دروس وعِبَر في الغابة العائمة

عالم بيئة برازيلي يتعلم ما لا يَعلم من أهالي نهر الأمازون

سمكة عملاقة بمظهر يعود لما قبل التاريخ تُشكل نافذةً نُطل منها على طبيعة الأمازون المعقدة. ذلك ما توصلت إليه من خلال عملي وسط الأراضي الخفيضة المغمورة بالمياه في البرازيل، عند منتصف الطريق بين جبال الأنديز والبحر. أما السمكة فهي "الأربيمة" العملاقة، المعروفة أيضًا باسم "البيراروكو" نِسبةً إلى مُقابِلَي كلمَتَي "سمكة" و"حمراء" بلغة السكان الأصليين. لسمكة الأربيمة لون رمادي مخضَر، على أنّ حراشيفها الحمراء تنتشر على طول ظهرها وتصبح ساطعة جدا عند حلول موسم التزاوج، وكأنها مضاءة من الداخل. وثمة أشياء كثيرة مذهلة يمكنني أن أخبركم بها عن الأربيمة: فهي تتنفس الهواء، على سبيل المثال، ويجب أن تصعد إلى السطح بين الفينة والأخرى لتستنشق الهواء. ولها حراشيف ضخمة صلبة مثل الدِّرع؛ وجلدها الناعم يُستخدم في صنع الحقائب والأحذية باهظة الثمن؛ وشريحة واحدة منزوعة العظم منها يمكن أن تزن 68 كيلوجرامًا؛ وهي أكبر سمكة مياه عذبة ذات حراشيف في العالم. ولقد أدرجتُ ذات مرة في إحدى مقالاتي العلمية صورة لعائلة من الصيادين مع سمكة أربيمة اصطادوها، حيث كان صبي يقف عند ذيلها وآخر عند خياشيمها؛ وقد وقف تسعة أشخاص جنبًا إلى جنب على طول تلك السمكة الممدودة الوحيدة.
لو كان بإمكاني نقلك عبر منطقة الأمازون إلى المكان حيث التُقطت الصورة الموجودة على هذه الصفحة -حيث تعلمت أن أرى في قصة الأربيمة نموذج استدامة يُحتذى لحوض الأمازون- فلا بد أن تكون جولتنا على متن قارب. ففي "الفارزيا"، وهي غابات منخفضات حوض نهر الأمازون، المجاري المائية هي طرق النقل، وترفع الأمطار الموسمية مستويات السطح إلى ارتفاعات قد تكون كارثية في أماكن أخرى. ومن الأمور العادية والطبيعية أن يبلغ ارتفاع الفيضانات تسعة أمتار. ومن الطبيعي أيضا أن تختفي حدود الجداول والبحيرات تحت تلك المياه المرتفعة وتظهر مرة أخرى مع انحسارها؛ فترى الأسماك تسبح بين أغصان "السوماوما" (القابوق)، وهي الشجرة الرمزية العظيمة لحوض الأمازون، التي كانت قبل بضعة أشهر تؤوي طيورًا مغردة. تُشيَّد البيوت فوق ركائز حوالي نهر "هوروا"، أحد الروافد العديدة التي تتعرج عبر حوض النهر قبل أن تصب في نهر الأمازون. وتتنقل العوائل المحلية بقوارب غالبًا ما تكون مزوَّدة بمحركات خارجية. وتُقلّ القوارب البخارية الأكبر حجمًا البضائعَ والوقود والركاب الذين يحملون معهم أراجيح شبكية لتعليقها من الخطافات والاسترخاء عليها. أمّا قارب العمل المسمّى "هيليا"، والذي يستخدمه "معهد هوروا" للتنقل بين مواقع البحث، فهو أيضًا مكتبنا الميداني المتنقل ومطبخنا ومكان نومنا (على أراجيح شبكية أيضا). لذا، نخصص لك حيّزًا لأرجوحة شبكية، وننطلق من "كاراواري"، وهي بلدة تقع على ضفة النهر وبها مطار صغير. يستغرق الأمر على متن هيليا زُهاء ثلاثة أيام عبر نهر هوروا المتعرج، للوصول إلى موقع الرسو. ومع ذلك، فإننا ما زلنا في مرحلة العبور؛ إذ نركب زوارق التجديف الآن، ومن ثم نستمر بضع ساعات أخرى في القيادة على طول الجداول حتى نرى أول مرة المنازل الملونة والممرات الخشبية (وهذه هي القرية التي أعتقد أنني أود أن تراها أولًا)، وأخيرًا الرصيف الرئيس في مدينة ساو رايموندو. حصلت على درجة الدكتوراه في علم الأحياء من "جامعة ريو غراندي دو نورتي الفيدرالية" البرازيلية، ولكن في الفارزيا، ظلت ساو رايموندو والمجتمعات الأخرى المجاورة لها جامعتي الحقيقية. هناك قبل زمن ليس ببعيد، كانت سمكة الأربيمة في طريقها إلى الانقراض بموطنها الأصلي، مثل كثير من وحيش قمة الهرم الغذائي في العالم؛ وهي تلك الحيوانات الضخمة التي تترأس سلاسلها الغذائية. وكان سكان ضفاف هوروا (الريبايرينوس) هم من علمني طريقة نجاحهم في استعادة سمكتهم الضخمة من حافة الانقراض؛ وهو درس لكل منطقة الأمازون، حسبما أعتقد، وربما لمستقبل التنوع البيولوجي على هذا الكوكب. فنحن العاملين في مجال صون الطبيعة نعيش في أتون أسى كبير هذه الأيام؛ ولكني في محيط نهر هوروا أستطيع أن أرى بقعة ضوء لا نصادفها كثيرًا في هذه المنطقة المعرضة للخطر من العالم، وتتمثل في أُناس يدعمون الطبيعة، وتدعمهم. إنها بارقة أمل.

دروس وعِبَر في الغابة العائمة

عالم بيئة برازيلي يتعلم ما لا يَعلم من أهالي نهر الأمازون

سمكة عملاقة بمظهر يعود لما قبل التاريخ تُشكل نافذةً نُطل منها على طبيعة الأمازون المعقدة. ذلك ما توصلت إليه من خلال عملي وسط الأراضي الخفيضة المغمورة بالمياه في البرازيل، عند منتصف الطريق بين جبال الأنديز والبحر. أما السمكة فهي "الأربيمة" العملاقة، المعروفة أيضًا باسم "البيراروكو" نِسبةً إلى مُقابِلَي كلمَتَي "سمكة" و"حمراء" بلغة السكان الأصليين. لسمكة الأربيمة لون رمادي مخضَر، على أنّ حراشيفها الحمراء تنتشر على طول ظهرها وتصبح ساطعة جدا عند حلول موسم التزاوج، وكأنها مضاءة من الداخل. وثمة أشياء كثيرة مذهلة يمكنني أن أخبركم بها عن الأربيمة: فهي تتنفس الهواء، على سبيل المثال، ويجب أن تصعد إلى السطح بين الفينة والأخرى لتستنشق الهواء. ولها حراشيف ضخمة صلبة مثل الدِّرع؛ وجلدها الناعم يُستخدم في صنع الحقائب والأحذية باهظة الثمن؛ وشريحة واحدة منزوعة العظم منها يمكن أن تزن 68 كيلوجرامًا؛ وهي أكبر سمكة مياه عذبة ذات حراشيف في العالم. ولقد أدرجتُ ذات مرة في إحدى مقالاتي العلمية صورة لعائلة من الصيادين مع سمكة أربيمة اصطادوها، حيث كان صبي يقف عند ذيلها وآخر عند خياشيمها؛ وقد وقف تسعة أشخاص جنبًا إلى جنب على طول تلك السمكة الممدودة الوحيدة.
لو كان بإمكاني نقلك عبر منطقة الأمازون إلى المكان حيث التُقطت الصورة الموجودة على هذه الصفحة -حيث تعلمت أن أرى في قصة الأربيمة نموذج استدامة يُحتذى لحوض الأمازون- فلا بد أن تكون جولتنا على متن قارب. ففي "الفارزيا"، وهي غابات منخفضات حوض نهر الأمازون، المجاري المائية هي طرق النقل، وترفع الأمطار الموسمية مستويات السطح إلى ارتفاعات قد تكون كارثية في أماكن أخرى. ومن الأمور العادية والطبيعية أن يبلغ ارتفاع الفيضانات تسعة أمتار. ومن الطبيعي أيضا أن تختفي حدود الجداول والبحيرات تحت تلك المياه المرتفعة وتظهر مرة أخرى مع انحسارها؛ فترى الأسماك تسبح بين أغصان "السوماوما" (القابوق)، وهي الشجرة الرمزية العظيمة لحوض الأمازون، التي كانت قبل بضعة أشهر تؤوي طيورًا مغردة. تُشيَّد البيوت فوق ركائز حوالي نهر "هوروا"، أحد الروافد العديدة التي تتعرج عبر حوض النهر قبل أن تصب في نهر الأمازون. وتتنقل العوائل المحلية بقوارب غالبًا ما تكون مزوَّدة بمحركات خارجية. وتُقلّ القوارب البخارية الأكبر حجمًا البضائعَ والوقود والركاب الذين يحملون معهم أراجيح شبكية لتعليقها من الخطافات والاسترخاء عليها. أمّا قارب العمل المسمّى "هيليا"، والذي يستخدمه "معهد هوروا" للتنقل بين مواقع البحث، فهو أيضًا مكتبنا الميداني المتنقل ومطبخنا ومكان نومنا (على أراجيح شبكية أيضا). لذا، نخصص لك حيّزًا لأرجوحة شبكية، وننطلق من "كاراواري"، وهي بلدة تقع على ضفة النهر وبها مطار صغير. يستغرق الأمر على متن هيليا زُهاء ثلاثة أيام عبر نهر هوروا المتعرج، للوصول إلى موقع الرسو. ومع ذلك، فإننا ما زلنا في مرحلة العبور؛ إذ نركب زوارق التجديف الآن، ومن ثم نستمر بضع ساعات أخرى في القيادة على طول الجداول حتى نرى أول مرة المنازل الملونة والممرات الخشبية (وهذه هي القرية التي أعتقد أنني أود أن تراها أولًا)، وأخيرًا الرصيف الرئيس في مدينة ساو رايموندو. حصلت على درجة الدكتوراه في علم الأحياء من "جامعة ريو غراندي دو نورتي الفيدرالية" البرازيلية، ولكن في الفارزيا، ظلت ساو رايموندو والمجتمعات الأخرى المجاورة لها جامعتي الحقيقية. هناك قبل زمن ليس ببعيد، كانت سمكة الأربيمة في طريقها إلى الانقراض بموطنها الأصلي، مثل كثير من وحيش قمة الهرم الغذائي في العالم؛ وهي تلك الحيوانات الضخمة التي تترأس سلاسلها الغذائية. وكان سكان ضفاف هوروا (الريبايرينوس) هم من علمني طريقة نجاحهم في استعادة سمكتهم الضخمة من حافة الانقراض؛ وهو درس لكل منطقة الأمازون، حسبما أعتقد، وربما لمستقبل التنوع البيولوجي على هذا الكوكب. فنحن العاملين في مجال صون الطبيعة نعيش في أتون أسى كبير هذه الأيام؛ ولكني في محيط نهر هوروا أستطيع أن أرى بقعة ضوء لا نصادفها كثيرًا في هذه المنطقة المعرضة للخطر من العالم، وتتمثل في أُناس يدعمون الطبيعة، وتدعمهم. إنها بارقة أمل.