هكذا يزداد تسلقٌ عسير عُسرًا على عُسر
قبل وقت ليس بالبعيد، اعتاد أعظم متسلقي الجبال في العالم شق طريقهم إلى قمم المنحدرات المذهلة بعيدًا عن الأضواء نسبيًا. لكن اثنين من أفضل ممارسي هذه الرياضة غيّرا ذلك كله. فعلى مرّ العقد الماضي، نجح "تومي كالدويل" و"أليكس هونولد" في تحقيق سلسلة من الإنجازات الرائدة في مجال التسلق، وأدّيا دور البطولة في أفلام وثائقية لاقت نجاحًا كبيرًا، ودفعا برياضة التسلق نحو أضواء المجال العام؛ وكل ذلك حوّل الرجلين إلى شخصيتين مشهورتين عالميًا. جاءت انطلاقة كالدويل في عام 2015، عندما أَتمَّ هو وشريكه ما كان يُعد آنذاك أصعب مَهمة تسلق في العالم، وهي رحلة صعود دامت 19 يومًا عبر مسار "دونْ وول" في مرتفعات "يوسيميتي". وبعد عامين، أدخل هونولد مصطلح "التسلق المنفرد الحر" إلى قاموس التسلق العام عندما صعد إلى قمة صخرة "إل كابيتان" ذات اللون البني، والأشهر في "منتزه يوسيميتي"، من دون حبال، وهي المَهمة التي وُثقت في فيلم حاز "جائزة الأوسكار". وعلى ولع كالدويل وهونولد بمجال التسلق والتزامهما به، إلا أنهما أصبحا على نحو متزايد صوتًا مسموعًا يتحدث [ويدافع] عن القضايا البيئية. ولذلك تعاونا في الصيف الماضي لتجربة مغامرة جديدة. إذ أصبح كالدويل مهتمًا بمبدأ "التوجيه البيئي" (Ecopointing)، وهو مصطلح يروج له بعض المتسلقين الأوروبيين لوصف مغامرة تعتمد على الطاقة البشرية البحتة والتي لا ينتج عنها أي انبعاثات يكون مَصدرها الوقود الأحفوري. وهي الرحلة الرفيقة بالبيئة في أقصى تجلياتها كما كان يتصورها كالدويل. كان هدف الثنائي تسلق قمم مرتفعات "ديفيلز ثامب" (وتعني إبهام الشيطان) وهي كتلة مرتفعات منعزلة في ألاسكا يبلغ ارتفاعها 2700 متر ويعدّها كثيرون عصية على كل محاولات التسلق. ولإضفاء بُعد ملحمي أكبر على المَهمة، انطلق الصديقان على الدراجات الهوائية من منزل كالدويل بولاية كولورادو الأميركية، ورسما لنفسيهما مسارًا يبلغ طوله 4200 كيلومتر ويمر ببعض من أروع المشاهد الطبيعية في أميركا الشمالية. وقد تضمنت الرحلة التي تلت ذلك المسار، الإبحار بقارب شراعي ومراكب كاياك بحرية وقوارب قابلة للنفخ بالإضافة إلى رحلة مشي على الأقدام عبر الغابات المطرية البِكر، فضلًا عن مهمة تسلق عالمية المستوى. فيلم "ذا ديفيلز كلايم" (The Devil’s Climb) هو وثائقي جديد من إنتاج ناشيونال جيوغرافيك يُبث على منصة "ديزني بلس" وتروي أحداثه تفاصيل رحلة هذين المغامرين. وقد تحدث الكاتب "مارك سينوت"، وهو دليل جبلي محترف، إلى كالدويل، الذي يبلغ من العمر 46 عامًا، وهونولد، ذي الـ39 عامًا، بشأن ما واجهانه على طول مسارهما، من قبِيل التحديات الخفية لنهج "التوجيه البيئي"، وكيف يوازنان بين المخاطر التي يواجهان ومسؤوليتهما بصفتهما أبوين لأطفال صغار؛ وما يجب الالتزام به من قواعد عند التقاط صور خطيرة على قمة لا تتجاوز مساحتها حجم علبة بيتزا. وقد خضع نص هذه المحادثة لتعديلات من أجل الاختصار والوضوح.
مارك سينوت: من أين جاءت فكرة هذه الرحلة؟
تومي كالدويل: لطالما أردت القيام برحلة طويلة على الدراجة، وكان من المفترض أن أخوض مغامرة هائلة لأنني لم أفعل ذلك قَط خلال فترة "كوفيد". لكن الأهم، هو أنني رأيت في تلك الرحلة فرصة للتوعية بشأن "غابة تونغاس الوطنية". وهذه الأخيرة تغطي تقريبًا كامل منطقة بانهاندل بولاية ألاسكا الأميركية، وهي أكبر غابة مطرية معتدلة في العالم؛ ولطالما حاولت إيجاد سُبل لجعل حمايتها قضيةً تحظى بأهمية أكبر. عرفت عن قمة "ديفيلز ثامب" من خلال رواية "جون كراكوير" عن محاولة تسلقها، كما استلهمت أيضًا رحلة الطريق إلى باتاغونيا التي خاضها "دوغلاس تومبكينز" و"يوفون تشوينارد" في ذلك الزمن. في الأصل، كنت أرغب بركوب دراجتي إلى ألاسكا وحيدًا، ولكن بعد ذلك أدركت أنه سيكون من الممتع أكثر القيام بذلك مع صديق، لذلك اتصلت بأليكس. في البداية، رفض.
أليكس هونولد: لكي أكون واضحًا، قلت لا، لأن فكرة تومي الأصلية تضمنت التجذيف بالكاياك في البحر على طول ساحل ألاسكا بالكامل. وكانت رحلة على مرّ شهرين ونصف الشهر، وهي مدة طويلة جدًا بعيدًا عن عائلتي. في البداية، كنت أفكر بالانضمام إلى بعض مراحل تسلق الجبال على طول الطريق، لكن بدا من السخف أن أفوّت الهدف الرئيس للرحلة. لقد خُضت غمار مغامرات عديدة رائعة على الدراجة، ولطالما شعرت أنها طريقة رائعة ليغمر المرءُ نفسَه في المناظر الطبيعية. لذلك كنت نوعًا ما متفائلًا بأن تلك المغامرة ستُمثل ما يشبه التحول الشخصي أو شيئًا من هذا القبيل.
سينوت: هل تحقق ذلك في النهاية؟
هونولد: ليس حقًا. كانت مغامرة لا تصدق، وقمنا بكثير من مهام التسلق الرائعة. لكن بصراحة، كان ركوب الدراجات عبر الغرب أشبه بمهمة شاقة، وما رأيته في الطريق جعلني حزينًا نوعًا ما. لقد تمكنا من رؤية التأثير البشري في الطبيعة بطريقة لم أشهدها من قبل. لقد ركبنا الدراجات على امتداد أكثر من 3800 كيلومتر، وكانت الأماكن الوحيدة التي شعرت أنها طليقة غير محدودة هي المنتزهات الوطنية. كل شيء آخر بدا وكأنه تعرض للقطع أو التعدين أو عمليات الاستخراج بطريقة ما. والكثير من المجتمعات التي سافرنا عبرها بالدراجات لم تبدُ عليها علامات الازدهار. يتوسع حجم المدن عند قطع كل الأشجار؛ لكن بعد أن تُقطع جميع الأشجار، ينهار المكان.
كالدويل: إن مشاهدة كل هذا التأثير البشري -ولعل هذا هو سبب قيامنا بالرحلة في المقام الأول- كان تأكيدًا على مقدار ما دمرناه بالفعل [من العالم]. وقد أظهر ذلك حقًا مدى أهمية منتزهاتنا الوطنية لأنها كانت الأماكن الوحيدة التي ظلت على حالتها البكر تمامًا.
هونولد: لقد ذهبت إلى الرحلة من دون معرفة حقيقية بالمناطق الداخلية لكولومبيا البريطانية، وافترضت أنه كلما اتجهنا شمالًا، سيكون هناك المزيد والمزيد من الغابات البرية البكر. اتضح أن كل الأشجار كانت قد قُطعت تمامًا على مرّ المئة عام الماضية. بالتأكيد، هناك صفوف صغيرة من الأشجار على طول الطريق، وعندما تمر في سيارة بسرعة 120 كيلومترًا في الساعة، فذلك كل ما تراه. ولكن عندما تركب الدراجة، يكون لديك الوقت الكافي لرؤية ما وراء هذا الصف من الأشجار؛ فيبدو الأمر وكأنك تقول: "يا إلهي، لا توجد أشجار هناك". لأننا متسلقو جبال، نُمضي وقتًا كثيرًا في الطبيعة البرية، وعلى قمم الجبال، وفي أكثر الأماكن النائية والغامضة؛ لذلك كنت أتصور -خطأً- أن الطبيعة البِكر متوافرة بكثرة من حولنا. لذا أعتقد أن النتيجة هي أن الأماكن الوحيدة على وجه الأرض التي لم تتأثر كثيرًا بالإنسان هي تلك التي يصعب بلوغها أو تلك التي ليس لها أي قيمة اقتصادية.
هكذا يزداد تسلقٌ عسير عُسرًا على عُسر
قبل وقت ليس بالبعيد، اعتاد أعظم متسلقي الجبال في العالم شق طريقهم إلى قمم المنحدرات المذهلة بعيدًا عن الأضواء نسبيًا. لكن اثنين من أفضل ممارسي هذه الرياضة غيّرا ذلك كله. فعلى مرّ العقد الماضي، نجح "تومي كالدويل" و"أليكس هونولد" في تحقيق سلسلة من الإنجازات الرائدة في مجال التسلق، وأدّيا دور البطولة في أفلام وثائقية لاقت نجاحًا كبيرًا، ودفعا برياضة التسلق نحو أضواء المجال العام؛ وكل ذلك حوّل الرجلين إلى شخصيتين مشهورتين عالميًا. جاءت انطلاقة كالدويل في عام 2015، عندما أَتمَّ هو وشريكه ما كان يُعد آنذاك أصعب مَهمة تسلق في العالم، وهي رحلة صعود دامت 19 يومًا عبر مسار "دونْ وول" في مرتفعات "يوسيميتي". وبعد عامين، أدخل هونولد مصطلح "التسلق المنفرد الحر" إلى قاموس التسلق العام عندما صعد إلى قمة صخرة "إل كابيتان" ذات اللون البني، والأشهر في "منتزه يوسيميتي"، من دون حبال، وهي المَهمة التي وُثقت في فيلم حاز "جائزة الأوسكار". وعلى ولع كالدويل وهونولد بمجال التسلق والتزامهما به، إلا أنهما أصبحا على نحو متزايد صوتًا مسموعًا يتحدث [ويدافع] عن القضايا البيئية. ولذلك تعاونا في الصيف الماضي لتجربة مغامرة جديدة. إذ أصبح كالدويل مهتمًا بمبدأ "التوجيه البيئي" (Ecopointing)، وهو مصطلح يروج له بعض المتسلقين الأوروبيين لوصف مغامرة تعتمد على الطاقة البشرية البحتة والتي لا ينتج عنها أي انبعاثات يكون مَصدرها الوقود الأحفوري. وهي الرحلة الرفيقة بالبيئة في أقصى تجلياتها كما كان يتصورها كالدويل. كان هدف الثنائي تسلق قمم مرتفعات "ديفيلز ثامب" (وتعني إبهام الشيطان) وهي كتلة مرتفعات منعزلة في ألاسكا يبلغ ارتفاعها 2700 متر ويعدّها كثيرون عصية على كل محاولات التسلق. ولإضفاء بُعد ملحمي أكبر على المَهمة، انطلق الصديقان على الدراجات الهوائية من منزل كالدويل بولاية كولورادو الأميركية، ورسما لنفسيهما مسارًا يبلغ طوله 4200 كيلومتر ويمر ببعض من أروع المشاهد الطبيعية في أميركا الشمالية. وقد تضمنت الرحلة التي تلت ذلك المسار، الإبحار بقارب شراعي ومراكب كاياك بحرية وقوارب قابلة للنفخ بالإضافة إلى رحلة مشي على الأقدام عبر الغابات المطرية البِكر، فضلًا عن مهمة تسلق عالمية المستوى. فيلم "ذا ديفيلز كلايم" (The Devil’s Climb) هو وثائقي جديد من إنتاج ناشيونال جيوغرافيك يُبث على منصة "ديزني بلس" وتروي أحداثه تفاصيل رحلة هذين المغامرين. وقد تحدث الكاتب "مارك سينوت"، وهو دليل جبلي محترف، إلى كالدويل، الذي يبلغ من العمر 46 عامًا، وهونولد، ذي الـ39 عامًا، بشأن ما واجهانه على طول مسارهما، من قبِيل التحديات الخفية لنهج "التوجيه البيئي"، وكيف يوازنان بين المخاطر التي يواجهان ومسؤوليتهما بصفتهما أبوين لأطفال صغار؛ وما يجب الالتزام به من قواعد عند التقاط صور خطيرة على قمة لا تتجاوز مساحتها حجم علبة بيتزا. وقد خضع نص هذه المحادثة لتعديلات من أجل الاختصار والوضوح.
مارك سينوت: من أين جاءت فكرة هذه الرحلة؟
تومي كالدويل: لطالما أردت القيام برحلة طويلة على الدراجة، وكان من المفترض أن أخوض مغامرة هائلة لأنني لم أفعل ذلك قَط خلال فترة "كوفيد". لكن الأهم، هو أنني رأيت في تلك الرحلة فرصة للتوعية بشأن "غابة تونغاس الوطنية". وهذه الأخيرة تغطي تقريبًا كامل منطقة بانهاندل بولاية ألاسكا الأميركية، وهي أكبر غابة مطرية معتدلة في العالم؛ ولطالما حاولت إيجاد سُبل لجعل حمايتها قضيةً تحظى بأهمية أكبر. عرفت عن قمة "ديفيلز ثامب" من خلال رواية "جون كراكوير" عن محاولة تسلقها، كما استلهمت أيضًا رحلة الطريق إلى باتاغونيا التي خاضها "دوغلاس تومبكينز" و"يوفون تشوينارد" في ذلك الزمن. في الأصل، كنت أرغب بركوب دراجتي إلى ألاسكا وحيدًا، ولكن بعد ذلك أدركت أنه سيكون من الممتع أكثر القيام بذلك مع صديق، لذلك اتصلت بأليكس. في البداية، رفض.
أليكس هونولد: لكي أكون واضحًا، قلت لا، لأن فكرة تومي الأصلية تضمنت التجذيف بالكاياك في البحر على طول ساحل ألاسكا بالكامل. وكانت رحلة على مرّ شهرين ونصف الشهر، وهي مدة طويلة جدًا بعيدًا عن عائلتي. في البداية، كنت أفكر بالانضمام إلى بعض مراحل تسلق الجبال على طول الطريق، لكن بدا من السخف أن أفوّت الهدف الرئيس للرحلة. لقد خُضت غمار مغامرات عديدة رائعة على الدراجة، ولطالما شعرت أنها طريقة رائعة ليغمر المرءُ نفسَه في المناظر الطبيعية. لذلك كنت نوعًا ما متفائلًا بأن تلك المغامرة ستُمثل ما يشبه التحول الشخصي أو شيئًا من هذا القبيل.
سينوت: هل تحقق ذلك في النهاية؟
هونولد: ليس حقًا. كانت مغامرة لا تصدق، وقمنا بكثير من مهام التسلق الرائعة. لكن بصراحة، كان ركوب الدراجات عبر الغرب أشبه بمهمة شاقة، وما رأيته في الطريق جعلني حزينًا نوعًا ما. لقد تمكنا من رؤية التأثير البشري في الطبيعة بطريقة لم أشهدها من قبل. لقد ركبنا الدراجات على امتداد أكثر من 3800 كيلومتر، وكانت الأماكن الوحيدة التي شعرت أنها طليقة غير محدودة هي المنتزهات الوطنية. كل شيء آخر بدا وكأنه تعرض للقطع أو التعدين أو عمليات الاستخراج بطريقة ما. والكثير من المجتمعات التي سافرنا عبرها بالدراجات لم تبدُ عليها علامات الازدهار. يتوسع حجم المدن عند قطع كل الأشجار؛ لكن بعد أن تُقطع جميع الأشجار، ينهار المكان.
كالدويل: إن مشاهدة كل هذا التأثير البشري -ولعل هذا هو سبب قيامنا بالرحلة في المقام الأول- كان تأكيدًا على مقدار ما دمرناه بالفعل [من العالم]. وقد أظهر ذلك حقًا مدى أهمية منتزهاتنا الوطنية لأنها كانت الأماكن الوحيدة التي ظلت على حالتها البكر تمامًا.
هونولد: لقد ذهبت إلى الرحلة من دون معرفة حقيقية بالمناطق الداخلية لكولومبيا البريطانية، وافترضت أنه كلما اتجهنا شمالًا، سيكون هناك المزيد والمزيد من الغابات البرية البكر. اتضح أن كل الأشجار كانت قد قُطعت تمامًا على مرّ المئة عام الماضية. بالتأكيد، هناك صفوف صغيرة من الأشجار على طول الطريق، وعندما تمر في سيارة بسرعة 120 كيلومترًا في الساعة، فذلك كل ما تراه. ولكن عندما تركب الدراجة، يكون لديك الوقت الكافي لرؤية ما وراء هذا الصف من الأشجار؛ فيبدو الأمر وكأنك تقول: "يا إلهي، لا توجد أشجار هناك". لأننا متسلقو جبال، نُمضي وقتًا كثيرًا في الطبيعة البرية، وعلى قمم الجبال، وفي أكثر الأماكن النائية والغامضة؛ لذلك كنت أتصور -خطأً- أن الطبيعة البِكر متوافرة بكثرة من حولنا. لذا أعتقد أن النتيجة هي أن الأماكن الوحيدة على وجه الأرض التي لم تتأثر كثيرًا بالإنسان هي تلك التي يصعب بلوغها أو تلك التي ليس لها أي قيمة اقتصادية.