في حب الخفافيش

لها قدرة مبهرة على الطيران، ومقاومة غامضة للأمراض، وهي أساسية للنظم البيئية في جميع أنحاء العالم.. إنها الخفافيش، وإنها لَأعجوبة عِلمية.

 الخفاش بحُب جميع الناس، ولكن من يحبّونه، يحبّونه بجنون. لمّا كانت "شارون شوارتز" عالمة شابة، اهتمت بدراسة قرَدة الغيبون. لكنها كانت مفتونة بالبِنية الهيكلية الدقيقة لأجنحة الخفافيش، وبالمقايضات التطورية التي يفرضها الطيران على هذه الثدييات. لذا فقد تخلت عن بحثها بشأن الرئيسات وسافرت إلى أستراليا لدراسة الخفافيش الكبيرة المعروفة باسم "الثعالب الطائرة". وتذكرَت ذات مساء يومَ زارت ملعب غولف في الضواحي حيث شاهدت أشجارًا تغص بالخفافيش. هنالك طار أحدها، ثم تلته بضعة أخرى، ثم طارت مئات من هذه المخلوقات مع غروب الشمس حتى حلَّق "نهر من الخفافيش في السماء"، على حدّ تعبيرها. وفي الليلة التالية، قامت شوارتز، وهي الآن أستاذة علم الأحياء والهندسة في "جامعة براون"، وزميلها باحتجاز خفافيش في شباك، وأمسكَت أحدها أول مرة في حياتها. كان من نوع "الثعلب الطائر" وقد بلغ باع جناحيه زُهاء المترين. "طفق قلبي يخفق بشدة وشعرتُ كأنني لم أرَ شيئًا على هذا القدر من الجمال مِن قبْل". لكن رد الفعل الأكثر شيوعًا إزاء ذلك يكون في الغالب ارتعاشًا لا إراديًا. فلقد اقترن الخفاش منذ زمن بعيد بالظلام والشر في الثقافة الغربية، ومن الصعب تصنيفه ضمن الأسماء الشائعة؛ فهو ليس طائرًا رغم أنه مُحَلّق، وليس من القوارض رغم أنه صغير ومكسو بالفرو. وهو، في بعض أنواعه، مزعج ومفزع عند النظر إليه من كثب. وقد كتب الشاعر الأميركي "تيودور روثكي": "ثمة شيء خاطئ أو في غير محله/‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ عندما يمكن لفئران ذات أجنحة أن تتخذ وجهًا بشريًا". بعض الناس يرونه مخيفًا للغاية؛ ويشعر آخرون بالقلق بشأن الأمراض التي قد ينقل، ومنها تلك المشابهة للفيروس الذي تسبب بجائحة "كوفيد19-". ولِكي نكون منصفين، فإن الكلاب المصابة بداء الكلب تقتل من البشر عددًا أكبر بكثير مما تفعل الخفافيش، وينتقل فيروس الإنفلونزا عبر البط والخنازير، ولكن لا يثير أيٌّ من هذه الحيوانات الرهبةَ نفسها. وقد عبّر الكاتب البريطاني "دي. إتش. لورانس" عن نوع من النفور غير المبرَّر وهو يتأمل مشهد خفافيش "مُعلقة رأسًا على عقب مثل صفوف من الخرق القديمة المثيرة للاشمئزاز". ربما كان على مؤلف رواية "عشيق السيدة تشاترلي" هذا أن يكون أكثر انفتاحًا وتقبُّلًا مع هذا الكائن، ولكنه لم يكن كذلك. إذْ كتب: "في الصين، الخفاش رمز السعادة. لكن ليس بالنسبة إلي!". لكن التقدير الحقيقي الذي تحظى به الخفافيش هو بلا منازع من علماء الأحياء مثل شوارتز وزملائها. إذْ لدى كثير منهم حماسةُ مَن انتقل، في مرحلةٍ ما، من دراسة الثدييات الأخرى إلى أرض العجائب والألغاز العلمية للخفافيش، مثل طيرانها البهلواني المستحيل أو طول عمْرها المذهل، أو مقاومتها التي تُحسَد عليها لمعظم أنواع السرطان. والعلماء في جميع أنحاء العالم يبحثون في هذه الأسرار. ويأمل بعضهم تحويل الاكتشافات بشأن هذه الحيوانات إلى ما فيه نفعٌ للإنسان. وبعضهم مفتونٌ بتنوعها المذهل وتاريخها التطوري. إنهم يودّون منكم أن تَعلموا، رغم أنف الكُتاب والشعراء المتقززين، أن الخفافيش أكبر شأنًا من مجرد فئران طائرة. الخفافيش من قصص النجاح العظيمة في مجال التطور. إذ كانت أسلافها ثدييات صغيرة تمشي على أربع، وربما كانت تعيش على نظام غذائي من الحشرات، كما يفعل كثيرٌ من الخفافيش اليوم. وتبقى كيفية نجاح تلك الأسلاف في الطيران لغزًا بلا حل. فأقدم أحافير معروفة للخفافيش -والتي وُجدت في تشكيل جيولوجي بولاية وايومنغ الأميركية ويعود تاريخها إلى أكثر من 50 مليون سنة- تُظهر بالفعل الساعد والأصابع المتحولة التي تشكل السقالات للغشاء العضلي الرقيق لجناحَي الخفافيش. ومن هنا جاء الاسم اللاتيني لرتبة الخفافيش، (Chiroptera) ويعني "جناح اليد".

في حب الخفافيش

لها قدرة مبهرة على الطيران، ومقاومة غامضة للأمراض، وهي أساسية للنظم البيئية في جميع أنحاء العالم.. إنها الخفافيش، وإنها لَأعجوبة عِلمية.

 الخفاش بحُب جميع الناس، ولكن من يحبّونه، يحبّونه بجنون. لمّا كانت "شارون شوارتز" عالمة شابة، اهتمت بدراسة قرَدة الغيبون. لكنها كانت مفتونة بالبِنية الهيكلية الدقيقة لأجنحة الخفافيش، وبالمقايضات التطورية التي يفرضها الطيران على هذه الثدييات. لذا فقد تخلت عن بحثها بشأن الرئيسات وسافرت إلى أستراليا لدراسة الخفافيش الكبيرة المعروفة باسم "الثعالب الطائرة". وتذكرَت ذات مساء يومَ زارت ملعب غولف في الضواحي حيث شاهدت أشجارًا تغص بالخفافيش. هنالك طار أحدها، ثم تلته بضعة أخرى، ثم طارت مئات من هذه المخلوقات مع غروب الشمس حتى حلَّق "نهر من الخفافيش في السماء"، على حدّ تعبيرها. وفي الليلة التالية، قامت شوارتز، وهي الآن أستاذة علم الأحياء والهندسة في "جامعة براون"، وزميلها باحتجاز خفافيش في شباك، وأمسكَت أحدها أول مرة في حياتها. كان من نوع "الثعلب الطائر" وقد بلغ باع جناحيه زُهاء المترين. "طفق قلبي يخفق بشدة وشعرتُ كأنني لم أرَ شيئًا على هذا القدر من الجمال مِن قبْل". لكن رد الفعل الأكثر شيوعًا إزاء ذلك يكون في الغالب ارتعاشًا لا إراديًا. فلقد اقترن الخفاش منذ زمن بعيد بالظلام والشر في الثقافة الغربية، ومن الصعب تصنيفه ضمن الأسماء الشائعة؛ فهو ليس طائرًا رغم أنه مُحَلّق، وليس من القوارض رغم أنه صغير ومكسو بالفرو. وهو، في بعض أنواعه، مزعج ومفزع عند النظر إليه من كثب. وقد كتب الشاعر الأميركي "تيودور روثكي": "ثمة شيء خاطئ أو في غير محله/‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ عندما يمكن لفئران ذات أجنحة أن تتخذ وجهًا بشريًا". بعض الناس يرونه مخيفًا للغاية؛ ويشعر آخرون بالقلق بشأن الأمراض التي قد ينقل، ومنها تلك المشابهة للفيروس الذي تسبب بجائحة "كوفيد19-". ولِكي نكون منصفين، فإن الكلاب المصابة بداء الكلب تقتل من البشر عددًا أكبر بكثير مما تفعل الخفافيش، وينتقل فيروس الإنفلونزا عبر البط والخنازير، ولكن لا يثير أيٌّ من هذه الحيوانات الرهبةَ نفسها. وقد عبّر الكاتب البريطاني "دي. إتش. لورانس" عن نوع من النفور غير المبرَّر وهو يتأمل مشهد خفافيش "مُعلقة رأسًا على عقب مثل صفوف من الخرق القديمة المثيرة للاشمئزاز". ربما كان على مؤلف رواية "عشيق السيدة تشاترلي" هذا أن يكون أكثر انفتاحًا وتقبُّلًا مع هذا الكائن، ولكنه لم يكن كذلك. إذْ كتب: "في الصين، الخفاش رمز السعادة. لكن ليس بالنسبة إلي!". لكن التقدير الحقيقي الذي تحظى به الخفافيش هو بلا منازع من علماء الأحياء مثل شوارتز وزملائها. إذْ لدى كثير منهم حماسةُ مَن انتقل، في مرحلةٍ ما، من دراسة الثدييات الأخرى إلى أرض العجائب والألغاز العلمية للخفافيش، مثل طيرانها البهلواني المستحيل أو طول عمْرها المذهل، أو مقاومتها التي تُحسَد عليها لمعظم أنواع السرطان. والعلماء في جميع أنحاء العالم يبحثون في هذه الأسرار. ويأمل بعضهم تحويل الاكتشافات بشأن هذه الحيوانات إلى ما فيه نفعٌ للإنسان. وبعضهم مفتونٌ بتنوعها المذهل وتاريخها التطوري. إنهم يودّون منكم أن تَعلموا، رغم أنف الكُتاب والشعراء المتقززين، أن الخفافيش أكبر شأنًا من مجرد فئران طائرة. الخفافيش من قصص النجاح العظيمة في مجال التطور. إذ كانت أسلافها ثدييات صغيرة تمشي على أربع، وربما كانت تعيش على نظام غذائي من الحشرات، كما يفعل كثيرٌ من الخفافيش اليوم. وتبقى كيفية نجاح تلك الأسلاف في الطيران لغزًا بلا حل. فأقدم أحافير معروفة للخفافيش -والتي وُجدت في تشكيل جيولوجي بولاية وايومنغ الأميركية ويعود تاريخها إلى أكثر من 50 مليون سنة- تُظهر بالفعل الساعد والأصابع المتحولة التي تشكل السقالات للغشاء العضلي الرقيق لجناحَي الخفافيش. ومن هنا جاء الاسم اللاتيني لرتبة الخفافيش، (Chiroptera) ويعني "جناح اليد".