حيــوات تــدور فـي فلك الربيــع
دربًا صقلَته الأوراق الإبرية على مرّ أعوام وأعوام خلال غابة شوكران. لاحَ لي توهُّجٌ كما لو أن نارًا قد أُضرمت في بقعة من بساط الغابة. كان ذلك ضوء الشمس، وليس نارًا، يَسطع من فجوة بين الأشجار حيث عكسه سطحُ بِركةٌ صغيرة في الهواء. كان هذا المسطَّح المائي الضحل من الماء بِركة ربيعيةً؛ وهي ما جئت لأجله.
كان ذلك في ظهيرة يوم دافئ من أواخر فصل الربيع، وكانت مياه البِركة قد شرعت في التقلص. تعتمد البرك الربيعية بالأساس على مياه الأمطار والجريان السطحي من ثلوج مرتفعات الغابات. ليس لديها منفذ أو مصرف دائمين، وهي صغيرة الحجم، بعمق متر واحد أو نحو ذلك، وغالبًا ما تكون منتشرة على طول أرضية الغابة مثل جزر مائية تحيط بها اليابسة. ومع ارتفاع حرارة فصل الربيع وانحباس أمطاره، تَفقدُ مياهها بفعل التبخر وجذور الأشجار والشجيرات المحيطة بها. وتجف معظم البِرك بحلول أواخر الصيف. وتلكم ميزة أساسية للبركة الربيعية. إذ لا يمكن للأسماك أن تنجو من الجفاف، مما يعني أن شراغيف الضفادع ويرقات السمندل وجميع أنواع الحشرات وغيرها، تحصل على فرصة أكبر للنمو. هنا في أصقاع ولاية ماين الأميركية، بلغ مخروط جليد شاهق ذروته قبل نحو 20 ألف سنة، فشرع في الذوبان متّخذًا سبيله شرقًا ومخلِّفًا وراءه حفرًا أخدودية، وحوافًّا منحوتة، وجلاميدًا هائلة الحجم، وتجويفات من الطين والركام الجليدي. وهذه الغابة تحمل ذكريات من ذلك الجليد. فهي تموج بالجداول والمستنقعات والبحيرات، وكثير من البرك الموسمية. يبدو الأمر كما لو أن ذلك الجليد القديم قد منحنا هِبَةً من ماء. إذ تمنح هذه البرك دفقًا هائلًا من الحياة للغابة، بفضل حوافها الرخوة ونجودها التي تحوي موائل رطبة وأخرى جافة؛ وجميعها جزءٌ لا يتجزأ من منظومة واحدة. فالعلاقة بين الأشجار والبرك محبوكة بإحكام: إذ توفر الأشجار بعض الظل لمنع جفاف البركة في وقت أبكر، وتُسقِط إبَرها وأوراقَها وأغصانها في الماء لتمنح ولائمَ غنية للبكتيريا والحشرات مثل يرقات ذبابة القمص، والتي تصبح بدورها غذاءً لكائنات أخرى. وتتغذى الطيور والخفافيش التي تعيش وتعشش في الأشجار المحيطة بالبركة، على الحشرات؛ وحين تغامر البرمائيات البالغة واليافعة فتغادر البركة إلى اليابسة، يقع كثيرٌ منها فريسةً لحيوانات أخرى. وهكذا تتوالى دورة الحياة. من الماء إلى الأرض وإلى الهواء.. فإن تلك الكائنات التي تعيش في هذه الغابات تحمل في دواخلها جزءًا من هذه البِركة أو تلك. إننا نفقد المشهد الطبيعي وكائناته عندما لا نستوعب جميع الأجزاء التي تجعل منه كُلًّا، ولا نشمله بالحماية. حين تجف بِرك الربيع، فإنها قد تبدو وكأنها حفر وحل ضحلة، وحين تبلغ ذروة النشاط في الربيع ومطلع الصيف -مستوعبةً مئات الكائنات في مياهها الدافئة المتضائلة- يَمرُّ بها الأشخاص العابرون للغابة وبالكاد يلقون لها بالًا. وتخفي هذه البرك غير الجذابة كثيرًا من تلك الحياة المفعمة بالنشاط تحت أسطحها. إنها تُذَكرني بحياة الحيتان؛
حيــوات تــدور فـي فلك الربيــع
دربًا صقلَته الأوراق الإبرية على مرّ أعوام وأعوام خلال غابة شوكران. لاحَ لي توهُّجٌ كما لو أن نارًا قد أُضرمت في بقعة من بساط الغابة. كان ذلك ضوء الشمس، وليس نارًا، يَسطع من فجوة بين الأشجار حيث عكسه سطحُ بِركةٌ صغيرة في الهواء. كان هذا المسطَّح المائي الضحل من الماء بِركة ربيعيةً؛ وهي ما جئت لأجله.
كان ذلك في ظهيرة يوم دافئ من أواخر فصل الربيع، وكانت مياه البِركة قد شرعت في التقلص. تعتمد البرك الربيعية بالأساس على مياه الأمطار والجريان السطحي من ثلوج مرتفعات الغابات. ليس لديها منفذ أو مصرف دائمين، وهي صغيرة الحجم، بعمق متر واحد أو نحو ذلك، وغالبًا ما تكون منتشرة على طول أرضية الغابة مثل جزر مائية تحيط بها اليابسة. ومع ارتفاع حرارة فصل الربيع وانحباس أمطاره، تَفقدُ مياهها بفعل التبخر وجذور الأشجار والشجيرات المحيطة بها. وتجف معظم البِرك بحلول أواخر الصيف. وتلكم ميزة أساسية للبركة الربيعية. إذ لا يمكن للأسماك أن تنجو من الجفاف، مما يعني أن شراغيف الضفادع ويرقات السمندل وجميع أنواع الحشرات وغيرها، تحصل على فرصة أكبر للنمو. هنا في أصقاع ولاية ماين الأميركية، بلغ مخروط جليد شاهق ذروته قبل نحو 20 ألف سنة، فشرع في الذوبان متّخذًا سبيله شرقًا ومخلِّفًا وراءه حفرًا أخدودية، وحوافًّا منحوتة، وجلاميدًا هائلة الحجم، وتجويفات من الطين والركام الجليدي. وهذه الغابة تحمل ذكريات من ذلك الجليد. فهي تموج بالجداول والمستنقعات والبحيرات، وكثير من البرك الموسمية. يبدو الأمر كما لو أن ذلك الجليد القديم قد منحنا هِبَةً من ماء. إذ تمنح هذه البرك دفقًا هائلًا من الحياة للغابة، بفضل حوافها الرخوة ونجودها التي تحوي موائل رطبة وأخرى جافة؛ وجميعها جزءٌ لا يتجزأ من منظومة واحدة. فالعلاقة بين الأشجار والبرك محبوكة بإحكام: إذ توفر الأشجار بعض الظل لمنع جفاف البركة في وقت أبكر، وتُسقِط إبَرها وأوراقَها وأغصانها في الماء لتمنح ولائمَ غنية للبكتيريا والحشرات مثل يرقات ذبابة القمص، والتي تصبح بدورها غذاءً لكائنات أخرى. وتتغذى الطيور والخفافيش التي تعيش وتعشش في الأشجار المحيطة بالبركة، على الحشرات؛ وحين تغامر البرمائيات البالغة واليافعة فتغادر البركة إلى اليابسة، يقع كثيرٌ منها فريسةً لحيوانات أخرى. وهكذا تتوالى دورة الحياة. من الماء إلى الأرض وإلى الهواء.. فإن تلك الكائنات التي تعيش في هذه الغابات تحمل في دواخلها جزءًا من هذه البِركة أو تلك. إننا نفقد المشهد الطبيعي وكائناته عندما لا نستوعب جميع الأجزاء التي تجعل منه كُلًّا، ولا نشمله بالحماية. حين تجف بِرك الربيع، فإنها قد تبدو وكأنها حفر وحل ضحلة، وحين تبلغ ذروة النشاط في الربيع ومطلع الصيف -مستوعبةً مئات الكائنات في مياهها الدافئة المتضائلة- يَمرُّ بها الأشخاص العابرون للغابة وبالكاد يلقون لها بالًا. وتخفي هذه البرك غير الجذابة كثيرًا من تلك الحياة المفعمة بالنشاط تحت أسطحها. إنها تُذَكرني بحياة الحيتان؛