها منذ عام 2015. ومن خلال معرفة المحاصيل التي يمكن أن تنمو في بحر الآرال، يمكن أن يوفر نظام SATREPS حلولاً لأجزاء أخرى من العالم تواجه مشكلات مماثلة، بداية من حوض بحيرة تشاد في غرب أفريقيا ووصولًا إلى بحيرة الملح الكبرى في ولاية يوتا.

ما سبب جفاف بحر الآرال؟
قام المسؤولون السوفييت في بداية الستينيات بتحويل مسار الأنهار المتدفقة إلى بحر الآرال لإنتاج القطن في الحقول المجاورة. وبدون الأنهار التي تغذي البحر بانتظام، بدأت البحيرة الكبيرة في التبخر، وانخفضت مستويات المياه فيها، وترك البحر المنحسر وراءه تربة مالحة بصورة متزايدة، حيث لم تتمكن المحاصيل العادية من النمو فيها. واليوم، تستمر زراعة القطن في منطقة قاحلة تتلقى في المتوسط أربع بوصات فقط من الأمطار سنويًا. إن تغير المناخ يجعل إجراء هذه التكيفات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وقد ارتفع متوسط درجات الحرارة في حوض آرال بنحو 3.6 درجة فهرنهايت منذ عام 1968. وأثر تقلص بحر الآرال نفسه على المناخ؛ فمع اختفاء الماء، أصبح الهواء أكثر جفافًا وفقد تأثير التبريد الذي تمنحه إياه البحيرة القريبة، مما أدى إلى سلسلة من ردود الأفعال المناخية التي جعلت الطقس أكثر سخونة وجفافًا. 

التكيف مع المستقبل
قام "معهد كاراكالباك للزراعة والتكنولوجيا الزراعية"، أحد شركاء SATREPS، باختبار طرق الري المختلفة، مثل: أنظمة التنقيط التي توصل المياه إلى نباتات معينة، لمعرفة أي التقنيات تستخدم المياه بصورة أكثر كفاءة. وبدأت حكومة أوزبكستان إستراتيجية لزراعة نبات الساكسول، وهو نبات ملحي موطنه المنطقة، في قاع البحيرة الجاف للحفاظ على التربة ومكافحة العواصف الترابية والملحية. لكن الباحثون يحذرون من فكرة إمكانية "إنقاذ" بحر الآرال أو إعادته إلى حالته السابقة. وعوضًا من ذلك، يركز العلماء على إيجاد أشكال جديدة من الزراعة والصناعات التي يمكن أن تساعد المجتمعات المحلية على التكيف مع التغيرات التي حدثت، فضلا عن تلك التي ستحدث في المستقبل.