هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.
إنّ أفضل الصور لا تلتقطها الكاميرا، بل هي هبات. فقد جاءت هذه الصورة في الوقت المناسب في يوم رأس السنة الميلادية 2014. وقد تحققت في "كنيسة سيستينا" بصورة عجيبة، كما لو نزلَت من رسْم "خلق آدم" لمايكل أنجلو المصوَّر على سقف الكنيسة. لكنها أتت في وقت عصيب للغاية، إلى درجة أنني لا أزال أتساءل إلى اليوم عن جدوى وجودي هناك ساعتها. كان البابا فرنسيس قد انتُخب في عام 2013. ومن المثير للدهشة، إلى حد ما، أن هذا الرجل المُسنّ البسيط الذي قال إنه يريد كنيسة "فقيرة للفقراء" أصبح من المشاهير عل المستوى الدولي، وموضوعًا أثيرًا لدى جل المؤسسات الإعلامية الكبرى؛ والتي لم أكن على رأس قائمة أيّ منها لتصويره. وعلى أنني كنت أعيش في روما في ذلك الوقت، فلم أكن أعرف سوى القليل عن مدينة الفاتيكان أو البابا فرنسيس. لكن خلال زيارة لمجلة ناشيونال جيوغرافيك، كنت قد أدليت بتعليق مرتجَل عن البابا أمام رئيسة التحرير؛ فما كان منها إلا أن طلبت إلي أن أعدّ تحقيقًا مصورًا عن البابا. هنالك شعرت أنني لا أدري ما الذي ينبغي له فعله. لم تكن لدي أدنى فكرة بشأن المُضي قدمًا في هذا الموضوع. وكان علي أن أتعلم كيفية التنقل داخل الفاتيكان. فالصحافيون يُغرقون المكتب الصحافي لدى "الكرسي الرسولي" بطلبات الترخيص لملاقاة البابا. وتظل فرص النجاح محدودة؛ فعادة ما يُبعَد المصورون عن البابا. ولدعم مَهمتي، دعوت رئيسة التحرير آنذاك "سوزان غولدبيرغ"، بالإضافة إلى سفراء الولايات المتحدة الثلاثة في روما (وهم السفراء إلى إيطاليا والكرسي الرسولي ووكالات الأمم المتحدة الموجودة هناك) لمرافقتي في غداء مع مسؤولي الفاتيكان.

بينما كنت أواصل عملي، كانت صحة والدي آخذة في التدهور. فقد عاد السرطان الذي كان في حالة سكون منذ أعوام. وليس هيِّنًا التفكير في التخلي عن مَهمة. ولكن البديل بدا في هذه الحالة أسوأ بكثير.

حظي طلبي بالموافقة، ولكن تَبيَّن أن ذلك لم يكن سوى خطوة أولى ضمن مسار استمر شهورًا. اتخذت لنفسي مكانًا بين "الفاتيكانولوجيا"، وهم الصحافيون الذين يتابعون أخبار البابا، ويلتقطون الصور نفسها مثل أي شخص آخر. فمن منظورهم ذاك، فإن البابا مجرد نقطة داخل هياكل رخامية. وعمدَت المجلة -كما لو كان ذلك عقابًا على خَطاياي- إلى ترقية التحقيق إلى مرتبة "موضوع لغلاف العدد"؛ وهو تطور مرعب كان يتطلب إذنًا استثنائيًا بالاقتراب أكثر فأكثر من البابا. ثم جاء خلاصي على يد مصور البابا، "فرانشيسكو سفورزا"، وهو زميل متواضع ومبتهج على الدوام، يستطيع بالكاد أداء مهامه في الفاتيكان في الوقت المحدد، لكثرة الأشخاص الذين يستوقفونه للتحدث إليه. ويزدان مكتبه بكاميرات متهالكة وقديمة كان يستخدمها مصورو الباباوات القدامى. وقبل نحو 40 عامًا، كان قد ساعد مصور ناشيونال جيوغرافيك، الراحل "جيمس ستانفيلد"، في إعداد تحقيق مصور عن الفاتيكان. وافق سفورزا أن يرعاني ويكون بمنزلة مرافق لي حتى أكون قريبًا بما يكفي. ومن الصعب الإيغال في ذكر ما نلته من حظ كبير أو ما يتمتع به سفورزا من نكران ذات. وسرعان ما اختبرتُ دخولي إلى هذه الدائرة المقربة، بطريقة جريئة إلى حد ما، من خلال صعود الدرجات البيضاء المبهرة لدى "كاتدرائية القديس بطرس"، على مقربة شديدة من البابا وهو يرحب بالزائرين المتحمسين. وبدا ألّا أحد لاحظ ذلك. استقبلتني الحراسة الأمنية اللطيفة للبابا فرنسيس بترحاب كبير، على الرغم من الحشود المحيطة به. فهؤلاء الرجال يؤدون مهمة لا يُحسدون عليها، وهي حماية زعيم عالمي يتجاهل الحماية. ولا يخلو عملهم أيضًا من تدافع ومشاحنات عندما يعمد الآباء المنتشون برؤية البابا إلى دفع أطفالهم الرضع بين أذرع هؤلاء الرجال الذين يرفعونهم إلى السيارة البابوية للحصول على مباركة سريعة من البابا فرنسيس، قبل أن يعيدوهم بأمان إلى ذويهم. وكنت أركض مع سفورزا في كثير من الأحيان في ذلك الموكب المحموم، فتتلطخ بدلتي بالعرق وأتعثر بين أرجل الحراس الشخصيين الذين يحافظون على لباقتهم وأنا أحاول أن أبتعد عن طريق البابا حتى لا يدهسني.

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.
إنّ أفضل الصور لا تلتقطها الكاميرا، بل هي هبات. فقد جاءت هذه الصورة في الوقت المناسب في يوم رأس السنة الميلادية 2014. وقد تحققت في "كنيسة سيستينا" بصورة عجيبة، كما لو نزلَت من رسْم "خلق آدم" لمايكل أنجلو المصوَّر على سقف الكنيسة. لكنها أتت في وقت عصيب للغاية، إلى درجة أنني لا أزال أتساءل إلى اليوم عن جدوى وجودي هناك ساعتها. كان البابا فرنسيس قد انتُخب في عام 2013. ومن المثير للدهشة، إلى حد ما، أن هذا الرجل المُسنّ البسيط الذي قال إنه يريد كنيسة "فقيرة للفقراء" أصبح من المشاهير عل المستوى الدولي، وموضوعًا أثيرًا لدى جل المؤسسات الإعلامية الكبرى؛ والتي لم أكن على رأس قائمة أيّ منها لتصويره. وعلى أنني كنت أعيش في روما في ذلك الوقت، فلم أكن أعرف سوى القليل عن مدينة الفاتيكان أو البابا فرنسيس. لكن خلال زيارة لمجلة ناشيونال جيوغرافيك، كنت قد أدليت بتعليق مرتجَل عن البابا أمام رئيسة التحرير؛ فما كان منها إلا أن طلبت إلي أن أعدّ تحقيقًا مصورًا عن البابا. هنالك شعرت أنني لا أدري ما الذي ينبغي له فعله. لم تكن لدي أدنى فكرة بشأن المُضي قدمًا في هذا الموضوع. وكان علي أن أتعلم كيفية التنقل داخل الفاتيكان. فالصحافيون يُغرقون المكتب الصحافي لدى "الكرسي الرسولي" بطلبات الترخيص لملاقاة البابا. وتظل فرص النجاح محدودة؛ فعادة ما يُبعَد المصورون عن البابا. ولدعم مَهمتي، دعوت رئيسة التحرير آنذاك "سوزان غولدبيرغ"، بالإضافة إلى سفراء الولايات المتحدة الثلاثة في روما (وهم السفراء إلى إيطاليا والكرسي الرسولي ووكالات الأمم المتحدة الموجودة هناك) لمرافقتي في غداء مع مسؤولي الفاتيكان.

بينما كنت أواصل عملي، كانت صحة والدي آخذة في التدهور. فقد عاد السرطان الذي كان في حالة سكون منذ أعوام. وليس هيِّنًا التفكير في التخلي عن مَهمة. ولكن البديل بدا في هذه الحالة أسوأ بكثير.

حظي طلبي بالموافقة، ولكن تَبيَّن أن ذلك لم يكن سوى خطوة أولى ضمن مسار استمر شهورًا. اتخذت لنفسي مكانًا بين "الفاتيكانولوجيا"، وهم الصحافيون الذين يتابعون أخبار البابا، ويلتقطون الصور نفسها مثل أي شخص آخر. فمن منظورهم ذاك، فإن البابا مجرد نقطة داخل هياكل رخامية. وعمدَت المجلة -كما لو كان ذلك عقابًا على خَطاياي- إلى ترقية التحقيق إلى مرتبة "موضوع لغلاف العدد"؛ وهو تطور مرعب كان يتطلب إذنًا استثنائيًا بالاقتراب أكثر فأكثر من البابا. ثم جاء خلاصي على يد مصور البابا، "فرانشيسكو سفورزا"، وهو زميل متواضع ومبتهج على الدوام، يستطيع بالكاد أداء مهامه في الفاتيكان في الوقت المحدد، لكثرة الأشخاص الذين يستوقفونه للتحدث إليه. ويزدان مكتبه بكاميرات متهالكة وقديمة كان يستخدمها مصورو الباباوات القدامى. وقبل نحو 40 عامًا، كان قد ساعد مصور ناشيونال جيوغرافيك، الراحل "جيمس ستانفيلد"، في إعداد تحقيق مصور عن الفاتيكان. وافق سفورزا أن يرعاني ويكون بمنزلة مرافق لي حتى أكون قريبًا بما يكفي. ومن الصعب الإيغال في ذكر ما نلته من حظ كبير أو ما يتمتع به سفورزا من نكران ذات. وسرعان ما اختبرتُ دخولي إلى هذه الدائرة المقربة، بطريقة جريئة إلى حد ما، من خلال صعود الدرجات البيضاء المبهرة لدى "كاتدرائية القديس بطرس"، على مقربة شديدة من البابا وهو يرحب بالزائرين المتحمسين. وبدا ألّا أحد لاحظ ذلك. استقبلتني الحراسة الأمنية اللطيفة للبابا فرنسيس بترحاب كبير، على الرغم من الحشود المحيطة به. فهؤلاء الرجال يؤدون مهمة لا يُحسدون عليها، وهي حماية زعيم عالمي يتجاهل الحماية. ولا يخلو عملهم أيضًا من تدافع ومشاحنات عندما يعمد الآباء المنتشون برؤية البابا إلى دفع أطفالهم الرضع بين أذرع هؤلاء الرجال الذين يرفعونهم إلى السيارة البابوية للحصول على مباركة سريعة من البابا فرنسيس، قبل أن يعيدوهم بأمان إلى ذويهم. وكنت أركض مع سفورزا في كثير من الأحيان في ذلك الموكب المحموم، فتتلطخ بدلتي بالعرق وأتعثر بين أرجل الحراس الشخصيين الذين يحافظون على لباقتهم وأنا أحاول أن أبتعد عن طريق البابا حتى لا يدهسني.