على خطى الملوك

يعود تاريخ مسارات المشي في هاواي إلى قرون مضت، وكان بعضها في الماضي مخصصًا لطبقة النبلاء. وتقدم هذه الدروب والممرات لمحات عن ماضي هذه الجزر.

تحكي أساطير هاواي قصة الإلهة "هياكا" التي تسافر عبر درب مترب على ساحل جزيرة هاواي الكبيرة المواجه للريح باتجاه أحد الشواطئ حيث تلتقي بأخواتها، ومنهن "بيلي"، إلهة البراكين. وهناك، على هذا الشاطئ القصي في منطقة "بونا"، رقصت هياكا ما يعدّه بعض الدارسين أول رقصة "هولا". ولا يزال هذا المسار المؤدي إلى شاطئ "هاينا"، المعروف أيضًا باسم "شيبمان بيتش"، على حالته البكر. ويكون هذا الممر البالغ طوله 4.6 كيلومتر موحلًا وزلقًا في بعض الأحيان، وينتهي بالزائرين إلى شاطئ غير مزدحم معروف برماله الناعمة وسط ساحل صخري وعر. وشكّل هذا الممر خلال العصور القديمة أحد مسالك المشي العديدة في جزر هاواي التي كانت تربط قرى الصيد الساحلية. وفي منتصف القرن التاسع عشر، خضعت هذه الطريق للتسوية والتوسيع من أجل استيعاب الخيول والعربات ذات العجلات. ومع انتقال الأهالي إلى المناطق الداخلية، هُجرت هذه المستوطنات الساحلية وتعرض الممر للإهمال. وفي الوقت الحالي، لا تعرف الأهمية الثقافية لهذا المسار في بونا إلّا قلةٌ من الناس الذين يغامرون بسلكه للوصول إلى رمال هاينا البيضاء. يقول "جاكسون باور"، الذي يعمل في برنامج (Na Ala Hele Trail and Access) المسؤول عن إدارة الموارد العامة المتعلقة بصيانة الممر: "إنه لا يبدو مثل الكثير [من الممرات]. لكن، لنتخيل أن هياكا سارت على هذا الممر". وكان أحد آخر النصوص التشريعية التي أقرتها الملكة "ليليوكالاني"، قبل الإطاحة المثيرة للجدل بالنظام الملكي في هاواي، هو "قانون الطرق السريعة" لعام 1892. وينص هذا القانون على امتلاك الحكومة لكل ممر أو طريق موجود آنذاك في هاواي، حتى لو كان على أراض مملوكة للقطاع الخاص. ويعني ذلك أيضًا أن هذه الممرات -التي استخدمها سكان هاواي القدماء لجمع الطعام، وشن المعارك، والوصول إلى أماكن العبادة، وغير ذلك- هي للاستخدام العام، ويمكن للجميع الوصول إليها. وقد جاء هذا القانون في وقت حرج بالنسبة إلى ترسيخ حقوق سكان هاواي الأصليين في الأراضي: ففي عام 1848، قسَّم "قانون تقسيم الأراضي" لعام 1848 (المعروف باسم ماهيل العظيم) الذي اقترحه الملك "كاميهاميها الثالث" نحو 1.6 مليون هكتار من الأراضي، وهو ما آذن بإلغاء النظام الإقطاعي وفتح الباب أمام المِلكية الخاصة للأراضي. وقد اعتُمِد هذا القانون قبل أن تصبح هاواي إقليمًا وولاية تابعة للولايات المتحدة، وكَفل للجمهور -ولسكان هاواي الأصليين، وهو الأمر الأهم- مواصلة زيارة المواقع الثقافية. وقد أمكن لهذه الولاية، بفضل تبصر الملكة، أن تدير الآن مئات الكيلومترات من المسارات العامة التي تفضي إلى المناطق التراثية والغابات الأصلية أو تتبع الجداول المتعرجة أو التلال التي تصطف الأشجار على جانبيها. وإذا كان العديد منها قد تحول الآن إلى شوارع وطرق سريعة (على سبيل المثال، كان "شارع ألا موانا" الذي يعج بالحركة في أواهو مسلكَ مشي يعود تاريخه إلى عدة قرون خلت، حيث كان يمتد على طول الساحل الجنوبي)، فإن البعض الآخر صار مسارات منسية لا يَرد ذكرها في أدلة رحلات المشي. ولا تحظى في الغالب بالشعبية نفسها لرحلات المشي عبر القمم أو التلال مع ما يتخللها من مناظر شاملة ومواقف للسيارات. لكن ذلك يشكل جزءًا من جاذبيتها. ويدخل تحديد مسالك المشي والطرق هذه في العمل المنوط بالبرنامج المذكور آنفًا. فطاقم هذا البرنامج يدقق النظر في الخرائط المرسومة يدويًا ابتداءً من القرن التاسع عشر لإيجاد أدلة على المسارات القديمة من أجل الحفاظ عليها. و"مسار ألا كاهاكاي التاريخي الوطني"، على سبيل المثال، هو شبكة بطول 280 كيلومترًا تربط مجتمعات محلية ومعابد ومناطق لصيد الأسماك ومواقع أخرى في هاواي. وكانت بعض أجزاء هذه الشبكة تخدم ملوك هاواي، فيما كانت أقسام أخرى مخصصة للمبعوثين الذين وجدوا أن المشي فيها أسرع من الإبحار حول أجزاء من الجزيرة. وتحكي قصة أخرى لهذا المسار عن عدّاء سريع غادر قرية في الطرف الشمالي الغربي للجزيرة باتجاه هيلو ثم عاد -نحو 130 كيلومترًا في كل اتجاه عبر الجزء الداخلي من الجزيرة- ليحضر للملك سمكة من بركة السمك الخاصة به؛ وكانت السمكة لا تزال على قيد الحياة. ويقول باور: "ظل كثير من هذه المسارات القديمة قيد الاستخدام أكثر من ألف سنة، وما زال الناس يستخدمونها. وهذا هو الجزء المثير حقًّا". ويشير أيضًا إلى الطرق الرئيسة في الجزر، بدءًا من "طريق ألي درايف" التي تصطف على جانبيها المحلات التجارية لدى "كايلوا-كونا" في هاواي، إلى "طريق بالي السريعة" في أواهو، التي تربط هونولولو بالجانب المواجه للريح من الجزيرة. ويستطرد قائلًا: "تحفل هذه المسارات بكثير من الحكايات، ونريد أن تظل خالدة". وعندما نتنزه أنا وابني البالغ من العمر ستة أعوام على طول الساحل البري في "منتزه كاينا بوينت ستيت" في أواهو، نسير على خطى سكان هاواي القدماء. ويتعرج هذا المسار الذي يبلغ طوله 5.6 كيلومتر باتجاه هذه النقطة عبر أحد آخر النظم البيئية للكثبان الرملية الساحلية التي لم تمتد إليها يد التغيير في جزر هاواي الرئيسة. ويلجأ إلى كاينا بوينت نحو 2000 طائر بحري بغرض التكاثر، ومن بينها طائر قطرس ليسان وطيور جلم الماء وتدية الذيل. وتعد هذه المنطقة أيضًا موطنًا للأحياء البرية المحلية، كطائر الفرقاط الكبير وطائر رئيس البحر أحمر الذيل، بالإضافة إلى فقمة الراهب المهددة بالانقراض.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

على خطى الملوك

يعود تاريخ مسارات المشي في هاواي إلى قرون مضت، وكان بعضها في الماضي مخصصًا لطبقة النبلاء. وتقدم هذه الدروب والممرات لمحات عن ماضي هذه الجزر.

تحكي أساطير هاواي قصة الإلهة "هياكا" التي تسافر عبر درب مترب على ساحل جزيرة هاواي الكبيرة المواجه للريح باتجاه أحد الشواطئ حيث تلتقي بأخواتها، ومنهن "بيلي"، إلهة البراكين. وهناك، على هذا الشاطئ القصي في منطقة "بونا"، رقصت هياكا ما يعدّه بعض الدارسين أول رقصة "هولا". ولا يزال هذا المسار المؤدي إلى شاطئ "هاينا"، المعروف أيضًا باسم "شيبمان بيتش"، على حالته البكر. ويكون هذا الممر البالغ طوله 4.6 كيلومتر موحلًا وزلقًا في بعض الأحيان، وينتهي بالزائرين إلى شاطئ غير مزدحم معروف برماله الناعمة وسط ساحل صخري وعر. وشكّل هذا الممر خلال العصور القديمة أحد مسالك المشي العديدة في جزر هاواي التي كانت تربط قرى الصيد الساحلية. وفي منتصف القرن التاسع عشر، خضعت هذه الطريق للتسوية والتوسيع من أجل استيعاب الخيول والعربات ذات العجلات. ومع انتقال الأهالي إلى المناطق الداخلية، هُجرت هذه المستوطنات الساحلية وتعرض الممر للإهمال. وفي الوقت الحالي، لا تعرف الأهمية الثقافية لهذا المسار في بونا إلّا قلةٌ من الناس الذين يغامرون بسلكه للوصول إلى رمال هاينا البيضاء. يقول "جاكسون باور"، الذي يعمل في برنامج (Na Ala Hele Trail and Access) المسؤول عن إدارة الموارد العامة المتعلقة بصيانة الممر: "إنه لا يبدو مثل الكثير [من الممرات]. لكن، لنتخيل أن هياكا سارت على هذا الممر". وكان أحد آخر النصوص التشريعية التي أقرتها الملكة "ليليوكالاني"، قبل الإطاحة المثيرة للجدل بالنظام الملكي في هاواي، هو "قانون الطرق السريعة" لعام 1892. وينص هذا القانون على امتلاك الحكومة لكل ممر أو طريق موجود آنذاك في هاواي، حتى لو كان على أراض مملوكة للقطاع الخاص. ويعني ذلك أيضًا أن هذه الممرات -التي استخدمها سكان هاواي القدماء لجمع الطعام، وشن المعارك، والوصول إلى أماكن العبادة، وغير ذلك- هي للاستخدام العام، ويمكن للجميع الوصول إليها. وقد جاء هذا القانون في وقت حرج بالنسبة إلى ترسيخ حقوق سكان هاواي الأصليين في الأراضي: ففي عام 1848، قسَّم "قانون تقسيم الأراضي" لعام 1848 (المعروف باسم ماهيل العظيم) الذي اقترحه الملك "كاميهاميها الثالث" نحو 1.6 مليون هكتار من الأراضي، وهو ما آذن بإلغاء النظام الإقطاعي وفتح الباب أمام المِلكية الخاصة للأراضي. وقد اعتُمِد هذا القانون قبل أن تصبح هاواي إقليمًا وولاية تابعة للولايات المتحدة، وكَفل للجمهور -ولسكان هاواي الأصليين، وهو الأمر الأهم- مواصلة زيارة المواقع الثقافية. وقد أمكن لهذه الولاية، بفضل تبصر الملكة، أن تدير الآن مئات الكيلومترات من المسارات العامة التي تفضي إلى المناطق التراثية والغابات الأصلية أو تتبع الجداول المتعرجة أو التلال التي تصطف الأشجار على جانبيها. وإذا كان العديد منها قد تحول الآن إلى شوارع وطرق سريعة (على سبيل المثال، كان "شارع ألا موانا" الذي يعج بالحركة في أواهو مسلكَ مشي يعود تاريخه إلى عدة قرون خلت، حيث كان يمتد على طول الساحل الجنوبي)، فإن البعض الآخر صار مسارات منسية لا يَرد ذكرها في أدلة رحلات المشي. ولا تحظى في الغالب بالشعبية نفسها لرحلات المشي عبر القمم أو التلال مع ما يتخللها من مناظر شاملة ومواقف للسيارات. لكن ذلك يشكل جزءًا من جاذبيتها. ويدخل تحديد مسالك المشي والطرق هذه في العمل المنوط بالبرنامج المذكور آنفًا. فطاقم هذا البرنامج يدقق النظر في الخرائط المرسومة يدويًا ابتداءً من القرن التاسع عشر لإيجاد أدلة على المسارات القديمة من أجل الحفاظ عليها. و"مسار ألا كاهاكاي التاريخي الوطني"، على سبيل المثال، هو شبكة بطول 280 كيلومترًا تربط مجتمعات محلية ومعابد ومناطق لصيد الأسماك ومواقع أخرى في هاواي. وكانت بعض أجزاء هذه الشبكة تخدم ملوك هاواي، فيما كانت أقسام أخرى مخصصة للمبعوثين الذين وجدوا أن المشي فيها أسرع من الإبحار حول أجزاء من الجزيرة. وتحكي قصة أخرى لهذا المسار عن عدّاء سريع غادر قرية في الطرف الشمالي الغربي للجزيرة باتجاه هيلو ثم عاد -نحو 130 كيلومترًا في كل اتجاه عبر الجزء الداخلي من الجزيرة- ليحضر للملك سمكة من بركة السمك الخاصة به؛ وكانت السمكة لا تزال على قيد الحياة. ويقول باور: "ظل كثير من هذه المسارات القديمة قيد الاستخدام أكثر من ألف سنة، وما زال الناس يستخدمونها. وهذا هو الجزء المثير حقًّا". ويشير أيضًا إلى الطرق الرئيسة في الجزر، بدءًا من "طريق ألي درايف" التي تصطف على جانبيها المحلات التجارية لدى "كايلوا-كونا" في هاواي، إلى "طريق بالي السريعة" في أواهو، التي تربط هونولولو بالجانب المواجه للريح من الجزيرة. ويستطرد قائلًا: "تحفل هذه المسارات بكثير من الحكايات، ونريد أن تظل خالدة". وعندما نتنزه أنا وابني البالغ من العمر ستة أعوام على طول الساحل البري في "منتزه كاينا بوينت ستيت" في أواهو، نسير على خطى سكان هاواي القدماء. ويتعرج هذا المسار الذي يبلغ طوله 5.6 كيلومتر باتجاه هذه النقطة عبر أحد آخر النظم البيئية للكثبان الرملية الساحلية التي لم تمتد إليها يد التغيير في جزر هاواي الرئيسة. ويلجأ إلى كاينا بوينت نحو 2000 طائر بحري بغرض التكاثر، ومن بينها طائر قطرس ليسان وطيور جلم الماء وتدية الذيل. وتعد هذه المنطقة أيضًا موطنًا للأحياء البرية المحلية، كطائر الفرقاط الكبير وطائر رئيس البحر أحمر الذيل، بالإضافة إلى فقمة الراهب المهددة بالانقراض.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab