الذكاء الصناعي - الفضاء

لا يكتفي علماء الفلك، في خضم بحثهم عن الحياة على كواكب أخرى، بالحصول على صورة أوسع للسماء؛ بل يلقون نظرة جديدة إلى ما يُعتقَد أنهم غفلوا عنه.

سبق لِـ"حامد فاليزاديغان"، بصفته عالمًا في مجال التعلم الآلي لدى "وكالة ناسا"، أن درَّب خوارزميةً لفحص صور الأوعية الدموية في شبكيات أعين رواد الفضاء؛ مما أدى إلى تحسين الجهود المبذولة لفهم ما يلحق الرؤية من تغيرات في الجاذبية الصغرى. كان ذلك عملًا مهمًا، لكن فاليزاديغان، الذي لم يفتر عشقه منذ طفولته لسماء الليل، لم يستطع أن يتخلى عن رغبته في دراسة النجوم. "كنتُ أشاهد السماء ساعات وساعات، وأتأمل في معنى الحياة وما إذا كنا وحدنا في هذا الكون الفسيح"، يقول فاليزاديغان. لكن في زمن أبكر، بدا زملاؤه من علماء الفضاء مترددين في الاستعانة بالذكاء الصناعي بوصفه أداة لاستكشاف الكون. ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن الخوارزميات المتطورة لا تُظهر في غالب الأحيان الطرق التي تتبعها للوصول إلى الاستنتاجات. فنُظُم الذكاء الصناعي المتطورة مستوحاة من الدماغ، لذا تقوم "الخلايا العصبية" الصناعية الفردية بإجراء العمليات الحسابية ثم تمرر المعلومات إلى عُقد أخرى في الشبكة. وتَحفل النُّظم الناتجة عن ذلك بالحسابات المكثفة إلى درجة أنه قد يكون من المستحيل معرفة كيفية وصولها إلى الإجابات. فهذه الخاصية الشبيهة بتقنية الصندوق الأسود، كما يقول فاليزاديغان، كانت مُنفِّرة للعلماء الذين كانوا يعتمدون المعايير التي أثبتت فعاليتها تاريخيًا في مجال النمذجة والمحاكاة فائقة الدقة. لكن علم الفلك الحديث كان قد وصل إلى عنق الزجاجة حينها. فالتليسكوبات الموجودة في الفضاء وعلى الأرض تجمع معلومات كثيرة جدا ولا يمكن للبشر فك رموزها بسرعة، هذا إن استطاعوا فعل ذلك أصلًا. وكان يجري التخطيط لإنشاء مراصد مستقبلية من شأنها أن تُغرق هذا المجال بمزيد من المعلومات المحصَّلة من الرصد. ولنأخذ "مرصد فيرا سي روبن" في تشيلي، على سبيل المثال، الذي اقترح العلماء بناءه أول مرة في عام 2001. فابتداءً من عام 2025، سيصور السماء بأكملها كل ثلاث ليالٍ بأكبر كاميرا في العالم، بدقة 3200 ميغابِكسل. ومن المتوقع أن يحصل على بيانات عن مليون مستعر أعظم كل عام، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الكويكبات والأجرام السماوية الأخرى. فأنّى لأي عدد من العلماء البشر القدرة على دراستها كلها بمفردهم؟ في عام 2014، تعاون فاليزاديغان مع عالم الفلك "جون جينكينز"، الذي دعاه للانضمام إلى بحث عن كوكب آخر شبيه بالأرض في مجرتنا، باستخدام قدر أكبر من التقنية الآلية. وكان ذلك، المشروعَ المثالي الذي كان يحلم به فاليزاديغان. وفي ظل احتمالات وجود حياة على كواكب أخرى بأشكال غريبة مختلفة عن كوكبنا، وضع العلماء نصب أعينهم العثور على الشكل المألوف: أي عالم صخري بغلاف جوي مستقر وماء سائل يدور حول أحد النجوم. لكن اكتشاف مثل هذا الكوكب مشكلة فلكية بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الكواكب في مجرة درب التبانة يبلغ مئات المليارات.. مع وجود نسبة صغيرة منها -ولكن غير معروفة- تشبه كوكب الأرض.
وقد بدأت البشرية في هذا المسعى بداية بطيئة نسبيًا. فقد عثر علماء الفلك في عام 1995 على أول كوكب يدور حول نجم آخر غير نجمنا، ويسمى أيضًا الكوكب غير الشمسي أو الكوكب خارج المنظومة الشمسية (exoplanet). وتسارعت الجهود خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع "تليسكوب كيبلر الفضائي"، الذي كان يرصد 150 ألف نجم في بقعة صغيرة من السماء مدة تسعة أعوام، وكان يدور من حين إلى آخر لاستطلاع جزء جديد من الفضاء. أما خليفته، وهو "القمر الصناعي لاستطلاع الكواكب العابرة غير الشمسية"، فقد أُطلق إلى الفضاء في عام 2018 لرصد أجزاء أخرى من السماء، مع التركيز على نحو 200 ألف نجم يوجد على مسافة أقرب إلى الأرض. وحتى مع وجود هذه المراصد الفضائية، فإن التحقق من أن كوكبًا ما يدور حول نجم آخر يستغرق وقتًا طويلًا وينطوي على صعوبات كثيرة إذ لا تستطيع هذه التليسكوبات رؤية الكوكب نفسه كما يستطيع أي تليسكوب عادي رؤية المشتري أو زحل؛ بل إنها تؤكد وجوده بصورة غير مباشرة. ويشمل ذلك قياس ومضات غير محسوسة تقريبًا في سطوع النجم والتي يمكن أن تشير إلى وجود كوكب عابر. ويقوم علماء الفلك باستقصاء التغيرات في ضوء النجوم، المعروفة باسم المنحنيات الضوئية، لتحديد الكواكب المحتملة. ولإثبات وجود كوكب، تقيس التليسكوبات الأرضية كيفية تأرجح النجم تحت تأثير جاذبية كوكبه. وعند العثور على كوكب، يصبح فهم شكله أكثر صعوبة. لكن يمكن لعلماء الفلك وضع افتراضات بناءً على الحجم والمسافة من النجوم.

 

الذكاء الصناعي - الفضاء

لا يكتفي علماء الفلك، في خضم بحثهم عن الحياة على كواكب أخرى، بالحصول على صورة أوسع للسماء؛ بل يلقون نظرة جديدة إلى ما يُعتقَد أنهم غفلوا عنه.

سبق لِـ"حامد فاليزاديغان"، بصفته عالمًا في مجال التعلم الآلي لدى "وكالة ناسا"، أن درَّب خوارزميةً لفحص صور الأوعية الدموية في شبكيات أعين رواد الفضاء؛ مما أدى إلى تحسين الجهود المبذولة لفهم ما يلحق الرؤية من تغيرات في الجاذبية الصغرى. كان ذلك عملًا مهمًا، لكن فاليزاديغان، الذي لم يفتر عشقه منذ طفولته لسماء الليل، لم يستطع أن يتخلى عن رغبته في دراسة النجوم. "كنتُ أشاهد السماء ساعات وساعات، وأتأمل في معنى الحياة وما إذا كنا وحدنا في هذا الكون الفسيح"، يقول فاليزاديغان. لكن في زمن أبكر، بدا زملاؤه من علماء الفضاء مترددين في الاستعانة بالذكاء الصناعي بوصفه أداة لاستكشاف الكون. ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن الخوارزميات المتطورة لا تُظهر في غالب الأحيان الطرق التي تتبعها للوصول إلى الاستنتاجات. فنُظُم الذكاء الصناعي المتطورة مستوحاة من الدماغ، لذا تقوم "الخلايا العصبية" الصناعية الفردية بإجراء العمليات الحسابية ثم تمرر المعلومات إلى عُقد أخرى في الشبكة. وتَحفل النُّظم الناتجة عن ذلك بالحسابات المكثفة إلى درجة أنه قد يكون من المستحيل معرفة كيفية وصولها إلى الإجابات. فهذه الخاصية الشبيهة بتقنية الصندوق الأسود، كما يقول فاليزاديغان، كانت مُنفِّرة للعلماء الذين كانوا يعتمدون المعايير التي أثبتت فعاليتها تاريخيًا في مجال النمذجة والمحاكاة فائقة الدقة. لكن علم الفلك الحديث كان قد وصل إلى عنق الزجاجة حينها. فالتليسكوبات الموجودة في الفضاء وعلى الأرض تجمع معلومات كثيرة جدا ولا يمكن للبشر فك رموزها بسرعة، هذا إن استطاعوا فعل ذلك أصلًا. وكان يجري التخطيط لإنشاء مراصد مستقبلية من شأنها أن تُغرق هذا المجال بمزيد من المعلومات المحصَّلة من الرصد. ولنأخذ "مرصد فيرا سي روبن" في تشيلي، على سبيل المثال، الذي اقترح العلماء بناءه أول مرة في عام 2001. فابتداءً من عام 2025، سيصور السماء بأكملها كل ثلاث ليالٍ بأكبر كاميرا في العالم، بدقة 3200 ميغابِكسل. ومن المتوقع أن يحصل على بيانات عن مليون مستعر أعظم كل عام، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الكويكبات والأجرام السماوية الأخرى. فأنّى لأي عدد من العلماء البشر القدرة على دراستها كلها بمفردهم؟ في عام 2014، تعاون فاليزاديغان مع عالم الفلك "جون جينكينز"، الذي دعاه للانضمام إلى بحث عن كوكب آخر شبيه بالأرض في مجرتنا، باستخدام قدر أكبر من التقنية الآلية. وكان ذلك، المشروعَ المثالي الذي كان يحلم به فاليزاديغان. وفي ظل احتمالات وجود حياة على كواكب أخرى بأشكال غريبة مختلفة عن كوكبنا، وضع العلماء نصب أعينهم العثور على الشكل المألوف: أي عالم صخري بغلاف جوي مستقر وماء سائل يدور حول أحد النجوم. لكن اكتشاف مثل هذا الكوكب مشكلة فلكية بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الكواكب في مجرة درب التبانة يبلغ مئات المليارات.. مع وجود نسبة صغيرة منها -ولكن غير معروفة- تشبه كوكب الأرض.
وقد بدأت البشرية في هذا المسعى بداية بطيئة نسبيًا. فقد عثر علماء الفلك في عام 1995 على أول كوكب يدور حول نجم آخر غير نجمنا، ويسمى أيضًا الكوكب غير الشمسي أو الكوكب خارج المنظومة الشمسية (exoplanet). وتسارعت الجهود خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع "تليسكوب كيبلر الفضائي"، الذي كان يرصد 150 ألف نجم في بقعة صغيرة من السماء مدة تسعة أعوام، وكان يدور من حين إلى آخر لاستطلاع جزء جديد من الفضاء. أما خليفته، وهو "القمر الصناعي لاستطلاع الكواكب العابرة غير الشمسية"، فقد أُطلق إلى الفضاء في عام 2018 لرصد أجزاء أخرى من السماء، مع التركيز على نحو 200 ألف نجم يوجد على مسافة أقرب إلى الأرض. وحتى مع وجود هذه المراصد الفضائية، فإن التحقق من أن كوكبًا ما يدور حول نجم آخر يستغرق وقتًا طويلًا وينطوي على صعوبات كثيرة إذ لا تستطيع هذه التليسكوبات رؤية الكوكب نفسه كما يستطيع أي تليسكوب عادي رؤية المشتري أو زحل؛ بل إنها تؤكد وجوده بصورة غير مباشرة. ويشمل ذلك قياس ومضات غير محسوسة تقريبًا في سطوع النجم والتي يمكن أن تشير إلى وجود كوكب عابر. ويقوم علماء الفلك باستقصاء التغيرات في ضوء النجوم، المعروفة باسم المنحنيات الضوئية، لتحديد الكواكب المحتملة. ولإثبات وجود كوكب، تقيس التليسكوبات الأرضية كيفية تأرجح النجم تحت تأثير جاذبية كوكبه. وعند العثور على كوكب، يصبح فهم شكله أكثر صعوبة. لكن يمكن لعلماء الفلك وضع افتراضات بناءً على الحجم والمسافة من النجوم.