رحلة تقديس وتوقير

تُبدي لنا "إرجين خاماغانوفا"، وهي إحدى حكيمات شعب "البوريات" المنغولي، كيف تنهل منغوليا من قيم سكانها الأصليين لحماية أراضيها.

في الخريف الماضي، كان الراعي المنغولي "بازار لوسول" يقود مجموعتنا الصغيرة من كبار العشيرة عبر جبال "ألتاي". وعندما أرخت شمس الظهيرة بأشعتها المضيئة على المنحدرات الصخرية، انكشف أمامنا عالم خفي من النقوش الصخرية التي تصور الوعول والثعابين والطيور والشموس والأقمار. كانت هذه الرموز تحظى بإجلال وتبجيل من لدن الجميع؛ إذ كانوا يرونها رُسلًا تربطنا بالسماء والأرض والعالم السفلي. أذهلني الجمال المعتق لِمَا نسميه "بايان أوندور" (المرتفعات الغنية). ومع ذلك، استقر في نفسي شعور عابر بعدم الارتياح. فلقد بدا المشهد لي غير مكتمل. ثم برز لنا بازار من وراء الظلال. هنالك بدا لنا أن الأنماط المعقدة والمتلألئة في ثوب "الدِّيل" التقليدي ذي اللون الأزرق الداكن الذي يرتديه، كانت تُبرز الأنماط المنقوشة في الأحجار. في تلك اللحظة فهمت مصدر قلقي: إنه غياب البشر عن هذا المكان المقدس. وعلى خلاف وجهة النظر الغربية، التي كثيرًا ما تعمل على إبعاد الناس عن المناطق الطبيعية لأجل حمايتها، فإن تقاليدنا تعمل على تعزيز العلاقات التي تربطنا بالطبيعة. إن وقوف بازار المفعم بالإجلال والتوقير العميق لهذا المكان يجسد فلسفتنا في صون الطبيعة؛ ألا وهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها بين الإنسان والطبيعة والثقافة. ويتجلى هذا الرابط أيضًا في العمل الدؤوب لمجموعات السكان الأصليين التي جعلت مرتفعات "بايان أوندور" منطقةً مجتمعية محمية. وتظل هذه الكنوز الطبيعية بعيدة عن التلوث إلى حد كبير، بفضل تفاني هؤلاء. هذا الارتباط العميق بأرضنا يغذي جهود منغوليا التقدمية في صون الطبيعة. فقبل ثلاثة عقود، ومباشرة بعد انهيار النظام الاشتراكي، عاد البلد إلى جذوره الأصلية واعتمد خطة رائدة لحماية 30 بالمئة من أراضيه؛ في خطوة سبقت بوقت طويل إقرار "الأمم المتحدة" هدفًا مماثلًا هو "30 في أفق 30" في عام 2022، وذلك لحماية 30 بالمئة من أراضي الكوكب ومياهه في أفق عام 2030. قوى العولمة تؤثر في منغوليا، تمامًا كما غيرها من الدول؛ إذ تواجه تحديات بيئية هائلة مثل التعدين، والرعي الجائر، وفقدان الموائل. ومع ذلك، يتمتع المنغوليون بإمكانات قوية. إذ تقدم الدولة نموذجًا يحتذى من خلال تبنيها القيم التقليدية المتمثلة في المعاملة بالمثل، والاتصال الروحي، واحترام جميع أشكال الحياة..  وهي قيّم يتقاسمها السكان الأصليون بجميع أنحاء العالم.

رحلة تقديس وتوقير

تُبدي لنا "إرجين خاماغانوفا"، وهي إحدى حكيمات شعب "البوريات" المنغولي، كيف تنهل منغوليا من قيم سكانها الأصليين لحماية أراضيها.

في الخريف الماضي، كان الراعي المنغولي "بازار لوسول" يقود مجموعتنا الصغيرة من كبار العشيرة عبر جبال "ألتاي". وعندما أرخت شمس الظهيرة بأشعتها المضيئة على المنحدرات الصخرية، انكشف أمامنا عالم خفي من النقوش الصخرية التي تصور الوعول والثعابين والطيور والشموس والأقمار. كانت هذه الرموز تحظى بإجلال وتبجيل من لدن الجميع؛ إذ كانوا يرونها رُسلًا تربطنا بالسماء والأرض والعالم السفلي. أذهلني الجمال المعتق لِمَا نسميه "بايان أوندور" (المرتفعات الغنية). ومع ذلك، استقر في نفسي شعور عابر بعدم الارتياح. فلقد بدا المشهد لي غير مكتمل. ثم برز لنا بازار من وراء الظلال. هنالك بدا لنا أن الأنماط المعقدة والمتلألئة في ثوب "الدِّيل" التقليدي ذي اللون الأزرق الداكن الذي يرتديه، كانت تُبرز الأنماط المنقوشة في الأحجار. في تلك اللحظة فهمت مصدر قلقي: إنه غياب البشر عن هذا المكان المقدس. وعلى خلاف وجهة النظر الغربية، التي كثيرًا ما تعمل على إبعاد الناس عن المناطق الطبيعية لأجل حمايتها، فإن تقاليدنا تعمل على تعزيز العلاقات التي تربطنا بالطبيعة. إن وقوف بازار المفعم بالإجلال والتوقير العميق لهذا المكان يجسد فلسفتنا في صون الطبيعة؛ ألا وهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها بين الإنسان والطبيعة والثقافة. ويتجلى هذا الرابط أيضًا في العمل الدؤوب لمجموعات السكان الأصليين التي جعلت مرتفعات "بايان أوندور" منطقةً مجتمعية محمية. وتظل هذه الكنوز الطبيعية بعيدة عن التلوث إلى حد كبير، بفضل تفاني هؤلاء. هذا الارتباط العميق بأرضنا يغذي جهود منغوليا التقدمية في صون الطبيعة. فقبل ثلاثة عقود، ومباشرة بعد انهيار النظام الاشتراكي، عاد البلد إلى جذوره الأصلية واعتمد خطة رائدة لحماية 30 بالمئة من أراضيه؛ في خطوة سبقت بوقت طويل إقرار "الأمم المتحدة" هدفًا مماثلًا هو "30 في أفق 30" في عام 2022، وذلك لحماية 30 بالمئة من أراضي الكوكب ومياهه في أفق عام 2030. قوى العولمة تؤثر في منغوليا، تمامًا كما غيرها من الدول؛ إذ تواجه تحديات بيئية هائلة مثل التعدين، والرعي الجائر، وفقدان الموائل. ومع ذلك، يتمتع المنغوليون بإمكانات قوية. إذ تقدم الدولة نموذجًا يحتذى من خلال تبنيها القيم التقليدية المتمثلة في المعاملة بالمثل، والاتصال الروحي، واحترام جميع أشكال الحياة..  وهي قيّم يتقاسمها السكان الأصليون بجميع أنحاء العالم.