الذكاء الصناعي - الطبيعة

ماذا تقول الحيوانات؟ تمكن الباحثون أخيرًا من بناء الأدوات اللازمة لفهم ذلك.

في شهر مايو 2020، كانت "براتيوشا شارما" تعمل جاهدة على تحليل بيانات للتحضير لاجتماع مع مجموعتها البحثية لدى "معهد ماساتشوسيتس للتقنية"، أملًا في العثور على نمط معين. لم تكن مجموعة بيانات عادية؛ فقد تَبين استعصاء فك رموزها إذ كانت تحتوي على ساعات من أصوات الطقطقات المجلجلة التي تستخدمها حيتان العنبر للتواصل، وقد جُمعت على مرّ عقد من الزمان. وتشارك شارما في مشروع "مبادرة ترجمة الحيتان".. وهو محاولة لفهم "ما تقوله الحيتان"، على حد تعبير المجموعة. ويبدو الهدف واضحًا ولكنه صعب للغاية: فهذا المشروع يسعى إلى ترجمة طرق التواصل غير البشري. لذلك استعانت شارما مع بقية أعضاء الفريق بحليفهم من غير بني البشر، وهو برنامج ذكاء صناعي بدائي للمساعدة في تنظيم الإشارات المسموعة بطرق جديدة لاستلهام مزيد من الأفكار. ويأمل فريق هذا المشروع أنه في حال تمكن البشر من فهم ما يدور داخل عقول الحيتان (ومن ثم، عقول حيوانات أخرى) فمن الممكن أن يشكل ذلك مصدر إلهام لجهود أكبر للحفاظ على البيئة. ولدى الفريق سبب وجيه للاعتقاد بأن ذلك ممكن. فعندما اكتشف الباحثون في ستينيات القرن العشرين أن الحيتان الحدباء تغني لبعضها بعضًا، على سبيل المثال، أفضى عملهم إلى إطلاق حملة "أنقذوا الحيتان" التي حققت نجاحًا كبيرًا وسن قانون حماية الثدييات البحرية. فقد بدأت أعداد الحيتان الحدباء والرمادية تعود إلى سابق عهدها بعد أن ظلت على مرّ عقود مهددة بالانقراض. بدأت مبادرة ترجمة الحيتان مصادفةً قبل سبعة أعوام في "معهد رادكليف" لدى "جامعة هارفارد". فقد كان "ديفيد غروبر"، عالم الأحياء البحرية والمستكشف لدى ناشيونال جيوغرافيك، في مكتبه يستمع إلى تسجيلات لحيتان العنبر. وتصادف مرور عالمة الحاسوب "شافي غولدفاسر" بالمكان لتتناهى إلى سمعها أصوات الطقطقة التي أثارت فضولها؛ فجاءت إلى مكتب غروبر لتسأل عن ماهيتها. كانت الإجابة مبعثَ إلهام جديد: كان كثيرٌ من زملاء غولدفاسر يستعينون بالتعلم الآلي لمحاولة تحسين ترجمة اللغات البشرية. فلِمَ لا يطبَّق نهج مماثل على الحيتان؟ يقول غروبر إن الطقطقة تشبه -على وجه التقريب- واحدًا وصفرًا أو رمزًا ثنائيًا، وهي لغة الحاسوب الأساسية. "فإن كان المرء بصدد تحليل أغنية للحوت الأحدب مدتها 20 دقيقة وتتسم بتعقيد كبير من حيث حدة الصوت، فإن الطقطقات رائعة للغاية"، كما يقول. فمن السهل على نموذج الذكاء الصناعي استيعابها، على أمل تحليلها. تواصل غروبر مع "شين جيرو"، وهو مستكشف آخر لدى ناشيونال جيوغرافيك أمضى 13 عامًا في دراسة حيتان العنبر بجزيرة دومينيكا في البحر الكاريبي. يقول غروبر: "لقد كانت لديه قاعدة البيانات الأكثر شمولًا لأصوات الحيتان". فأجريا دراسة تجريبية لمعرفة ما إذا كان بإمكانهما تصميم برنامج مخصص للتعلم الآلي قادر على اكتشاف التسلسلات المألوفة في هذه التفاعلات، على غرار أنماط التحادث التي يمكن التعرف إليها لدى البشر. وكانت النتيجة نوعًا جديدًا من نموذج معالجة قادر على توقع ما قد تتواصل به بعض الحيتان بعد ذلك؛ إذ يقول عنه غروبر: "لقد وصلت دقته إلى 99 بالمئة في التنبؤ بالطقطقة التالية". بعد ذلك، طبق الفريق هذا النموذج على دراسة جيرو ومجموعته المتواصلة في دومينيكا، حيث كان العلماء يضعون أجهزة تتبع على الحيتان ويسجلون أصواتها وتحركاتها. وعندما صعدت أسراب الحيتان إلى السطح، كانت الطائرات المسيَّرة تراقب سلوكها. ثم عادت البيانات إلى المختبر، على أمل ربط مجموعات مختلفة من الطقطقات التي تسمى الكودات بأنماط سلوك جلية، والتي يمكن أن تكون دليلًا على أن الحيتان تصغي لبعضها بعضًا وتستجيب بالحركة. ومع حلول عام 2020، توسعت مجموعة غروبر الأولية لتشمل نحو 20 عالمًا من مؤسسات، من بينها "جامعة هارفارد" و"معهد ماساتشوسيتس للتقنية" و"جامعة أكسفورد" و"جامعة كاليفورنيا، بيركلي"، ويمثلون تخصصات متباينة: خبراء التعلم الآلي، وعلماء الأحياء البحرية، وعالم تشفير، والأهم من ذلك، عالم لغوي. وتمكنوا باستخدام الذكاء الصناعي من كشف وفهرسة آلاف الكودات المختلفة المستمدة من الآلاف من ساعات التسجيل. كانت شارما تَدرس علوم الحاسوب والذكاء الصناعي في الفصل الثاني من دراستها الجامعية لدى معهد ماساتشوسيتس، حين انضمت إلى المشروع. وكانت لديها فكرة بعينها. فمنذ أن بدأ المشروع، كان العلماء يمثلون الكودات الفردية بالطريقة نفسها: سلسلة من الشرطات التي تمثل عدد الطقطقات التي يصدرها الحوت في الثانية الواحدة. وبمساعدة زملائها في المعهد المذكور، حوّلت شارما هذه البيانات الصوتية إلى نوع جديد من العرض المرئي؛ وهو عرض يستغني عن القضبان في محور أفقي ليبدو أشبه بنوتات موسيقية أوركسترالية تُبين بوضوح كودات متعددة. وكانت الخطوط المتوازية من النقاط المتتالية تعرض الأصوات جنبًا إلى جنب. وقد كشف هذا النهج عن اختلافات دقيقة في إيقاع كل كودا، حيث يتباطأ الوقت بين الطقطقات أو يتسارع. وأطلق هؤلاء الباحثون عليها اسم "روباتو" (rubato) المستوحى من الموسيقى الكلاسيكية. وكشف أيضًا عن حالات أضافت فيها الحيتان طقطقة أخرى إلى نهاية الكودا. ويبدو أن لهذه "الزخرفة"، كما سماها الباحثون، غرضًا تواصليًا.

الذكاء الصناعي - الطبيعة

ماذا تقول الحيوانات؟ تمكن الباحثون أخيرًا من بناء الأدوات اللازمة لفهم ذلك.

في شهر مايو 2020، كانت "براتيوشا شارما" تعمل جاهدة على تحليل بيانات للتحضير لاجتماع مع مجموعتها البحثية لدى "معهد ماساتشوسيتس للتقنية"، أملًا في العثور على نمط معين. لم تكن مجموعة بيانات عادية؛ فقد تَبين استعصاء فك رموزها إذ كانت تحتوي على ساعات من أصوات الطقطقات المجلجلة التي تستخدمها حيتان العنبر للتواصل، وقد جُمعت على مرّ عقد من الزمان. وتشارك شارما في مشروع "مبادرة ترجمة الحيتان".. وهو محاولة لفهم "ما تقوله الحيتان"، على حد تعبير المجموعة. ويبدو الهدف واضحًا ولكنه صعب للغاية: فهذا المشروع يسعى إلى ترجمة طرق التواصل غير البشري. لذلك استعانت شارما مع بقية أعضاء الفريق بحليفهم من غير بني البشر، وهو برنامج ذكاء صناعي بدائي للمساعدة في تنظيم الإشارات المسموعة بطرق جديدة لاستلهام مزيد من الأفكار. ويأمل فريق هذا المشروع أنه في حال تمكن البشر من فهم ما يدور داخل عقول الحيتان (ومن ثم، عقول حيوانات أخرى) فمن الممكن أن يشكل ذلك مصدر إلهام لجهود أكبر للحفاظ على البيئة. ولدى الفريق سبب وجيه للاعتقاد بأن ذلك ممكن. فعندما اكتشف الباحثون في ستينيات القرن العشرين أن الحيتان الحدباء تغني لبعضها بعضًا، على سبيل المثال، أفضى عملهم إلى إطلاق حملة "أنقذوا الحيتان" التي حققت نجاحًا كبيرًا وسن قانون حماية الثدييات البحرية. فقد بدأت أعداد الحيتان الحدباء والرمادية تعود إلى سابق عهدها بعد أن ظلت على مرّ عقود مهددة بالانقراض. بدأت مبادرة ترجمة الحيتان مصادفةً قبل سبعة أعوام في "معهد رادكليف" لدى "جامعة هارفارد". فقد كان "ديفيد غروبر"، عالم الأحياء البحرية والمستكشف لدى ناشيونال جيوغرافيك، في مكتبه يستمع إلى تسجيلات لحيتان العنبر. وتصادف مرور عالمة الحاسوب "شافي غولدفاسر" بالمكان لتتناهى إلى سمعها أصوات الطقطقة التي أثارت فضولها؛ فجاءت إلى مكتب غروبر لتسأل عن ماهيتها. كانت الإجابة مبعثَ إلهام جديد: كان كثيرٌ من زملاء غولدفاسر يستعينون بالتعلم الآلي لمحاولة تحسين ترجمة اللغات البشرية. فلِمَ لا يطبَّق نهج مماثل على الحيتان؟ يقول غروبر إن الطقطقة تشبه -على وجه التقريب- واحدًا وصفرًا أو رمزًا ثنائيًا، وهي لغة الحاسوب الأساسية. "فإن كان المرء بصدد تحليل أغنية للحوت الأحدب مدتها 20 دقيقة وتتسم بتعقيد كبير من حيث حدة الصوت، فإن الطقطقات رائعة للغاية"، كما يقول. فمن السهل على نموذج الذكاء الصناعي استيعابها، على أمل تحليلها. تواصل غروبر مع "شين جيرو"، وهو مستكشف آخر لدى ناشيونال جيوغرافيك أمضى 13 عامًا في دراسة حيتان العنبر بجزيرة دومينيكا في البحر الكاريبي. يقول غروبر: "لقد كانت لديه قاعدة البيانات الأكثر شمولًا لأصوات الحيتان". فأجريا دراسة تجريبية لمعرفة ما إذا كان بإمكانهما تصميم برنامج مخصص للتعلم الآلي قادر على اكتشاف التسلسلات المألوفة في هذه التفاعلات، على غرار أنماط التحادث التي يمكن التعرف إليها لدى البشر. وكانت النتيجة نوعًا جديدًا من نموذج معالجة قادر على توقع ما قد تتواصل به بعض الحيتان بعد ذلك؛ إذ يقول عنه غروبر: "لقد وصلت دقته إلى 99 بالمئة في التنبؤ بالطقطقة التالية". بعد ذلك، طبق الفريق هذا النموذج على دراسة جيرو ومجموعته المتواصلة في دومينيكا، حيث كان العلماء يضعون أجهزة تتبع على الحيتان ويسجلون أصواتها وتحركاتها. وعندما صعدت أسراب الحيتان إلى السطح، كانت الطائرات المسيَّرة تراقب سلوكها. ثم عادت البيانات إلى المختبر، على أمل ربط مجموعات مختلفة من الطقطقات التي تسمى الكودات بأنماط سلوك جلية، والتي يمكن أن تكون دليلًا على أن الحيتان تصغي لبعضها بعضًا وتستجيب بالحركة. ومع حلول عام 2020، توسعت مجموعة غروبر الأولية لتشمل نحو 20 عالمًا من مؤسسات، من بينها "جامعة هارفارد" و"معهد ماساتشوسيتس للتقنية" و"جامعة أكسفورد" و"جامعة كاليفورنيا، بيركلي"، ويمثلون تخصصات متباينة: خبراء التعلم الآلي، وعلماء الأحياء البحرية، وعالم تشفير، والأهم من ذلك، عالم لغوي. وتمكنوا باستخدام الذكاء الصناعي من كشف وفهرسة آلاف الكودات المختلفة المستمدة من الآلاف من ساعات التسجيل. كانت شارما تَدرس علوم الحاسوب والذكاء الصناعي في الفصل الثاني من دراستها الجامعية لدى معهد ماساتشوسيتس، حين انضمت إلى المشروع. وكانت لديها فكرة بعينها. فمنذ أن بدأ المشروع، كان العلماء يمثلون الكودات الفردية بالطريقة نفسها: سلسلة من الشرطات التي تمثل عدد الطقطقات التي يصدرها الحوت في الثانية الواحدة. وبمساعدة زملائها في المعهد المذكور، حوّلت شارما هذه البيانات الصوتية إلى نوع جديد من العرض المرئي؛ وهو عرض يستغني عن القضبان في محور أفقي ليبدو أشبه بنوتات موسيقية أوركسترالية تُبين بوضوح كودات متعددة. وكانت الخطوط المتوازية من النقاط المتتالية تعرض الأصوات جنبًا إلى جنب. وقد كشف هذا النهج عن اختلافات دقيقة في إيقاع كل كودا، حيث يتباطأ الوقت بين الطقطقات أو يتسارع. وأطلق هؤلاء الباحثون عليها اسم "روباتو" (rubato) المستوحى من الموسيقى الكلاسيكية. وكشف أيضًا عن حالات أضافت فيها الحيتان طقطقة أخرى إلى نهاية الكودا. ويبدو أن لهذه "الزخرفة"، كما سماها الباحثون، غرضًا تواصليًا.