عيش مع الخرف

إن حالات الخرف آخذة في الارتفاع بجميع أنحاء العالم. ولا يوجد علاج لهذا المرض، لكنّ مُقدّمي الرعاية وعوائل المرضى يجدون طرقًا مبتكرة ليعيش هؤلاء بكرامة.

لاحظت "جاكي فورهاور" وشقيقتها أن سلوك والدتهما بدأ يتغير في عام 2012. فلقد نسيَت "نانسي فورهاور"، فنانة زُجاج في أوائل السبعينات من عمرها، الاتصال بجاكي في عيد ميلادها. وفقدَت هاتفها. ولم تدفع فواتيرها. وعملت نسخًا متعددة من مفاتيحها. ومع اشتداد أعراض نانسي، صارت جاكي تتنقل جيئة وذهابًا بين منزلها في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا وميلفيل بولاية نيوجيرسي، حيث تطمئن على والدتها. وفي إحدى الأمسيات، وصلت جاكي لتجد شقة والدتها مغلقة. بعد بضع ساعات، في الساعة 10:30 ليلًا أو نحو ذلك، ظهرت نانسي بحقيبة سفر تحوي كومة من مواعيد الحافلات، ولعبة على شاكلة قطة، وأداة زينة مكسورة خاصة بالكريسماس، وحفنة كرات زجاجية، وهي القطع الفنية المميزة لدى نانسي. هنالك حَيَّتْ ابنتَها قائلة: "مرحبًا جاكي. ماذا تفعلين هنا؟". في وقت لاحق، أخبرت نانسي بنْتَيها أنها شعرت كما لو كان لديها "ثقب أسود في ذاكرتها". وتَبَيَّنَ أنه الخرف (Dementia). بعد تشخيص حالتها في عام 2017، أمضت نانسي أربعة أعوام في منشأتَين مختلفتين لرعاية مرضى الذاكرة. كانت أولاهما تعتمد على دواء مضاد للذهان يُستخدم غالبًا لعلاج المشكلات السلوكية لدى المصابين بالخرف. أما الثانية فكان لديها مقدمو رعاية رائعون، لكنهم كانوا قلائل ويفتقرون إلى التدريب على علاج الخرف، على حد تعبير جاكي؛ كما أن المنشأة اتسمت بالصرامة المؤسسية، حتى إنه عندما كانت نانسي تهم بالخروج إلى الحديقة، كانت الأبواب الثقيلة تُطلق إنذارًا. تقول جاكي، البالغة من العمر 43 عامًا: "منشآت الرعاية هذه ليست مستدامة. فهي لا تنفع مرضى الذاكرة الذين يتلقون الرعاية الآن، وحتمًا لن تنجح مع جَيلي أنا". يعاني اليوم زُهاء 57 مليون شخص في العالم داء الخرف، ويُتوقَّع أن يرتفع عدد الحالات إلى 153 مليونًا في أفق عام 2050. ومع حلول هذا التاريخ، يُرتقَب أن تبلغ تكاليف التطبيب والرعاية 16.9 تريليون دولار على مستوى العالم. وتُسهم عوامل عديدة في هذه الزيادة، أبرزها تزايد عدد كبار السن؛ وارتفاع عوامل الخطر مثل البدانة والسكري؛ وتفاقم تلوث الهواء، الذي تُظهر الدراسات أنه يضر بصحة الدماغ. وإذا ما أضفنا إلى ذلك انخفاض معدلات الولادة -ما يعني تراجع مساعدة الآباء المصابين ورعايتهم- فسنرى أزمة تلوح في الأفق. يقول "كينيث لانغا"، عالم أبحاث الخرف لدى "جامعة ميشيغان": "سيصبح الأمر أصعب فأصعب مع ارتفاع أعداد المصابين. ونحن بحاجة إلى إيجاد الحل". إن مبتغى مرضى الخرف اليوم، في المقام الأول، هي رعاية أكثر إنسانية؛ وذلك ما يشعر به بعمق كثيرٌ من الأفراد الذين يرعون هؤلاء المرضى. فهم يدركون الألم الناتج عن رؤية أُمٍّ تعاني للتحدث أو جَدٍّ أرمل يعتقد أن زوجته المتوفية ستعود إلى المنزل لتناول العشاء. كما أنهم ينظرون إلى ذويهم أو أصدقائهم المصابين بوصفهم أُناسًا وليسوا قائمة أعراض. وهذ القناعة المستندة إلى التجربة الشخصية، تغذي اليوم حركة تدعو إلى إلغاء ذلك النوع من الرعاية الذي عفا عليه الزمن واعتماد طرائق شمولية. ليس الهدف مكافحة الموت، بل توفير "تجربة عيش مفعمة بالنشاط"، كما يقول "إلروي جيسبرسن"، المؤسس المشارك لـ"قرية لانغلي" الكندية، أول "قرية خرف" واسعة النطاق في أميركا الشمالية. ويوضح قائلًا: "يمكننا القيام بذلك، إذا ركزنا فقط على الشخص المصاب: من هو هذا الشخص، وما الأمر الذي لا يزال هذا الشخص يسعى لتحقيقه، وما الذي يجلب له السعادة".

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

عيش مع الخرف

إن حالات الخرف آخذة في الارتفاع بجميع أنحاء العالم. ولا يوجد علاج لهذا المرض، لكنّ مُقدّمي الرعاية وعوائل المرضى يجدون طرقًا مبتكرة ليعيش هؤلاء بكرامة.

لاحظت "جاكي فورهاور" وشقيقتها أن سلوك والدتهما بدأ يتغير في عام 2012. فلقد نسيَت "نانسي فورهاور"، فنانة زُجاج في أوائل السبعينات من عمرها، الاتصال بجاكي في عيد ميلادها. وفقدَت هاتفها. ولم تدفع فواتيرها. وعملت نسخًا متعددة من مفاتيحها. ومع اشتداد أعراض نانسي، صارت جاكي تتنقل جيئة وذهابًا بين منزلها في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا وميلفيل بولاية نيوجيرسي، حيث تطمئن على والدتها. وفي إحدى الأمسيات، وصلت جاكي لتجد شقة والدتها مغلقة. بعد بضع ساعات، في الساعة 10:30 ليلًا أو نحو ذلك، ظهرت نانسي بحقيبة سفر تحوي كومة من مواعيد الحافلات، ولعبة على شاكلة قطة، وأداة زينة مكسورة خاصة بالكريسماس، وحفنة كرات زجاجية، وهي القطع الفنية المميزة لدى نانسي. هنالك حَيَّتْ ابنتَها قائلة: "مرحبًا جاكي. ماذا تفعلين هنا؟". في وقت لاحق، أخبرت نانسي بنْتَيها أنها شعرت كما لو كان لديها "ثقب أسود في ذاكرتها". وتَبَيَّنَ أنه الخرف (Dementia). بعد تشخيص حالتها في عام 2017، أمضت نانسي أربعة أعوام في منشأتَين مختلفتين لرعاية مرضى الذاكرة. كانت أولاهما تعتمد على دواء مضاد للذهان يُستخدم غالبًا لعلاج المشكلات السلوكية لدى المصابين بالخرف. أما الثانية فكان لديها مقدمو رعاية رائعون، لكنهم كانوا قلائل ويفتقرون إلى التدريب على علاج الخرف، على حد تعبير جاكي؛ كما أن المنشأة اتسمت بالصرامة المؤسسية، حتى إنه عندما كانت نانسي تهم بالخروج إلى الحديقة، كانت الأبواب الثقيلة تُطلق إنذارًا. تقول جاكي، البالغة من العمر 43 عامًا: "منشآت الرعاية هذه ليست مستدامة. فهي لا تنفع مرضى الذاكرة الذين يتلقون الرعاية الآن، وحتمًا لن تنجح مع جَيلي أنا". يعاني اليوم زُهاء 57 مليون شخص في العالم داء الخرف، ويُتوقَّع أن يرتفع عدد الحالات إلى 153 مليونًا في أفق عام 2050. ومع حلول هذا التاريخ، يُرتقَب أن تبلغ تكاليف التطبيب والرعاية 16.9 تريليون دولار على مستوى العالم. وتُسهم عوامل عديدة في هذه الزيادة، أبرزها تزايد عدد كبار السن؛ وارتفاع عوامل الخطر مثل البدانة والسكري؛ وتفاقم تلوث الهواء، الذي تُظهر الدراسات أنه يضر بصحة الدماغ. وإذا ما أضفنا إلى ذلك انخفاض معدلات الولادة -ما يعني تراجع مساعدة الآباء المصابين ورعايتهم- فسنرى أزمة تلوح في الأفق. يقول "كينيث لانغا"، عالم أبحاث الخرف لدى "جامعة ميشيغان": "سيصبح الأمر أصعب فأصعب مع ارتفاع أعداد المصابين. ونحن بحاجة إلى إيجاد الحل". إن مبتغى مرضى الخرف اليوم، في المقام الأول، هي رعاية أكثر إنسانية؛ وذلك ما يشعر به بعمق كثيرٌ من الأفراد الذين يرعون هؤلاء المرضى. فهم يدركون الألم الناتج عن رؤية أُمٍّ تعاني للتحدث أو جَدٍّ أرمل يعتقد أن زوجته المتوفية ستعود إلى المنزل لتناول العشاء. كما أنهم ينظرون إلى ذويهم أو أصدقائهم المصابين بوصفهم أُناسًا وليسوا قائمة أعراض. وهذ القناعة المستندة إلى التجربة الشخصية، تغذي اليوم حركة تدعو إلى إلغاء ذلك النوع من الرعاية الذي عفا عليه الزمن واعتماد طرائق شمولية. ليس الهدف مكافحة الموت، بل توفير "تجربة عيش مفعمة بالنشاط"، كما يقول "إلروي جيسبرسن"، المؤسس المشارك لـ"قرية لانغلي" الكندية، أول "قرية خرف" واسعة النطاق في أميركا الشمالية. ويوضح قائلًا: "يمكننا القيام بذلك، إذا ركزنا فقط على الشخص المصاب: من هو هذا الشخص، وما الأمر الذي لا يزال هذا الشخص يسعى لتحقيقه، وما الذي يجلب له السعادة".

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab