الذكاء الصناعي - علــم الآثــار
بينما كان طالب جامعي يدعى "لوك فاريتور" يقود سيارته في ربيع عام 2023 متجهًا إلى مكان تدريبه لدى "شركة سبيس إكس" بولاية تكساس، وجد نفسه منجذبًا إلى مدوَّنة صوتية. كان المُقدِّمون يتحدثون عن مسابقة ذات هدف جريء: قراءة لفافة مخطوطة عمرها 2000 سنة من دون فتحها. كانت المخطوطة جزءًا من مجموعة لفائف البردي المدفونة والمتفحمة بسبب ثوران بركان "جبل فيزوف" الذي أباد مدينتَي بومبي وهيركولانيوم الرومانيتين في عام 79. فإذا فُتحت هذه اللفائف باليد، فستتفتت إلى قطع ويُطمَس محتواها. ويحظى المتسابقون الذين يجدون طريقة لرؤية ما بداخل اللفائف باستخدام التعلم الآلي، بجائزة مالية تفوق قيمتها مليون دولار.
يقول فاريتور، الذي يبلغ من العمر الآن 22 عامًا: "قلت يا للهول، يجب علي أن أعمل في هذا الاتجاه. فقد كانت هناك أمور كثيرة حفزتني على القيام بذلك، وعلى رأسها احتمال اكتشاف مكتبة جديدة من العالم القديم.. وهذا اكتشاف كبير". وبينما كان فاريتور يركز على السفر إلى الفضاء في وظيفته النهارية، كان، وهو المتخصص في علوم الحاسوب، يكرس لياليه وعطلات نهاية الأسبوع لتحدي فيزوف.. في ما يشبه السفر عبر الزمن. فماذا كانت تتضمن هذه اللفافة المستخرجة من دارة في هيركولانيوم يُعتقد أنها كانت مملوكة لوالد زوجة يوليوس قيصر؟ لمعرفة ذلك، كان على المتسابقين تطوير برامجهم الخاصة التي يمكنها تفسير المسح ثلاثي الأبعاد للمخطوطة الملفوفة وتحديد معالم التغيرات المادية الدقيقة لكشف الكتابة على المادة المتفحمة. قام فاريتور في بادئ الأمر بدراسة الأشعة المقطعية للأجزاء التي كان الحبر الكربوني فيها غير واضح على ورق البردي المتفحم. وقد لاحظ منافس آخر في المسابقة، التي كافأت المشاركين بجوائز نقدية لمشاركة النتائج المبكرة، أنماط "تجزيع" تشبه الطين المجفف ولكنها قد تشير إلى وجود حبر. لذلك، درَّب فاريتور نموذجَ تعلم آلي للتركيز على النسيج المجزع. وفي وقت متأخر من إحدى ليالي السبت في "جامعة نبراسكا"، تلقى فاريتور خبرًا مفاده أن جزءًا جديدًا من اللفافة قد تم تحميله للمتسابقين. كان في إحدى الحفلات، لذا استخدم هاتفه للدخول إلى حاسوبه المكتبي وتشغيل نموذج الذكاء الصناعي الخاص به لتحليل الصورة الجديدة. وبعد بضع ساعات، تفقَّد هاتفه ورأى الحروف الإغريقية pi وomicron وrho تلمع أمامه من زمن يعود إلى آلاف السنين. يقول فاريتور: "عندما أدركتُ أنني اكتشفت بطريقة آلية ثلاثة أحرف مكتوبة جديدة من الإمبراطورية الرومانية.. كانت لحظة رائعة جدًا. أذهلني ذلك، وأذهل الجميع. أرسلت اكتشافي إلى المنظمين. وأرسلته إلى أمي". اتضح أن الحروف هي جزء من الكلمة اليونانية التي تعني "أرجواني"؛ مما يجعل فاريتور أول شخص يَلمح كلمة من هذه اللفافة منذ أن دُفنت تحت عشرات الأمتار من الحطام البركاني. كانت اللفافة واحدة من نحو ألف لفافة استُخرجت في القرن الثامن عشر بعد أن عثر حفّارو الآبار على الجوسق الذي يقع أسفل بلدة إركولانو الحالية. ويقول العلماء إن هذه المجموعة النفيسة كانت تشكل على الأرجح المكتبة اليونانية للفيلسوف والشاعر الأبيقوري "فيلودموس". لكنهم لا يستبعدون احتمال وجود مكتبة لاتينية أكبر في قسم من جوسق لم يتم التنقيب فيه بعد. وإذا أثبتت المسابقة أنه يمكن للعلماء قراءة اللفافات غير المفتوحة بأمان ويسر، فمن الممكن أن يشجع ذلك على البحث عن مزيد من المواد التاريخية. ويمكن أن تحتوي هذه المجموعة على أعمال فنية مفقودة من التاريخ والفلسفة والأدب لدى اليونانيين والرومان. يقول "غاريت ريان"، وهو مؤرخ ومدوّن صوتي يَدرس اليونان وروما القديمتين، إذا لم يُكتشَف مزيدٌ من اللفائف، "فسيظل هذا الأمر يغير فهمنا للعالم القديم". ولكن إذا عُثر على المكتبة، فسيُحدث ذلك "ثورة عميقة في الدراسات القديمة". لكن ما فائدة أي مكتبة إذا لم يكن ممكنًا قراءة محتوياتها؟ لقد أدت المحاولات المبكرة لفتح اللفافات الهشة إلى إتلاف كثير منها، ولم يتبق لعلماء البرديات سوى أجزاء صغيرة منها لتجميعها. فقد شارك "برنت سيلز"، أستاذ علوم الحاسوب لدى "جامعة كنتاكي"، في تأسيس تحدي فيزوف مع المستثمرَين في مجال التقنية، "نات فريدمان" و"دانييل غروس". وقام سيلز ومختبره بعمل أساسي في مجال الكشف عن الحبر وفك اللفائف رقميًا الذي يعتمد عليه المتسابقون. ويبدو أنهم من خلال إطلاق المسابقة أضافوا الطابع الاستعجالي والقدرات الذهنية الجماعية والدعم لهذا النوع من التحقيق التاريخي الذي لا يتلف مادة البحث. لم يكن إنجاز فاريتور "الأرجواني" سوى نقطة البداية. ولإحراز أكبر قدر ممكن من التقدم، تعاون فاريتور مع متسابقين آخرين. وقد فازوا بالجائزة الكبرى التي بلغت قيمتها 700 ألف دولار، في وقت سابق من هذا العام، لكشفهم عن 15 عمودًا من نص اللفافة، أي أكثر من 2000 رمز. وقد تجاوز ما قدموه في المسابقة بكثير هدف التحدي الأصلي المتمثل في قراءة أربعة مقاطع يتكون كل واحد منها من 140 رمزًا. وكان الثلاثة يستخدمون الذكاء الصناعي بشكل مختلف قليلًا. فقد ركّز قائد الفريق "يوسف نادر" (28 عامًا)، وهو مصري يعمل على أطروحة الدكتوراه في الذكاء الصناعي والتعلم الآلي في برلين، على تحسين عملية كشف الحبر، على غرار ما كان يقوم به فاريتور. فقام بتدريب نموذجه على الحبر الموجود على أجزاء من اللفائف التالفة بدلًا من البدء بالفحص اليدوي لأنماط التجزع. ثم طبّق النموذج على أجزاء من الأشعة المقطعية التي تُظهر البِنية الداخلية للمخطوطة المستهدفة والتي أعدّها منظمو المسابقة عن طريق وضع المخطوطة في شعاع مُسرّع الجسيمات. ومكّنت عملية نادر من الحصول على صور للرموز تتسم بدرجة عالية من الوضوح والدقة.
الذكاء الصناعي - علــم الآثــار
بينما كان طالب جامعي يدعى "لوك فاريتور" يقود سيارته في ربيع عام 2023 متجهًا إلى مكان تدريبه لدى "شركة سبيس إكس" بولاية تكساس، وجد نفسه منجذبًا إلى مدوَّنة صوتية. كان المُقدِّمون يتحدثون عن مسابقة ذات هدف جريء: قراءة لفافة مخطوطة عمرها 2000 سنة من دون فتحها. كانت المخطوطة جزءًا من مجموعة لفائف البردي المدفونة والمتفحمة بسبب ثوران بركان "جبل فيزوف" الذي أباد مدينتَي بومبي وهيركولانيوم الرومانيتين في عام 79. فإذا فُتحت هذه اللفائف باليد، فستتفتت إلى قطع ويُطمَس محتواها. ويحظى المتسابقون الذين يجدون طريقة لرؤية ما بداخل اللفائف باستخدام التعلم الآلي، بجائزة مالية تفوق قيمتها مليون دولار.
يقول فاريتور، الذي يبلغ من العمر الآن 22 عامًا: "قلت يا للهول، يجب علي أن أعمل في هذا الاتجاه. فقد كانت هناك أمور كثيرة حفزتني على القيام بذلك، وعلى رأسها احتمال اكتشاف مكتبة جديدة من العالم القديم.. وهذا اكتشاف كبير". وبينما كان فاريتور يركز على السفر إلى الفضاء في وظيفته النهارية، كان، وهو المتخصص في علوم الحاسوب، يكرس لياليه وعطلات نهاية الأسبوع لتحدي فيزوف.. في ما يشبه السفر عبر الزمن. فماذا كانت تتضمن هذه اللفافة المستخرجة من دارة في هيركولانيوم يُعتقد أنها كانت مملوكة لوالد زوجة يوليوس قيصر؟ لمعرفة ذلك، كان على المتسابقين تطوير برامجهم الخاصة التي يمكنها تفسير المسح ثلاثي الأبعاد للمخطوطة الملفوفة وتحديد معالم التغيرات المادية الدقيقة لكشف الكتابة على المادة المتفحمة. قام فاريتور في بادئ الأمر بدراسة الأشعة المقطعية للأجزاء التي كان الحبر الكربوني فيها غير واضح على ورق البردي المتفحم. وقد لاحظ منافس آخر في المسابقة، التي كافأت المشاركين بجوائز نقدية لمشاركة النتائج المبكرة، أنماط "تجزيع" تشبه الطين المجفف ولكنها قد تشير إلى وجود حبر. لذلك، درَّب فاريتور نموذجَ تعلم آلي للتركيز على النسيج المجزع. وفي وقت متأخر من إحدى ليالي السبت في "جامعة نبراسكا"، تلقى فاريتور خبرًا مفاده أن جزءًا جديدًا من اللفافة قد تم تحميله للمتسابقين. كان في إحدى الحفلات، لذا استخدم هاتفه للدخول إلى حاسوبه المكتبي وتشغيل نموذج الذكاء الصناعي الخاص به لتحليل الصورة الجديدة. وبعد بضع ساعات، تفقَّد هاتفه ورأى الحروف الإغريقية pi وomicron وrho تلمع أمامه من زمن يعود إلى آلاف السنين. يقول فاريتور: "عندما أدركتُ أنني اكتشفت بطريقة آلية ثلاثة أحرف مكتوبة جديدة من الإمبراطورية الرومانية.. كانت لحظة رائعة جدًا. أذهلني ذلك، وأذهل الجميع. أرسلت اكتشافي إلى المنظمين. وأرسلته إلى أمي". اتضح أن الحروف هي جزء من الكلمة اليونانية التي تعني "أرجواني"؛ مما يجعل فاريتور أول شخص يَلمح كلمة من هذه اللفافة منذ أن دُفنت تحت عشرات الأمتار من الحطام البركاني. كانت اللفافة واحدة من نحو ألف لفافة استُخرجت في القرن الثامن عشر بعد أن عثر حفّارو الآبار على الجوسق الذي يقع أسفل بلدة إركولانو الحالية. ويقول العلماء إن هذه المجموعة النفيسة كانت تشكل على الأرجح المكتبة اليونانية للفيلسوف والشاعر الأبيقوري "فيلودموس". لكنهم لا يستبعدون احتمال وجود مكتبة لاتينية أكبر في قسم من جوسق لم يتم التنقيب فيه بعد. وإذا أثبتت المسابقة أنه يمكن للعلماء قراءة اللفافات غير المفتوحة بأمان ويسر، فمن الممكن أن يشجع ذلك على البحث عن مزيد من المواد التاريخية. ويمكن أن تحتوي هذه المجموعة على أعمال فنية مفقودة من التاريخ والفلسفة والأدب لدى اليونانيين والرومان. يقول "غاريت ريان"، وهو مؤرخ ومدوّن صوتي يَدرس اليونان وروما القديمتين، إذا لم يُكتشَف مزيدٌ من اللفائف، "فسيظل هذا الأمر يغير فهمنا للعالم القديم". ولكن إذا عُثر على المكتبة، فسيُحدث ذلك "ثورة عميقة في الدراسات القديمة". لكن ما فائدة أي مكتبة إذا لم يكن ممكنًا قراءة محتوياتها؟ لقد أدت المحاولات المبكرة لفتح اللفافات الهشة إلى إتلاف كثير منها، ولم يتبق لعلماء البرديات سوى أجزاء صغيرة منها لتجميعها. فقد شارك "برنت سيلز"، أستاذ علوم الحاسوب لدى "جامعة كنتاكي"، في تأسيس تحدي فيزوف مع المستثمرَين في مجال التقنية، "نات فريدمان" و"دانييل غروس". وقام سيلز ومختبره بعمل أساسي في مجال الكشف عن الحبر وفك اللفائف رقميًا الذي يعتمد عليه المتسابقون. ويبدو أنهم من خلال إطلاق المسابقة أضافوا الطابع الاستعجالي والقدرات الذهنية الجماعية والدعم لهذا النوع من التحقيق التاريخي الذي لا يتلف مادة البحث. لم يكن إنجاز فاريتور "الأرجواني" سوى نقطة البداية. ولإحراز أكبر قدر ممكن من التقدم، تعاون فاريتور مع متسابقين آخرين. وقد فازوا بالجائزة الكبرى التي بلغت قيمتها 700 ألف دولار، في وقت سابق من هذا العام، لكشفهم عن 15 عمودًا من نص اللفافة، أي أكثر من 2000 رمز. وقد تجاوز ما قدموه في المسابقة بكثير هدف التحدي الأصلي المتمثل في قراءة أربعة مقاطع يتكون كل واحد منها من 140 رمزًا. وكان الثلاثة يستخدمون الذكاء الصناعي بشكل مختلف قليلًا. فقد ركّز قائد الفريق "يوسف نادر" (28 عامًا)، وهو مصري يعمل على أطروحة الدكتوراه في الذكاء الصناعي والتعلم الآلي في برلين، على تحسين عملية كشف الحبر، على غرار ما كان يقوم به فاريتور. فقام بتدريب نموذجه على الحبر الموجود على أجزاء من اللفائف التالفة بدلًا من البدء بالفحص اليدوي لأنماط التجزع. ثم طبّق النموذج على أجزاء من الأشعة المقطعية التي تُظهر البِنية الداخلية للمخطوطة المستهدفة والتي أعدّها منظمو المسابقة عن طريق وضع المخطوطة في شعاع مُسرّع الجسيمات. ومكّنت عملية نادر من الحصول على صور للرموز تتسم بدرجة عالية من الوضوح والدقة.