مقابلة مع عالِم ونجم لموسيقى الروك
كان بريان ماي شابًا من الطبقة العاملة اللندنية، حين صنع تليسكوبه الخاص. ثم صنع قيثارته الكهربائية. بعد يومين على نيله درجة البكالوريوس في الفيزياء، صعد على الخشبة مع فرقته الموسيقية لأداء بعض الأغاني تمهيدًا لحفل المطرب "بينك فلويد". كان ذلك في عام 1968. واليوم يُعرف ماي، البالغ من العمر 76 عامًا، بأنه أحد أعظم عازفي القيثارة في تاريخ موسيقى الروك. ولقد عاد في أكتوبر الماضي إلى نشاطه من خلال أحدث تجسيد لفرقة "كوين" الأسطورية التي شارك في تأسيسها مع "روجر تايلور" والراحل "فريدي ميركوري". وفي ذلك الشهر أيضًا نُشر أحدث كتاب لماي، وهو أطلس للكويكب "بينو" يَعرض صور ماي الفوتوغرافية المجسمة. التقيت ماي في عام 2015 عندما كان يعمل لدى بعثة "نيو هورايزنز" التابعة لـ"ناسا". هو الآن صديق لي. فنحن نتشارك الافتتان بالنجوم (نال درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية في عام 2007)، فضلًا عن حبنا العميق والدائم للحيوانات (وهو ناشط في مجال الرفق بالحيوان). لقد حضرتُ عددًا لا يُستهان به من حفلاته الموسيقية، وكثيرًا ما التقيت آخرين خلف الكواليس، من المعجبين بفرقة كوين والمهووسين بالفضاء (ومنهم مسؤول لدى "ناسا" رأيته ذات مرة يحمل نسخة من أطروحة الدكتوراه الخاصة بماي). لا يسعنا حتى هذا العدد الخاص عن الفضاء لنحيط بجميع الاهتمامات الفضائية التي ناقشتها وبريان؛ لذلك تم تنقيح هذه المقابلة وتكثيفها لغاية الإيضاح.
ناديا دريك: أراهن أن العديد من الأشخاص الذين يعرفونك بصفتك موسيقارًا ليس لديهم أدنى فكرة عن أنك الدكتور ماي، وأنك نلت الدكتوراه عن دراسة الغبار البروجي (Zodiacal dust)، وهو سحابة من الحبوب الصخرية التي تملأ الفضاء بين الكواكب في نظامنا الشمسي. لماذا اخترت هذا الموضوع؟
بريان ماي: كنت أعلم أنك ستطرحين هذا السؤال. كنت أتابع دراستي العليا في علم فلك الأشعة تحت الحمراء لدى "جامعة إمبريال كوليدج" في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان أستاذٌ يُجري دراسة طيفية للغبار البروجي.
وكان ذلك العمل قد وصل إلى نفق مسدود بسبب توقف جل المُعدّات عن العمل. هنالك قِيل لي: هل ترغب في تولي أمر هذا البحث؟ وما إن نظرت فيه حتى وجدته عملًا رائعًا لم يفعله من قبل سوى عدد قليل من الناس.
ماذا أردت أن تعرف عن الغبار؟
بكل بساطة: من أين يأتي وإلى أين يذهب. كان الجميع يدرسون الضوء المنعكس من السحابة البروجية، لكننا كنا ننظر إلى كيفية تحرك تلك السحابة، من خلال تتبع خط امتصاص في طيف الشمس، وهو انزياح "دوبلر" بسبب حركات الغبار بالنسبة إلى الأرض. لقد افترضنا أن أحد مكونات ذلك الغبار هو الحطام الذي تُخلّفه المذنبات، وقد تكون كمية معينة منه من الكويكبات. راودتني فكرة مجنونة مفادها أن مُكوِّنًا صغيرًا قد يكون بين النجوم لأن النظام الشمسي يتحرك عبر الفضاء. لكنني وُصِفتُ بالهوس، وقال لي مُشرفي: "لا تُضَمِّن ذلك في أطروحتك، لأنك سوف تُصبح أضحوكة".
لكنك كنت على حق؛ أليس كذلك؟
من المضحك أنني اعتقدت أن بمقدوري رؤية عنصر بين النجوم يتدفق عبر النظام الشمسي. لكنني لم أنشر ذلك الجزء من البيانات مطلقًا؛ ففي نهاية المطاف كانت هناك أشرطة أخطاء كبيرة في قياساتي. حين أعود بفكري إلى ذلك الوقت، أرجو لو كان الأمر ممكنًا لأننا نَعلم الآن أن الأجسام بين النجوم تأتي طوال الوقت؛ وأبرزها "أومواموا"، الجسم البَينجمي (بين النجوم) الذي مَرق في عام 2017. وهناك اليوم كتلة كبيرة من الغبار لم تأت بالتأكيد من داخل نظامنا الشمسي، ولا نعرف ما سنلتقي في المرة المقبلة، أليس كذلك؟
لقد انتقلت من الغبار وتعمل الآن كثيرًا على الكويكبات والأجسام الصغيرة الأخرى في النظام الشمسي. من أين يأتي هذا الاهتمام؟
ذلك شغفي، حقًّا. إنه يرتبط باهتمامي بالتصوير المجسم. فجميع الأجسام التي تزورها المركبات الفضائية غير المأهولة تصلح للتصوير بتقنية استريو ثلاثية الأبعاد؛ ولإنجاز ذلك، نحتاج إلى مَشهدين مختلفين لجسمٍ ما لإنشاء زوج استريو. ومن البديهي أن كل شيء في النظام الشمسي يدور؛ وهو أمرٌ حَسَن، لأن الدوران يمنحنا زوجًا من المشاهدات المطلوبة من زوايا مختلفة قليلًا. في الأساس، أجمع البيانات من كل بعثة فضائية مع زميل لي في إيطاليا، ونجد البيانات اللازمة لإنجاز صور ثلاثية الأبعاد.
ثم بدأنا ننسج صداقات مع بعض الفرق من "ناسا" و"وكالة الفضاء الأوروبية" و"وكالة استكشاف الفضاء اليابانية"؛ وما إن رأوا ما كنا نفعل، حتى انتشر الخبر إلى بعثات أخرى. كانت أول فرصة عظيمة لنا هي "نيو هورايزنز"، التي دخلت التاريخ بتحليقها لدى "بلوتو".
أَذكرُ أنني التقيتك أثناء ذلك التحليق في عام 2015. لقد كان وقتا ممتعا!
كانت مشاهدة تلك البيانات وهي تصل، إحدى أعظم تجارب حياتي. فلقد رأينا كيف يبدو بلوتو للمرة الأولى، وحصلنا على رؤيتين مختلفتين: واحدة قبل التحليق مباشرة، والثانية أثناء مرور المركبة الفضائية. لقد جمعت اثنتين من تلك الصور معًا فأنجزتُ أول صورة ثلاثية الأبعاد لبلوتو. لقد فعلت الكثير من الأشياء الجيدة في حياتي -فلطالما حالفني الحظ- ولكن تلك كانت واحدة من أكثر اللحظات إثارة في حياتي.. أن أرى بلوتو فجأة، وهو الذي كان في طفولتي نقطة بياض، بكل تفاصيله المجيدة بأبعاد ثلاثية. لقد كان تشويقا لا حدود له. أنت الآن تعمل مع فريق "أوزيريكس-ريكس" الذي أرسل مركبة فضائية إلى الكويكب "بينو". أثبتت هذه البعثة أن الصور المجسمة ليست للمتعة فقط؛ بل يمكن أن تكون مفيدة أيضًا. قد تمنحك تقنية الاستريو إحساسًا غريزيًا بالتضاريس من شأنه مساعدتك في اختيار موقع الهبوط. كان هذا أمرًا بالغ الأهمية في بينو: فقد كانت المَهمة هي أخذ عيّنة من هذا الكويكب، لذا عملنا على التقاط صور مجسمة لكل موقع هبوط محتمل. أعتقد أنه كان هناك 24 منها. ساعدَنا ذلك في اختيار الموقع النهائي، وتم جمع العيّنات بأمان.
اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab
مقابلة مع عالِم ونجم لموسيقى الروك
كان بريان ماي شابًا من الطبقة العاملة اللندنية، حين صنع تليسكوبه الخاص. ثم صنع قيثارته الكهربائية. بعد يومين على نيله درجة البكالوريوس في الفيزياء، صعد على الخشبة مع فرقته الموسيقية لأداء بعض الأغاني تمهيدًا لحفل المطرب "بينك فلويد". كان ذلك في عام 1968. واليوم يُعرف ماي، البالغ من العمر 76 عامًا، بأنه أحد أعظم عازفي القيثارة في تاريخ موسيقى الروك. ولقد عاد في أكتوبر الماضي إلى نشاطه من خلال أحدث تجسيد لفرقة "كوين" الأسطورية التي شارك في تأسيسها مع "روجر تايلور" والراحل "فريدي ميركوري". وفي ذلك الشهر أيضًا نُشر أحدث كتاب لماي، وهو أطلس للكويكب "بينو" يَعرض صور ماي الفوتوغرافية المجسمة. التقيت ماي في عام 2015 عندما كان يعمل لدى بعثة "نيو هورايزنز" التابعة لـ"ناسا". هو الآن صديق لي. فنحن نتشارك الافتتان بالنجوم (نال درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية في عام 2007)، فضلًا عن حبنا العميق والدائم للحيوانات (وهو ناشط في مجال الرفق بالحيوان). لقد حضرتُ عددًا لا يُستهان به من حفلاته الموسيقية، وكثيرًا ما التقيت آخرين خلف الكواليس، من المعجبين بفرقة كوين والمهووسين بالفضاء (ومنهم مسؤول لدى "ناسا" رأيته ذات مرة يحمل نسخة من أطروحة الدكتوراه الخاصة بماي). لا يسعنا حتى هذا العدد الخاص عن الفضاء لنحيط بجميع الاهتمامات الفضائية التي ناقشتها وبريان؛ لذلك تم تنقيح هذه المقابلة وتكثيفها لغاية الإيضاح.
ناديا دريك: أراهن أن العديد من الأشخاص الذين يعرفونك بصفتك موسيقارًا ليس لديهم أدنى فكرة عن أنك الدكتور ماي، وأنك نلت الدكتوراه عن دراسة الغبار البروجي (Zodiacal dust)، وهو سحابة من الحبوب الصخرية التي تملأ الفضاء بين الكواكب في نظامنا الشمسي. لماذا اخترت هذا الموضوع؟
بريان ماي: كنت أعلم أنك ستطرحين هذا السؤال. كنت أتابع دراستي العليا في علم فلك الأشعة تحت الحمراء لدى "جامعة إمبريال كوليدج" في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان أستاذٌ يُجري دراسة طيفية للغبار البروجي.
وكان ذلك العمل قد وصل إلى نفق مسدود بسبب توقف جل المُعدّات عن العمل. هنالك قِيل لي: هل ترغب في تولي أمر هذا البحث؟ وما إن نظرت فيه حتى وجدته عملًا رائعًا لم يفعله من قبل سوى عدد قليل من الناس.
ماذا أردت أن تعرف عن الغبار؟
بكل بساطة: من أين يأتي وإلى أين يذهب. كان الجميع يدرسون الضوء المنعكس من السحابة البروجية، لكننا كنا ننظر إلى كيفية تحرك تلك السحابة، من خلال تتبع خط امتصاص في طيف الشمس، وهو انزياح "دوبلر" بسبب حركات الغبار بالنسبة إلى الأرض. لقد افترضنا أن أحد مكونات ذلك الغبار هو الحطام الذي تُخلّفه المذنبات، وقد تكون كمية معينة منه من الكويكبات. راودتني فكرة مجنونة مفادها أن مُكوِّنًا صغيرًا قد يكون بين النجوم لأن النظام الشمسي يتحرك عبر الفضاء. لكنني وُصِفتُ بالهوس، وقال لي مُشرفي: "لا تُضَمِّن ذلك في أطروحتك، لأنك سوف تُصبح أضحوكة".
لكنك كنت على حق؛ أليس كذلك؟
من المضحك أنني اعتقدت أن بمقدوري رؤية عنصر بين النجوم يتدفق عبر النظام الشمسي. لكنني لم أنشر ذلك الجزء من البيانات مطلقًا؛ ففي نهاية المطاف كانت هناك أشرطة أخطاء كبيرة في قياساتي. حين أعود بفكري إلى ذلك الوقت، أرجو لو كان الأمر ممكنًا لأننا نَعلم الآن أن الأجسام بين النجوم تأتي طوال الوقت؛ وأبرزها "أومواموا"، الجسم البَينجمي (بين النجوم) الذي مَرق في عام 2017. وهناك اليوم كتلة كبيرة من الغبار لم تأت بالتأكيد من داخل نظامنا الشمسي، ولا نعرف ما سنلتقي في المرة المقبلة، أليس كذلك؟
لقد انتقلت من الغبار وتعمل الآن كثيرًا على الكويكبات والأجسام الصغيرة الأخرى في النظام الشمسي. من أين يأتي هذا الاهتمام؟
ذلك شغفي، حقًّا. إنه يرتبط باهتمامي بالتصوير المجسم. فجميع الأجسام التي تزورها المركبات الفضائية غير المأهولة تصلح للتصوير بتقنية استريو ثلاثية الأبعاد؛ ولإنجاز ذلك، نحتاج إلى مَشهدين مختلفين لجسمٍ ما لإنشاء زوج استريو. ومن البديهي أن كل شيء في النظام الشمسي يدور؛ وهو أمرٌ حَسَن، لأن الدوران يمنحنا زوجًا من المشاهدات المطلوبة من زوايا مختلفة قليلًا. في الأساس، أجمع البيانات من كل بعثة فضائية مع زميل لي في إيطاليا، ونجد البيانات اللازمة لإنجاز صور ثلاثية الأبعاد.
ثم بدأنا ننسج صداقات مع بعض الفرق من "ناسا" و"وكالة الفضاء الأوروبية" و"وكالة استكشاف الفضاء اليابانية"؛ وما إن رأوا ما كنا نفعل، حتى انتشر الخبر إلى بعثات أخرى. كانت أول فرصة عظيمة لنا هي "نيو هورايزنز"، التي دخلت التاريخ بتحليقها لدى "بلوتو".
أَذكرُ أنني التقيتك أثناء ذلك التحليق في عام 2015. لقد كان وقتا ممتعا!
كانت مشاهدة تلك البيانات وهي تصل، إحدى أعظم تجارب حياتي. فلقد رأينا كيف يبدو بلوتو للمرة الأولى، وحصلنا على رؤيتين مختلفتين: واحدة قبل التحليق مباشرة، والثانية أثناء مرور المركبة الفضائية. لقد جمعت اثنتين من تلك الصور معًا فأنجزتُ أول صورة ثلاثية الأبعاد لبلوتو. لقد فعلت الكثير من الأشياء الجيدة في حياتي -فلطالما حالفني الحظ- ولكن تلك كانت واحدة من أكثر اللحظات إثارة في حياتي.. أن أرى بلوتو فجأة، وهو الذي كان في طفولتي نقطة بياض، بكل تفاصيله المجيدة بأبعاد ثلاثية. لقد كان تشويقا لا حدود له. أنت الآن تعمل مع فريق "أوزيريكس-ريكس" الذي أرسل مركبة فضائية إلى الكويكب "بينو". أثبتت هذه البعثة أن الصور المجسمة ليست للمتعة فقط؛ بل يمكن أن تكون مفيدة أيضًا. قد تمنحك تقنية الاستريو إحساسًا غريزيًا بالتضاريس من شأنه مساعدتك في اختيار موقع الهبوط. كان هذا أمرًا بالغ الأهمية في بينو: فقد كانت المَهمة هي أخذ عيّنة من هذا الكويكب، لذا عملنا على التقاط صور مجسمة لكل موقع هبوط محتمل. أعتقد أنه كان هناك 24 منها. ساعدَنا ذلك في اختيار الموقع النهائي، وتم جمع العيّنات بأمان.