عوالم الفُطريات العجيبة
"آن برينغل" تتفحص أنواع فُطر في موقع ميداني ضمن "منتزه توماليس باي" بشمال سان فرنسيسكو، إذْ وجدَت نفسها في مأزق. فقد كانت محاطة بحقول من أخطر أنواع الفُطر في العالم، وهو فُطر "أمانيتا فالويديس" (Amanita phalloides)، ويُعرف باسم فطر "قُبّعة الموت". تقول برينغل عن ذلك المشهد: "لم أستطع أن أضع قدمي في أي موضع من دون أن أدوس على فُطر. كان المشهد أشبه بوادٍ قاحل تجتاحه بالكامل جحافلُ [هذه الآفة]". كان ذلك قبل 20 عامًا، عندما كانت برينغل، وهي الآن عالمة فُطريات في "جامعة ويسكونسن، ماديسون"، تُجري بحثًا لدى "جامعة كاليفورنيا، بيركلي". على الرغم من انتشار ذلك الفطر القاتل، كانت هناك شائعة مفادها أنه لم ينشأ بالأصل في "الساحل الذهبي" لولاية كاليفورنيا. وبعد ستة أعوام وكثير مِن تتبُّع تسلسل الحمض النووي، أثبتَتْ برينغل صحة تلك الشائعات؛ فلقد كان فطر قبعة الموت في أميركا الشمالية دخيلًا توسعيًا، وهو نوع يُرجَّح أن يكون موطنه الأصلي أوروبا. الآن وقد وُجد فطر قبعة الموت على بعد آلاف الكيلومترات عن نطاق وجوده الأصلي، بات هو المسبب الرئيس لجل حالات التسمم المرتبطة بتناول الفطر. إذ تشرع سمومه القوية في مهاجمة جسم الإنسان بعد أقل من ست ساعات على تناوله، مما يسبب أعراضًا تشمل الآلام في البطن والغثيان والقيء، وإذا لم تُعالَج، يمكن أن تؤدي إلى فشل الكبد المميت. وفي أغسطس 2023، توفي ثلاثة أشخاص في أستراليا بسبب تناول فطر قبعة الموت، وتم عدّهم ضحايا تسمم. يبلغ طول هذا الفطر زُهاء 12 سنتيمترًا ويتميز برأس يشبه القبعة يشوبه اللونان الأبيض والأصفر المخضر، ويمكن بسهولة الخلط بينه وبين الفطر الصالح للأكل. في كولومبيا البريطانية بكندا، توفي طفل بعد تناوله هذا الفطر القاتل في عام 2016. وفي شمال كاليفورنيا، أصيب 14 شخصًا بمرض شديد في عشر حالات منفصلة خلال أسبوع مرعب من عام 2017. على أنّ فطر قبعة الموت لم يتطور ليكون قاتلًا للبشر. فهو فُطر من الجذور الفُطرية، وينبثق من مجموعة متشابكة من الخيوط الفُطرية التي تنمو في التربة وتلتف حول جذور الأشجار؛ مما يساعد هذه الأخيرة على امتصاص العناصر الغذائية. وهذا النشاط يثير فضول العلماء وقلقهم على حدّ سواء، ومنهم برينغل، التي تقول إننا لا نعرف سوى القليل عن مملكة الفُطريات وما يحدث عندما تترابط هذه الشبكات تحت الأرض من جديد.
على مرّ القرن الماضي، أصبح عالَمنا أكثر تشابكًا وترابطًا من أي وقت مضى، وقد شرعت الفُطريات، مثل فطر قبعة الموت، في رحلات لا تُعد ولا تحصى حول العالم، متطفلة تارةً على نباتات مستوردة، أو مُحلِّقة ببساطة مئات الكيلومترات على جناح الريح. والآن يُسهم تغير المناخ في السماح لكثير من هذه الكائنات بالازدهار في النُّظم البيئية التي كانت ذات زمن مضى جافة شديدة البرودة. وإنْ كنا متّعظين مِمّا تُعلمنا إيّاه دروس التاريخ، فلربما لن نكون مستعدين لِما يخبئه لنا المستقبل.
عوالم الفُطريات العجيبة
"آن برينغل" تتفحص أنواع فُطر في موقع ميداني ضمن "منتزه توماليس باي" بشمال سان فرنسيسكو، إذْ وجدَت نفسها في مأزق. فقد كانت محاطة بحقول من أخطر أنواع الفُطر في العالم، وهو فُطر "أمانيتا فالويديس" (Amanita phalloides)، ويُعرف باسم فطر "قُبّعة الموت". تقول برينغل عن ذلك المشهد: "لم أستطع أن أضع قدمي في أي موضع من دون أن أدوس على فُطر. كان المشهد أشبه بوادٍ قاحل تجتاحه بالكامل جحافلُ [هذه الآفة]". كان ذلك قبل 20 عامًا، عندما كانت برينغل، وهي الآن عالمة فُطريات في "جامعة ويسكونسن، ماديسون"، تُجري بحثًا لدى "جامعة كاليفورنيا، بيركلي". على الرغم من انتشار ذلك الفطر القاتل، كانت هناك شائعة مفادها أنه لم ينشأ بالأصل في "الساحل الذهبي" لولاية كاليفورنيا. وبعد ستة أعوام وكثير مِن تتبُّع تسلسل الحمض النووي، أثبتَتْ برينغل صحة تلك الشائعات؛ فلقد كان فطر قبعة الموت في أميركا الشمالية دخيلًا توسعيًا، وهو نوع يُرجَّح أن يكون موطنه الأصلي أوروبا. الآن وقد وُجد فطر قبعة الموت على بعد آلاف الكيلومترات عن نطاق وجوده الأصلي، بات هو المسبب الرئيس لجل حالات التسمم المرتبطة بتناول الفطر. إذ تشرع سمومه القوية في مهاجمة جسم الإنسان بعد أقل من ست ساعات على تناوله، مما يسبب أعراضًا تشمل الآلام في البطن والغثيان والقيء، وإذا لم تُعالَج، يمكن أن تؤدي إلى فشل الكبد المميت. وفي أغسطس 2023، توفي ثلاثة أشخاص في أستراليا بسبب تناول فطر قبعة الموت، وتم عدّهم ضحايا تسمم. يبلغ طول هذا الفطر زُهاء 12 سنتيمترًا ويتميز برأس يشبه القبعة يشوبه اللونان الأبيض والأصفر المخضر، ويمكن بسهولة الخلط بينه وبين الفطر الصالح للأكل. في كولومبيا البريطانية بكندا، توفي طفل بعد تناوله هذا الفطر القاتل في عام 2016. وفي شمال كاليفورنيا، أصيب 14 شخصًا بمرض شديد في عشر حالات منفصلة خلال أسبوع مرعب من عام 2017. على أنّ فطر قبعة الموت لم يتطور ليكون قاتلًا للبشر. فهو فُطر من الجذور الفُطرية، وينبثق من مجموعة متشابكة من الخيوط الفُطرية التي تنمو في التربة وتلتف حول جذور الأشجار؛ مما يساعد هذه الأخيرة على امتصاص العناصر الغذائية. وهذا النشاط يثير فضول العلماء وقلقهم على حدّ سواء، ومنهم برينغل، التي تقول إننا لا نعرف سوى القليل عن مملكة الفُطريات وما يحدث عندما تترابط هذه الشبكات تحت الأرض من جديد.
على مرّ القرن الماضي، أصبح عالَمنا أكثر تشابكًا وترابطًا من أي وقت مضى، وقد شرعت الفُطريات، مثل فطر قبعة الموت، في رحلات لا تُعد ولا تحصى حول العالم، متطفلة تارةً على نباتات مستوردة، أو مُحلِّقة ببساطة مئات الكيلومترات على جناح الريح. والآن يُسهم تغير المناخ في السماح لكثير من هذه الكائنات بالازدهار في النُّظم البيئية التي كانت ذات زمن مضى جافة شديدة البرودة. وإنْ كنا متّعظين مِمّا تُعلمنا إيّاه دروس التاريخ، فلربما لن نكون مستعدين لِما يخبئه لنا المستقبل.